فعل مبدأ المحاسبة فعله في وزارة الإتصالات. فجنّب الدولة خسارة مبنى تاتش في الباشورة بعد تكبيد الخزينة أموالاً طائلة من أجل تملّكه. إذ أكد وزير الإتصالات جوني القرم لـ «نداء الوطن» أن البلوكين B وC من مبنى الباشورة القائم على العقار 1526 باتا ملكاً لتاتش. وهما أصبحا كذلك بعد رفع إشارة التأمين الموضوعة على المبنى من قبل فرنسبنك، كما تمّ فرز العقار.
▪️ينتظر أن يُستكمل تسجيل عقد تملك البلوكين في الدوائر العقارية، من خلال دفع رسم طابع بقيمة حددها القرم بمبلغ 185 مليار ليرة. ورسم الطابع بحسب وزير الإتصالات يفوق بقيمته ما سددته تاتش لشركة DEVELOPMENT CITY أي مالكة العقار، بنحو عشرة مليارات ليرة. إذ أن التسوية الأخيرة مع الشركة بعد تخلّف تاتش ومعها وزارة الإتصالات عن تسديد أقساط التملك المستحقة عن ثلاثة اعوام متتالية، إنتهت إلى قبول الشركة المالكة بتقاضي مبلغ 175 مليار ليرة، أو ما حدده القرم بـ1.8 مليون دولار. هذا مع العلم أن العقد الموقع بين الطرفين منذ سنة 2019 حدد قيمة كل قسط من الأقساط التي استحقت في الأعوام 2020، 2021، و2022 بمبلغ 15 مليون دولار كان يفترض أن يسدد في بداية كل عام، بالإضافة إلى 7.5 بالمئة فائدة سنوية على هذا التقسيط سترتب مبلغ 5.1 ملايين دولار إضافية على سعره وفقاً لديوان المحاسبة. وهذا ما جعل القرم يعتبر أنه من خلال تسديد مجموع هذه الأقساط بمقابل مبلغ 175 مليار ليرة، يكون قد وفّر على خزينة الدولة مبلغ 50 مليون دولار.
▪️وللتذكير، فإنّ قضية هذا المبنى هي موضوع ملاحقة قضائية من قبل ديوان المحاسبة،ووجه تقرير الديوان الإتهامات إلى ستة وزراء إتصالات متعاقبين منذ عهد الوزير نقولا الصحناوي.
▪️ومن بين هؤلاء الوزراء المتعاقبين جمال الجراح ومحمد شقير المتورطان مباشرة بصفقتي استئجار مبنى تاتش في الباشورة ومن ثم شرائه. بالإضافة إلى كل من الوزيرين طلال الحواط وجوني القرم اللذين إتهمهما التقرير بالتخلف عن وضع إشارة عقد البيع الموقع مع CITY DEVELOPMENT على الصحيفة العينية للعقار، على رغم معرفتهما بتداعيات هذا الإهمال.
▪️بالعودة إلى إعلان الوزير القرم عن الوفر الذي حققه من خلال إتمام عملية البيع وتسجيل المبنى بمبلغ 175 مليار ليرة، فقد تبين أنّ هذا الوفر تحقق عملياً نتيجة لإنهيار قيمة العملة اللبنانية، الذي فاقمه غياب السياسات الإصلاحية من قبل الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2019 حتى اليوم، ومن بينها الحكومة التي يرأسها حالياً الرئيس نجيب ميقاتي. وهذا ما تصفه مصادر متابعة بـ»سخرية القدر»، إذ يُتوقع من اللبنانيين أن يهللوا لإنهيار قيمة العملة، لأنها جعلت مبلغ 175 ليرة لبنانية يوازي الـ 1.8 مليون دولار على سعر صرف السوق الموازية الذي اعتمده الوزير، في وقت تصدر فيه شركتا الإتصالات، تاتش والفا، فواتيرهما المستحقة لدى المواطنين، بناء على سعر الصرف المعتمد عبر منصة صيرفة.
▪️إذاً لم يتحقق الوفر الذي تحدث عنه الوزير، نتيجة للجوء إلى تدقيق في الأرقام السابقة، سيظهر وفقاً لمصادر مطلعة بأنّ ثمن المبنى سدد فعلياً بناء على سعره الفعلي، والذي لا يجب أن يتجاوز الـ50 مليون دولار. بل نتيجة لإنهيار قيمة العملة اللبنانية. في وقت أنّ أي مبلغ إضافي تحققه CITY DEVELOPMENT حالياً من دون تصحيح الأرقام، يشكل ربحاً إضافياً لها، فكيف إذا كان هذا المبلغ يوازي وفقاً لحسابات الوزير 1.8 مليون دولار أو 175 مليار ليرة لبنانية.
▪️أما بالنسبة للبنانيين، فقد يحمل مضي ديوان المحاسبة بإصدار إداناته النهائية، جرعة أمل، بأن من ساهم بهدر الأموال العامة سيحاسب، وستكون هناك فرصة لإستعادة ولو جزء من أموال اللبنانيين المنهوبة، والأهم أنها ستسترد من جيوب من أهدروها، بددوها أو نهبوها. على أمل أن تشكل محاسبتهم رادعاً لإرتكابات مشابهة مستقبلاً.