كتبت النهار
حين زار الموفد الفرنسي جان ايف لودريان بيروت في نهاية شهر ايار الماضي لم يكن متفائلا بنتائج لوساطته الرئاسية ولكنه حضر الى لبنان بطلب من الرئيس ايمانويل ماكرون لرفع تقرير له قبيل انعقاد القمة الاميركية الفرنسية على هامش الاحتفال بذكرى انزال النورماندي وزيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى باريس. التعويل الوحيد الذي اعتمد عليه لودريان هو ان الضغوط الحاصلة راهنا لم يعد في امكان اي فريق لبناني ان يتحملها وقد يسهل ذلك المضي نحو التوصل الى تفاهمات . ولكن لم يكن لديه اي شيء لتقديمه الا الامل بان الحريق الذي يلفح لبنان قد يساعد على اخراج ما .
اللافت ان غالبية القوى السياسية استبقت زيارة لودريان باستبعاد امكان نجاحها على خلفية الربط الذي يحدثه “حزب الله” بين الوضع اللبناني وليس فقط الجنوبي مع الحرب في غزة فيما ان بعض هذه القوى تحرك على الفور للمبادرة داخليا وكأن ثمة حاجة لدى هذه القوى للتموضع على نحو مسبق في اطار امكان تلمسها بان حلا ما قد يولد في اي لحظة في حال حصلت هدنة في غزة او نجحت الضغوط الخارجية ، انما هي تحركت ايضا او البعض منها في اطار حسابات مستقبلية سياسية وانتخابية الى الرغبة في ان يشاركوا في الولادة الرئاسية او ان يكونوا جزءا منها على رغم التقويم السياسي الذي استتبع زيارة لودريان بانه لم ينجح في احراز تقدم فيما سرى انه لن يعود قريبا الى لبنان . وهذه النقطة لا تعني في اي حال ان هناك حلا بات في المتناول لان فرنسا لن تنسحب من الواجهة اذا كان ثمة ثمار تقطف .
الخلاصة التي الت اليها الامور حتى الان ان المدخل الى الرئاسة يريده الثنائي الشيعي من الجنوب وليس من بيروت . فحتى حين يظهر الثنائي مرونة بان الرئاسة ليست مرتبطة بالحرب على غزة ، فانما يعني بانه يمكن الا يكون الربط كليا بل يمكن ان يهدىء الامور ويساهم في انتخاب الرئيس الذي يريده او التوافق على رئيس يفرض شروطا عليه . وهذه النقطة اي عدم القدرة على ايصال مرشح الثنائي سليمان فرنجيه انما ساهمت التحركات الاخيرة ، اذا كان من نتيجة لها ، في تأكيدها برفض التيار العوني الانضمام الى ذلك مجددا وتكرارا على رغم سعيه الى الاستفادة من الجدل المحتدم بين الثنائي ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع . فيما ان لدى قوى المعارضة اكثر من شبهة بل اكثر من اتهام في اتجاه سعي الثنائي الشيعي الى تمكين موقع رئاسة مجلس النواب على نحو لا يأخذ من صلاحيات رئيس الجمهورية فحسب بل ايضا من صلاحيات رئيس الحكومة .
ولكن التصعيد في المواقف يجري مع القوى المسيحية فيما تجلس القوى السنية ولاعتبارات مختلفة في مقاعد الانتظار وفيما قام الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تربطه علاقة ود مع رئيس مجلس النواب بمساع يبدو انها اكثر ما تستهدف تخفيف حدة التصعيد بين الجانبين الشيعي والمسيحي انطلاقا من خلفية اصرار الثنائي على الية لانتخاب رئيس للجمهورية تقوم على التحاور المسبق برئاسة بري والتي ترفضها القوى المسيحية سواء كان ذلك بدفع من بري بالذات او بدفع من “حزب الله” .
يقول سياسيون ان ليس هناك تحاملا على بري بل الامور مبنية على الوقائع المعروفة والتي يكررها السياسيون علنا كما ان معلومات توافرت بان اتصالات جرت مع الجانب الاميركي وتحديدا مع السفارة الاميركية في لبنان بناء على رغبة غير مباشرة من رئيس المجلس بان يتم حصر الاتصالات والمساعي التي يقوم بها الموفد الاميركي آموس هوكشتاين به وحده وان لا تشمل سواه بمن فيهم الخط الذي يقيمه هوكشتاين مع نائب رئيس المجلس الياس بو صعب والذي يصر الجانب الاميركي ولاسباب تتعلق به على ابقاء الاخير في الصورة بغض النظر عن مدى اعتماده على ما يمكن ان ينقله من رسائل او لا .
والمؤشر الثاني ان الرئيس بري الذي لم يمانع قبل اشهر مع اطلاق دعوته لطاولة حوار رفضت قوى المعارضة ان يترأسها ان يلعب بو صعب كذلك دورا في ادارة الحوار بدلا منه قد تراجع في هذا الشأن في اتجاه المطالبة بحوار يديره هو بالذات . وحين يكون بري ممسكا بورقة التهدئة في الجنوب بالنيابة عن الحزب وبتكليف منه، فهذه الورقة لن يتم التخلي عنها لرئيس للجمهورية يصل الى بعبدا قبل اتمام صفقة التهدئة ومكاسبها والتي ستعود الى الثنائي او الى الحزب .