حمزة الخنسا – الأخبار
استمتع الموفد الأميركي عاموس هوكشتين بوقته في بيروت أمس، برفقة السفيرة الأميركية دوروثي شيا، وتغنّى بـ«قهوة سريعة ومنقوشة في الفلمنكي مع المنظر الجميل المطلّ على الروشة». قبل ذلك بنحو شهرين، كان هوكشتين قد حزم حقائبه وجلس طويلاً ينتظر إشارة من إدارته تسمح له بأن يطير إلى العاصمة اللبنانية لـ«الخوض في مساعٍ» مع المعنيين حول ملف الحدود البريّة للبنان مع فلسطين المحتلة.
تطوّر عمل المقاومة في مناطق جنوب نهر الليطاني لطالما أقلق إسرائيل، لكنّ تل أبيب صبّت أخيراً كل قلقها، المصحوب بالخشية من انزلاق محتمل للوضع إلى مربّع التفجير، خصوصاً في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، على الخيمة التي نصبها حزب الله داخل الأراضي اللبنانية في مزارع شبعا المحتلة قرب الحدود مع فلسطين، بوصفها الحركة الأكثر تعبيراً عن جرأة المقاومة الناجمة عن نجاعة حالة الردع التي أوجدتها في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي. وانطلاقاً من «معادلة الخيمة»، كانت حكومة بنيامين نتنياهو دائمة البحث عن مخارج وحلول، ولهذه الغاية طرقت أبواباً كثيرة.
بحسب المعلومات المتوافرة في هذا السياق، فقد تحرّكت تل أبيب منذ أكثر من شهرين باتجاه واشنطن طالبة منها التدخّل عبر هوكشتين لإعادة تحريك ملف الحدود البريّة في محاولة للوصول إلى «نهايات سعيدة لمكامن وجع الرأس» على الحدود الشمالية مع لبنان، غير أن الإدارة الأميركية التي كانت علاقتها في أوج توترها مع حكومة نتنياهو على خلفية ملفات عديدة، أبرزها ملف التعديلات القضائية في إسرائيل، والموقف من إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، ارتأت «تطنيش» مطالب نتنياهو الملحّة، كرسالة عتب أو غضب.
لم تستسلم تل أبيب أمام سياسة «التطنيش» الأميركية، فدقّ نتنياهو أبواب الإليزيه، طالباً من الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يقود موفده الخاص جان إيف لودريان مع اللجنة الخماسية المعنية بالملف الرئاسي اللبناني، مساعيَ للوصول إلى اتفاق ينهي الفراغ في قصر بعبدا. إلا أن باريس المنشغلة بـ«التمرّد» الأفريقي على وجودها التاريخي في القارة السمراء، لم تتجاوب أيضاً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، إذ إنها لا تريد «أي دعسة ناقصة» في علاقتها مع واشنطن في هذا التوقيت بالذات.
الجديد المُسجّل اليوم، هو أن عودة هوكشتين إلى بيروت تعني من ضمن ما تعنيه أن الإلحاح الإسرائيلي على واشنطن كان كبيراً إلى درجة دفعت الإدارة الأميركية إلى «رفْع العتب» عن نتنياهو الذي يئنّ تحت وطأة ضغوطات هائلة ناجمة عن «الملفات الكبيرة» المتعلقة بالحدود والأمن والمواجهة مع المقاومة في فلسطين ولبنان، المفتوحة في وجه حكومته دفعة واحدة. لكن التحدّي الذي سيواجهه هوكشتين في بيروت قد يعرقل مهمته، خصوصاً أنه حرص على القدوم إلى لبنان مصحوباً بجرعة تفاؤل حاول تعميمها وربْطها بـ«نتائج سريعة مرتقبة» لجولته.
اختبر هوكشتين «أسلوب تفاوض» لبنان في البحر ما «قبل مُسيّرة» كاريش وما بعدها
واقع الأمر يقول إنَّ عرْض هوكشتين إدارة وساطة جديدة تستهدف إنهاء ملف الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، لن يكون «رائعاً وجميلاً» بقدْر المنظر المطلّ على الروشة. ومع ان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب كشف أن الهدف من زيارة هوكشتين هو «العمل على ملف تثبيت النقاط السبع العالقة (المتبقية من النقاط الـ13) في الحدود البرية المرسّمة»، فليس هناك بعد اي اتفاق رسمي على تثبيت أيّ نقطة من النقاط الـ13 المتحفّظ عليها لبنانياً، على الرغم من أن مفاوضات اللجنة الثلاثية التي كانت قائمة في الناقورة عام 2018 توصّلت إلى اتفاق مبدئي على تثبيت عدد من النقاط المتحفَّظ عليها لبنانياً، إلا أن هذا الاتفاق المبدئي بقي من دون تنفيذ حتى اليوم، بعدما تهرّب الجانب الإسرائيلي من المفاوضات عندما وصلت إلى البحث في نقطة (B1). وعلى هذا النحو انتهت تلك المفاوضات ومفاعيلها، وبقيت النقاط الـ13 جميعها عالقة، إضافة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من الغجر (خراج بلدة الماري).
استعداد الطرفين الإسرائيلي والأميركي للإقرار بلبنانيّة مزارع شبعا سيكون مؤشراً مهمّاً إلى إمكانية نجاح مهمة هوكشتين على البر، خصوصاً أنه اختبر «أسلوب تفاوض» لبنان في البحر، ما «قبل مُسيّرة» كاريش وما بعدها. وهنا، لا يبدو أن «الرسائل المرنة» التي أرسلها الجانب الإسرائيلي أخيراً إلى بيروت عبر وسطاء، حيال إمكانية إعادة النظر في بعض التحفّظات اللبنانية ستكون كافية لتسهيل مهمة الموفد الأميركي، إذ إنّ الموقف هنا يبدو واضحاً لجهة ضرورة الاستفادة القصوى من عوامل القوة التي يمتلكها لبنان لاسترجاع كامل حقوقه في كامل النقاط المحتلة أو المتحفّظ عليها أو التي تتعرّض لخرق دائم، خصوصاً أن التجارب السابقة، إنْ في الترسيم البحري، أو في تعديل مهام «اليونيفل»، أعطت نتائج إيجابية للبنان رغم كل تعقيدات الظروف المحيطة.
على أيّ حال، يمتلك لبنان مجموعة كبيرة من التحفّظات والمطالب والحقوق في البرّ. فغير الغجر ونقاط التحفّظ الـ13 التي باتت معروفة، ونفق الناقورة الذي يجب أن ينضم إليها، يمتلك الجيش اللبناني أيضاً لائحة بـ17 نقطة «خرق دائم» من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مثل المنطقة الواقعة شمال الغجر والتي تُعتبر امتداداً لبلدة الماري العقارية، وما يُسمى السياج التقني أعلى نفق الناقورة باتجاه الشمال، وغيرها. وطبعاً، مزارع شبعا التي تقع فيها خيمة المقاومة الشهيرة. علماً أن دراسات عديدة حدّدت مزارع شبعا بأنها المنطقة التابعة عقارياً لبلدة شبعا، وتشكل مع البلدة نطاقاً واحداً يُدعى خراج مزارع شبعا، كما تشمل بلدة النخيلة وبلدة خربة الدوير اللبنانيتين المذكورتين في جميع القرارات الإدارية والتنظيمية للبنان، منذ إعلان دولة لبنان الكبير.