كتبت “الأنباء” الكويتية:
أطلقت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية برنامج «كتابي-3» لدعم قطاع التعليم في لبنان بقيمة 96.9 مليون دولار، وهو يشمل مساعدة 350 ألف تلميذ في المرحلتين المتوسطة والثانوية، و25 ألف مدرس في القطاعين العام والخاص. وقد تم تلزيم البرنامج لمؤسسة آر تي أي الدولية للعمل على تنفيذه بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء، وهو يمتد لـ 5 سنوات.
هذا البرنامج، إضافة للحراك السياسي الذي حصل في الفترة الأخيرة، والذي أسفر عن تخصيص مجلس الوزراء لسلفة بقيمة 5000 مليار ليرة لبنانية للقطاع التربوي، أعطى بعض الأمل للتلامذة وأهاليهم بإمكانية إطلاق العام الدراسي المتعثر، لاسيما في المدارس الرسمية وفي الجامعة اللبنانية، لأن الاعتمادات المرصدة في موازنة العام 2022 لا يمكن لها أن تؤمن مصارفات المدارس، ولا رواتب المعلمين الذين يعانون من تدني قيمة رواتبهم، بعد أن زاد سعر صرف الدولار الواحد على 90 ألف ليرة لبنانية، بينما تضاعفت مصاريف المدارس لناحية تنامي تكاليف تأمين التيار الكهربائي والتجهيزات والقرطاسية والكتب والمحروقات الضرورية للتدفئة ولوسائل النقل.
يجاهد قطاع التعليم في كافة مراحله للاستمرار بأداء دوره المتقدم، وسط ظروف اقتصادية ومالية وسياسية لم يسبق أن مرت على لبنان بهذه القساوة. بالمقابل فإن الجامعات تعاني من مشكلات لا تعد ولا تحصى، بما في ذلك العريقة منها والتي مر على تأسيسها أكثر من 150 عاما. وهذه الجامعات اضطرت لرفع أقساطها، وفرض دفع جزء أساسي منه بالعملة الصعبة، لكن الواقع المؤلم لا يسمح للعدد الأكبر من الطلاب بتحمل هذه الكلفة الباهظة، بينما تعاني الجامعة اللبنانية من واقع مؤلم، وهي إذ رفعت رسوم التسجيل الى ما يوازي 150 دولارا أميركيا على الطالب اللبناني في مرحلة الإجازة، لكن عددا كبيرا من أهالي الطلاب لا يستطيعون تأمين هذا المبلغ والذي سيضاف إليه مصاريف النقل وثمن الكتب والقرطاسية الضروريين.
وسط هذه المأساة التربوية المريعة، تراجعت بشكل لافت تقديمات المؤسسات الإنسانية المانحة، كما تدنت قدرت الجامعات على إجراء حسومات معقولة للطلاب، لاسيما للمتفوقين منهم، والذين كانوا يحصلون على حوافز كبيرة في غالبية الجامعات. كما أن قدرات الدولة المالية انخفضت على شاكلة مخيفة، ولم يعد باستطاعتها تأمين موازنات كافية للجامعة اللبنانية ولا للمدارس الرسمية، وهي توقفت عن دفع التزاماتها للمدارس شبه المجانية، أو أنها تدفع لهؤلاء بالليرة اللبنانية على الأسعار التي كانت رائجة قبل ارتفاع سعر صرف الدولار.
تنافست وكالة التنمية الأميركية والسفارة الفرنسية في السنتين الماضيتين على تقديم بعض المنح لطلاب الجامعات والمدارس الفرنكوفونية والإنغلوفونية، لأن بعض إدارات هذه المؤسسات هددت بتبديل اعتماد اللغة الأجنبية لديها. ولكن هذه المساعدات اقتصرت على المدارس الكاثوليكية وعلى الجامعة الأميركية في بيروت وعلى بعض مدارس الإرساليات الأجنبية. بينما تباطأت حركة منظمة “اليونيسف” الى الحد الأدنى، أو أنها أعطت أولوية لتعليم أبناء النازحين السوريين في الدوام المسائي.
المبادرة الأميركية الجديدة قد تساهم بشكل ملموس في انتشال القطاع التربوي من كبوته الموجعة، ولكنها بالتأكيد غير كافية. وإذا ما خسر لبنان ما تبقى من سمعته التربوية المتألقة، تكون قد تداعت آخر مداميك البنيان.
وسط التسابق بين الموفدين الذين يحملون أجندات متناقضة، لاسيما زيارتا الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين ووزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان وقدوم المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان المنتظر، يعيش لبنان أصعب أيام في تاريخه، واستمراره ككيان مهدد بفعل التباعد بين رؤى القوى البرلمانية المختلفة التي فشلت في انتخاب رئيس للجمهورية منذ ما يقارب العام، بينما بعض المظاهر الاستعراضية العسكرية لقوى المقاومة، تثير القلق وتبعث على الخوف، وتعطي حججا لكل الذين يضمرون شرا للبنان.