امال خليل – الأخبار
لم تكد ساعات قليلة تمرّ على انتهاء اجتماع قيادة فتح بأركان الدولة السياسيين والأمنيين المعنيين بالشأن الفلسطيني في السراي الحكومي، حتى انفجر الوضع الأمني في عين الحلوة على مستويات غير مسبوقة نوعاً وكماً. وسقطت كل تعهدات المشرف على الساحة اللبنانية في فتح عزام الأحمد من منبر السراي، مع شنّ عناصر الأمن الوطني الفلسطيني التابع لحركة «فتح» أعنف عمليات قصف منذ اندلاع الجولة الأولى من الاقتتال نهاية تموز الفائت.
اشتباك أمس، أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وسط تفسيرات متضاربة لما يجري داخل حركة «فتح»، خصوصاً أن عدم القدرة على تنفيذ التعهّد بوقف إطلاق النار جعل كثيرين يتحدثون صراحة أمام المسؤولين في بيروت بأن من يتحكّم بقرار المقاتلين ليس عائداً لهم، بل لقيادة رام الله، وأن رئيس المخابرات العامة ماجد فرج هو من يعطي الأوامر بمواصلة القتال، وهو من يرسل المال ويقوم باتصالات تسمح بإدخال مقاتلين وعتاد إلى نقاط تمركز «فتح» في المخيم.
«الدولة مصدومة من معركة أمس»، بحسب مصدر مسؤول بعد نقض فتح التعهّد بوقف النار الذي قدّمه الأحمد في اجتماع السراي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون ومدير مخابرات الجيش العميد طوني قهوجي والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري. ونقل المصدر عن المشاركين بأن «الدولة لن تسكت عن غدر فتح. ولن تسمح بأن يبقى لبنان أسيراً لها».
الأحمد برّر للمجتمعين بأن خرق الهدنة «تقوم به عناصر غير منضبطة من فتح. فيما المجموعات الإرهابية هي من تقصف مراكزنا وترمي القذائف عشوائياً على صيدا ونقاط الجيش اللبناني». في المقابل، كان العماد عون حاسماً في إبلاغ الأحمد بأن «لهون وبس. ومن غير المسموح بأن تستمر فتح في معركة لا تحقق فيها إنجازاً بوجه الإرهابيين، بل تدمر المخيم وتهجّر أهله وتشلّ الحركة في محيطه»، رافضاً التبرير بوجود «عناصر غير منضبطة». وقال قائد الجيش للمسؤول الفلسطيني: «نحن لا نلعب ولن نقف متفرجين على تنفيذ مؤامرة أمنية كبيرة على الأرض اللبنانية، مستغلّة الظرف المعقّد السياسي والاقتصادي الذي يمر به البلد». ولم يغفل المصدر عن «أدوار تلعبها أجهزة استخبارات داخل فتح التي تحوّلت إلى مجموعات وبين الإسلاميين كذلك».
وساطات بلا نتيجة
وعلى وقع عودة عين الحلوة إلى ساعة الصفر وإسقاط اتفاقيات وقف إطلاق النار، تكثّفت الاجتماعات لدى فتح وحماس على وقع انكشاف الخلاف بينهما وتبادل الاتهامات. وجمع الأحمد «قيادة الساحة اللبنانية في حركة فتح»، في اجتماع مركزي ليل أمس في السفارة الفلسطينية، بينما ترأّس القيادي في «حماس» موسى أبو مرزوق اجتماعاً مماثلاً لقيادة الحركة في لبنان.
وكانت تصريحات الأحمد وأبو مرزوق قد أطاحت بالبيان الإيجابي الذي صدر عن اجتماعهما المشترك ليل أول من أمس في مقر السفارة للتوافق على وقف إطلاق النار وتسليم المطلوبين، إذ ألمح الأحمد إلى تورط حماس في دعم الإسلاميين بوجه فتح، معلناً أن «جهاز استخبارات أجنبياً يحرّض ويقدّم الإغراءات». أما أبو مرزوق، فردّ في تغريدة على منصة «إكس» بأن «ما يجري في عين الحلوة تدمير للمخيم تحت عنوان محاربة الإرهاب من دون نتائج حقيقية تُذكر. وقد حاولنا جاهدين مساعدة من هو في مأزق. لكنّ التعهدات التي قُطعت لنا هي بلا معنى».
الاشتباكات الأعنف
بدأ الاشتباك بهجوم شنّته «فتح» على نقاط تمركز الشباب المسلم في حي حطين. القصف العنيف أشعل عدداً كبيراً من منازل المدنيين، واستُكمل بمحاولة «فتح» السيطرة على نقاط الإسلاميين في الحي. لكنّ مجموعتي زياد أبو النعاج ورائد عبدو تصدّتا للمهاجمين وأجبرتهم على التراجع، بمؤازرة مقاتلي «عصبة الأنصار». بعدها، حاولت مجموعة أخرى، التقدم باتجاه تقاطع لوبية – صفوريه حيث سيطرة القيادي الفتحاوي المنشق محمود عيسى الملقب بـ«اللينو»، للالتفاف عبرها والوصول إلى حطين.
محاولة أمس، سبقتها محاولات عدة منذ بدء الاشتباك ليل الخميس الماضي للاحتكاك بمجموعات «اللينو» الذي التزم منذ الاشتباك السابق بالنأي بالنفس عن القتال مع أي طرف. وترافقت تلك المحاولات مع هجوم فتحاوي ضد «اللينو» بسبب منع إدراج منطقته ضمن المعركة ونشر قواته على مداخلها، مانعاً مقاتلي الطرفين من عبورها. وبعد صدّ مجموعة «اللينو» تقدّم الفتحاويين، تمكّن أحدهم من إطلاق النار على قائد المجموعة خالد أبو النعاج (توفي في وقت لاحق في المستشفى)، فردّ رفاقه بقتل مطلق النار. وفي حين سادت التوقّعات بأن يدخل «اللينو» على خط المعركة، أصدر «التيار الإصلاحي» بياناً لفت فيه إلى أن مقاتليه «تعاملوا مع مطلقي النار وأعادوا الهدوء والاستقرار»، معلناً أن «قيادة التيار تلقّت اتصالاً من السفير الفلسطيني أشرف دبور الذي أكّد أن المجموعة التي استهدفت أبو النعاج مخترقة ومرتبطة بالمشاريع الهدّامة».
*عون للأحمد: من غير المسموح أن تستمر فتح في معركة لا تحقّق فيها إنجازاً*
ورغم أن مربع «اللينو» استعاد هدوءه، إلا أن غالبية سكانه نزحت بعد اغتيال أبو النعاج من آخر منطقة آمنة في المخيم. واندفع النازحون إلى شوارع مدينة صيدا. وفي المخيم الذي صار مهجّراً بكامله، اشتعلت محاوره دفعة واحدة. وتسبّب القصف على حطين بدمار شبه كامل للحي. كما طاول الدمار نصف مساحة حي الصفصاف، حيث معقل العصبة. ومع سقوط مزيد من القتلى والجرحى، وبسبب فداحة الخسائر، فرضت «فتح» طوقاً أمنياً في محيط مستشفى الهمشري الذي نُقل إليه الضحايا. وأشارت مصادر طبية إلى سقوط سبعة قتلى من المسلحين في اشتباكات أمس فقط.
ولم يكد عين الحلوة يلتقط أنفاسه بعد تمدّد المعركة إلى صفوريه، حتى سقطت قذيفة على باحة ثكنة زغيب في صيدا، ما اعتبرته مصادر عسكرية بأنه «محاولة لجرّ الجيش إلى تدخل عسكري في المخيم بعد تكرار الاستهداف المتعمّد على مراكزه».