جريدة الأخبار – لمى علي
مع دخولها الأسبوع الثالث على التوالي، تُحاول احتجاجات السويداء الحفاظ على حجمها ووتيرتها وطابعها السلمي بالمجمل، وسط محاولات مستمرّة لجرّها إلى مناحٍ طائفية وهويّاتية ذات طابع انفصالي، أو حتى الدفع بها نحو مربّع العنف، والتلطّي خلفها لاستدعاء التدخّل الخارجي، مثلما تفعل بعض الشخصيات والقوى المعارضة، ولا سيما منها المقيمة في الخارج. واللافت أن هذه الاحتجاجات لم تعُد عائقاً أمام دوران عجلة الحياة في المدينة، كما حصل في أيامها الأولى؛ إذ تستمرّ حركة الأسواق والمدارس والأعمال والدوائر الحكومية المختلفة، باستثناء فروع «حزب البعث العربي الاشتراكي» المغلقة حتى الآن.
وحول ذلك، تقول الموظفة سهى. ح.، في حديث إلى «الأخبار»: «تَنبّه المحتجّون إلى الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه في بداية الحراك عندما قطعوا الطريق وأغلقوا الدوائر الحكومية وشلّوا حركة المدينة وفصلوا القرى عنها، فتمت معالجة الموضوع بإنهاء هذه المظاهر لتعود الحياة إلى شكلها الطبيعي، بالتوازي مع استمرار التظاهرات اليومية والتي تزداد بشكل ملحوظ يوم الجمعة». وتؤيّد سهى ما تسمّيه «الحَراك المحقّ»، مشيرةً إلى «ضمّه مختلف الشرائح الفكرية والاجتماعية والثقافية والعمرية، ومحافظته على طابعه السلمي وعدم انجراره إلى العنف أو التخريب»، مضيفةً إنه «على رغم التحريض الإعلامي والتخويف من تدخل الجيش أو الأمن لإنهاء الاحتجاجات، إلّا أنه لم يَصدر عن الجهات الحكومية أيّ ردة فعل عنيفة أو استفزازية، على رغم وجود مبنى قيادة شرطة المحافظة في ساحة الكرامة التي يتظاهر فيها المحتجون يومياً. وفي المقابل، لم تَصدر عن المتظاهرين أيّ أفعال عنيفة أو تخريبية».
ويشارك عماد. ح، سهى، الرأي، إذ يصرّ على «سلمية» الحَراك، ويرفض إظهاره بـ«صورة بشعة». ويقول لـ«الأخبار»: «قد تضمّ التظاهرات بعض الأشخاص الذين يقومون بتصرفات فردية غير مرغوب فيها، كرفع علم المعارضة والهتاف بألفاظ وعبارات مسيئة، إلّا أن أغلب المحتجين يرفضونها، ووجود هذه الأخطاء لن يؤثر في أهمية الحراك وحضاريته». ومع ذلك، تشير سماح. أ. إلى أن الحراك «أصبح يشكّل عقبة يومية أمام وصولها إلى مكان عملها، حيث تتجنّب المرور في شارع أو ساحة لتجمّع متظاهرين، إضافةً إلى انخفاض أعداد زبائنها اليوميين».
*تباينات في الصفّ الواحد*
إزاء الصور والفيديوات التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمتظاهرين يقومون بإزالة صور الرئيس السوري، بشار الأسد، وأعلام «البعث» من على المقارّ الحكومية ومداخل القرى، فضلاً عن مظاهر أخرى أعادت الذاكرة إلى عام 2011، تعلو الأصوات الرافضة لتلك المظاهر، ومن بينها الهيئة الدينية في بلدة القريا، التي شددت على ضرورة «عدم التعرّض بأيّ شكل من الأشكال لمقام رئاسة الجمهورية أو لجيش الوطن، وعدم رفع أيّ علم سوى العلم السوري»، داعيةً، في بيان، إلى «التحلّي بالحكمة والعقلانية وعدم الانجرار في أيّ اتجاه أو وراء أيّ طرف خارجي يبتغي حرف الحراك عن مساره الوطني وتخريب الأهداف التي قام من أجلها». وفي الاتجاه نفسه، صدر عن «دار الصحابي عمار بن ياسر» التابع لطائفة الموحدين في حيّ التضامن في دمشق، بيان شدّد على أهمية أن تكون «المطالب تحت سقف الوطن ورايته ووحدة أراضيه»، معتبراً أن «الوطن وعلم الوطن وجيشه وقائده خطّ أحمر»، مضيفاً إن «المكان الصحيح للمطالبة بالحقوق وتحسين ظروف العيش ليس الشارع، وإنما مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية».
مع ذلك، سُجّل تباين في مواقف شيوخ العقل الثلاثة من الحَراك؛ إذ رفع الشيخ حكمت الهجري سقف المطالب، وحمّل الجهات الحكومية مسؤولية ما حدث وما سيحدث في حال انزلاق التظاهرات نحو مسار غير مرغوب فيه، فيما أبدى الشيخ يوسف الحناوي موقفاً أكثر اعتدالاً، ورفض الشيخ يوسف جربوع «أيّ خروج عن عباءة الدولة». أمّا ما اتّفق عليه جميع هؤلاء، فهو رفض كلّ ما يتعلّق بمشروع الانفصال الذي يسوّق له البعض. وحول هذا التباين، يقول مسؤول لجنة الوقف في قرية أمّ الرمان، الشيخ سمير أبو طافش، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الاختلاف شيء طبيعي، وخاصة في حدث حساس مثل هذا. وبشكل عام، كلّ رأي يحتمل الخطأ والصواب في بداية الحدث. لكن في النهاية، الرأي الصح هو الغالب»، مشيراً إلى أن الحراك «ليس وليد الصدفة، بل سببه تراكم سنوات طويلة من المعاناة والفوضى وغياب دور الأحزاب والمرجعيات، مقابل تقصير الحكومة في تلبية مطالب الناس وأداء دورها في الحفاظ على الأمن والأمان».
ويرى الشيخ أبو طافش أن الشارع «دائماً ما تحدث فيه أخطاء فردية لا تلقى تأييداً من الجميع، لكن مشروعية الحصول على المطالب المحقة هي التي تدعو إلى الاستمرار»، مضيفاً إن «السلوكيات الخاطئة من البعض لا تدين الحراك أبداً، ونحن نرفض شيطنة الحراك، أو الترويج لموضوع الانفصال، فالسويداء كلها ضد الانفصال على المستوى الشعبي والمرجعيات، ونرفض أيضاً بشكل قطعي الاتهامات بالخيانة والعمالة لإسرائيل». ويجد أبو طافش أن الحل يكمن في اللجوء إلى الحوار لتحقيق المطالب، قائلاً: «نحن لا نريد إلغاء الطرف الآخر، بل ندعوه إلى الحوار. وعندما يرتفع سقف المطالب وتتوجّه الشعارات لرئيس الجمهورية، ذلك لأن المحتجّين على اقتناع بأن الحل بيده وهو صاحب القرار، ومع ذلك لا يرفع كل المحتجين الشعارات ذاتها وينادون بسويّة خطابات واحدة، لكن المطلب واحد».