((اللّهفة على وحدة الهوية لا تُجيز …أن نُطلق النّار على التّاريخ)
فكثيرة هي الشّكوك والظّنون التي تُثار أو تثور في الذّهن عندما تُطرح فكرة التدويل فهل من يطرحها يدرك ذلك ؟؟ أم أنّ عاطفته الجامحة النّابعة من حرصه على لبنان حجبت الرؤية السّليمة وجعلته عن غير قصد يعمل لتقريب أجل لبنان ..وإنهائه من غير أن يدري
فلبنان الذي عرف التّدويل لقضيته منذ القرن التّاسع عشر بعد أزمة الحرب في جبل لبنان في العام ١٨٤٠ عندما أُجبرت الدّول العُظمى الدّولة العثمانيّة على التدخل في النّزاع الدّامي عندها نشأ عن تدخلها نشوء أول نواة للكيمياء اللّبنانية المعروفة بالقائم مقاميتين وتكرّر الأمر في العام ١٨٦٠ ونتج عنه متصرفيّة جبل لبنان ..ومن ثمّ جاءت معاهدة سايكس بيكو الشهيرة لتنشأ دولة لبنان الكبير وفي العام ١٩٨٢ وأمام تشابك المشهد اللبناني وظهور الحرب الأهلية والإجتياح الإسرائيلي للبنان ووجود المقاومة الفلسطينيّة …
تدخل المجتمع الدّولي من جديد من خلال إرسال قوّات متعددّة الجنسيّات إلى لبنان ..
أمّا اليوم وفي ظلّ الظّروف الحاليّة والّتي تتطلّب تفاهماً لبنانيا ً بين القوى السياسيّة الممسكة بزمام السلطة لا يمكن لأحد أن يصف الوضع بما واجهه لبنان سنة ١٩٨٢ فالأزمة الحاليّة تكاد تلبس لباس أزمة الكيان من خلال ممارسات سياسيّي لبنان الّذين استحضروا كل الفيتوات بوجه بعضهم في خلال سعيهم لتشكيل حكومة الكل يدّعي أنه يريدها إنقاذيّة ناهيك عن الأزمات الإقتصادية ووالواقع المصرفي هذا عدا عن محاولة البعض نفخ الجمر الكابت تحت الرّماد من أجل استحضار المواجهة الطائفيّة وإحياء فِتَنها ..
وتأتي هذه الدعوات الى التدويل واستحضار الخارج في ظلّ تعثّر المبادرة الفرنسيّة التي يسعى الرّئيس ماكرون مع الاميركيين وبعض الدول العربية والتي أصبح بيِّناً أنها استنفذت ولم تنفع كل هذه الوساطات ..وتزامنت هذه الدّعوات مع تصريحات بابا الفاتيكان الذي شدّد على ضرورة أن يشهد لبنان التزاماً سياسياً ووطنياً ودوليّاً لعلّ ذلك يسهم في تعزيز الاستقرار ويجنب البلد خطر الإنغماس في التّجاذبات والتوتّرات الاقليميّة ..
كل هذه الأجواء الدّاعية الى التّدويل ..
يغيب عن ذهنها أن العالم بأغلبيّته صار حاضناً للعدو الإسرائيلي الّذي يشكّل خطراً وجودياً على لبنان في الوقت الّذي لا زال يحتل جزءاً من أرضنا بمزارع شبعا ويعبث بثرواتنا النفطيّة والمائيّة عند الحدود ….
هذا عدا عن ما يطرح حول تعدديّة السّلاح والّتي لايخفى على أحد عدم قابليتها للنّقاش تبعاً للإستراتيجية الدّفاعيّة التّي تضمن حق المقاومة ..في الدّفاع ..خاصة في ظلّ ظروف تنشط فيها المفاوضات بين الدول الكبرى وايران ..والتّي يظهر من خلالها أنّ الفرقاء السّياسيّين في لبنان يحاولون ألّا يبقوا بمعزل عنها غير أنهم لا يجدون أي طرف من بينهم قادراً على تمثيلهم ممّا دعى بهم الى الدّعوة الى هكذا مؤتمر على نحو لا يكون حزب الله وحده بسبب قوته وعلاقته بإيران طرفاً وحيداً فيه على طاولة المفاوضات طالما أنه نجح بتطويع القوى السياسيّة الداخليّة أما على قاعدة المصلحة أو نتيجة تصرّفات الآخرين التّي تضعفهم وتجعلهم عرضة للتّخوين إضافة الى ما يملكه من أوراق متعددّة من الحدود الجنوبيّة إلى الحدود الشرقيّة كلّها تشكِّل في جعبته رصيداً كبيراً للتفاوض ..
وإذا ما تعمّقنا في هذه الدّعوات إلى التّدويل يظهر في العمق أنها لم تنشأ بسبب أزمة تعطيل الحكومة إنّما هي في حقيقتها مسألة بحث في السّلاح الّذي يعتبرونه قادر على تعطيل أي مبادرة داخليّة او خارجيّة والقادر على تفجير وقلب كل الموازين ..
وفي هذه الظّروف يأتي التّحرّك الرّوسي،وصحيح أنّ روسيا لا تمتلك أيّة مبادرة في لبنان لكنّها مهتمّة جدّاً بملفّات لبنانيّة متعدّدة انطلاقاً من النّفوذ الرّوسي في سوريا ومشارك شركة نوفاتيك بعمليّات التّنقيب عن النّفط وإعادة تأهيل وترميم خزّانات النّفط في طرابلس كل هذه الملفّات ترتبط بدور روسي مستقبلي ركيزته عمليّة ترسيم الحدود البريّة والبحريّة بين سوريا ولبنان برعاية روسيّة والذي يحتاج الى نضوج الظّروف الدّوليّة والإقليميّة وإرساء حلول أو تفاهمات جديدة وفي ظلّ كل ذلك لا زال الإستعصاء الدّاخلي اللّبناني وسيبقى المشهد حالياً في مشادة بين قطبَيْن دعوة البطريرك الرّاعي النّادرة والفريدة بعد الحرب الأهليّة منذ حوالي ٤٠ سنة في وقت لبنان غير موجود على جدول الأولويّات الاقليميّة المدوّلة من مثيل الأزمة اليمنيّة والملف السّوري وصولاً الى الملف العراقي واللّيبي ..إلى آخر الأولويّات ..
ومن ضمن هذه المشادّة بين دعوة البطريرك وحلفائه وبين حزب الله ..ستستعمل القوى المؤيّدة للبطريركيٍة كل طاقاتها وستكثّف تحرّكاتها باتّجاه السّفارات والجّهات الدوليّة وسيبقى البلد يتخبّط والمواطن يدفع ثمن هذه السّياسات العقيمة التي ينتهجها الفرقاء السّياسين في البلد …
وستبقى هذه الدّعوات ومثيلتها التّي حجبت عنهم الرّؤية السّليمة هي التّي تسعى لتقريب أجل لبنان وإنهاء كيانه …
(((وسنعيدها ..بأن اللّهفة على هوية لبنان ..لا تُجيز لنا أن نطلق النار على …التّاريخ …))
)