كتبت النهار
تقف إسرائيل وغزة على حافة العملية البرية التي تجمع التقديرات على أن إسرائيل ستقوم بشنّها تحت شعار تدمير سلطة حركة حماس في غزة. ستكون العملية قاسية ودموية. وستنتج عنها خسائر فادحة بين المدنيين الفلسطينيين. وستتعرض حركتا حماس والجهاد الإسلامي لضربات هائلة فوق الأرض وتحتها. ومن جهتها فإن إسرائيل ستتعرض لخسائر كبيرة، يمكن أن تتعدّى عدة آلاف من جنودها.
إذن نحن نعرف أن قرار الاجتياح البري لقطاع غزة قد اتّخذ، ويحظى بغطاء دولي واضح أو ضمني مردّه الى فداحة الضربة التي وجّهتها حماس الى إسرائيل في عملية “طوفان الأقصى”، وضخامة الحدث على جميع الصعد.
هذا الواقع يدركه “حزب الله” الذي لم نعرف لغاية الآن ما إن كانت إيران ستدفعه الى ساحة المعركة، ووفق أية شروط. إننا في لبنان أمام مشهد لا سابق له. لكن المؤشرات التي تردنا من صندوق البريد في الجنوب اللبناني تشير الى أن “حزب الله” يرفع من وتيرة الاشتباك بشكل متدرج. وبالتالي فإن التوتر جنوباً المنخفض المستوى حتى الآن، مسار مدروس يهدف الى منح السكان في الجنوب متسعاً من الوقت للخروج الى مناطق أكثر أماناً، وتهيئة الرأي العام في لبنان لاحتمال شن هجوم على الشمال الإسرائيلي في مسعى لعرقلة الاجتياح البري في غزة، والأهم للقيام بتحشيد قواه وأسلحته المنتشرة في كل أنحاء لبنان.
التكهنات متناقضة، لكن المنطق يشير الى أن طهران ستدفع بـ”حزب الله” الى الساحة مع انطلاق العملية البرية في غزة. وقد لا ينحصر فتح الجبهات “الإيرانية التبعية” على جنوب لبنان فحسب، بل يمكن أن تشمل جبهة الجولان مع سوريا تحت عنوان “وحدة الساحات”. فترك حركتي حماس والجهاد تدمَّران في غزة معناه سحب الورقة الإيرانية من الساحة الفلسطينية، مما سيؤدي الى انقلاب عميق على مستوى الاختراق الإيراني في المنطقة. وسيغيّر من طبيعة النفوذ الإيراني في الساحات التي يتحرك فيها.
بناءً على تقدم علينا أن نتوقع قرب قيام “حزب الله” بإشعال حرب مع إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.
وبصرف النظر عن أداء الحزب المشار إليه في الميدان، فإن النتائج ستكون كارثية على لبنان المثقل أساساً بأعباء كبيرة وهائلة، حيث إن لبنان شبه المدمّر أصلاً سيتعرّض لتدمير إضافي، فضلاً عن أن مئات الآلاف من اللبنانيين سيهجّرون من بيوتهم وقراهم ومدنهم.
حتى الآن لا يتحدث “حزب الله” بوضوح عن الخط الأحمر الذي حدّدته له طهران لكي يتورط في الحرب. وهذا أمر اعتدناه على مر الأعوام الماضية. لكن الفضيحة تأتينا من هذه الحكومة برئيسها وأعضائها الذين لا نسمع لهم أي صوت في هذه المرحلة التي يعيش فيها اللبنانيون في خوف كبير من أن يُزجّ بهم في أتون حرب لا علاقة لهم بها.
طبعاً هناك السياديون الواضحون. وهناك المتواطئون، والمستسلمون، والمتلوّنون. لكننا لا نجد موقفاً رسمياً صريحاً يعلن رفض توريط لبنان. فأين رئيس السرايا؟ وأين شاغل قصر بسترس؟ لا حياة لمن تنادي.
إن أفظع ما يعاني منه لبنان واللبنانيون هو هذا المستوى من اللامبالاة الفاقعة التي يواجهون بها من قبل الطاقم الحاكم.
كم هي كبيرة الجريمة التي ارتُكبت بحق لبنان عندما قامرت قوى سياسية عدة بالبلد واستسلمت وسلمت مقاليد السلطة الفعلية في لبنان لـ”حزب الله” منفرداً. واليوم نرى من خلال ما يجري على الحدود في الجنوب كم أن الدولة اللبنانية غائبة.