فؤاد إبراهيم بزي
مع كلّ انخفاض في نسب الاصابات عالميًا نسمع اللازمة نفسها: إنتهى فيروس كورونا وخلال أشهر قليلة سننسى وجوده تقريبًا، ولكن هذه الجملة لم تكن يومًا صحيحة منذ كانون الأول/ديسمبر 2019 فالفيروس ما يزال موجودًا ولا ينفك يُخرج لنا مفاجآت كلّ حين، أين النهاية إذًا؟
الاصابات المؤكّدة عالميًا تقترب من الربع مليار إصابة وأكثر من 5 مليون وفاة. تتصدّر الولايات المتحدّة الأميركية الاصابات تليها الهند والبرازيل وأوروبا (بشكل عام)، وما زالت مناحي الإصابات تتغيّر وفقًا لمتغيّر أساسي واحد، ألا وهو الإجراءات الرسمية المتبعة وصرامة التطبيق، أمّا الاستشفاء والوفيات فكان العامل الأساسي في تسطيحها هو اللقاح وتوزيعه على الفئات الأكثر عرضة للإصابة.
أما من الناحية العلمية، فلا يمكن التكلّم أبدًا عن ضعف قد يصيب الفيروس بل ما يجري هو العكس تمامًا. الفيروس الأقوى والأكثر قدرة على التمسّك بالخلايا هو الذي يبقى ويصبح المسيطر ولنا في النسخة دلتا الهندية خير دليل، فهي الأولى عالميًا حالياً من ناحية العدوى والانتشار.. ولعل الطريقة الوحيدة المتاحة للفوز أو الصمود في هذه المعركة هي اللقاحات التي تسمح لأجسادنا بفرصة التعرّف على الخطر قبل وقوع العدوى الحقيقية، بالتالي تُبنى المناعة المناسبة مُسبقًا وهذا ما يؤدي بالفعل إلى تناقص ملحوظ في عدّاد الإصابات عالميًا.
وقد أثبتت اللقاحات قدرة عالية على تخفيف العوارض في حال الإصابة وليس منعها بشكل نهائي، وهذا ما كان منشودًا، بعكس كل الكلام غير العلمي الذي قيل منذ حوالي السّنة أنّ اللقاح الجيّد هو الذي يمنع الإصابة من الأساس.
لقد استطاعت هذه اللقاحات، بمختلف مكوناتها وجنسياتها، تخفيف العوارض الشديدة للمرض وطلبات الاستشفاء وكذا الوفاة حيث كانت أرقام الدراسات المقارنة تشير إلى أنّ نسب الاستشفاء (طلب دخول المستشفى) للأشخاص غير الملقحين تصل إلى 82.3% بينما تنخفض إلى 4.6% لدى الحاصلين على اللقاح بشكل كامل.
هذه الأرقام تؤكّد فكرة أنّ الإصابة بعد اللقاح واردة ولكن بمضاعفات خفيفة وغير شديدة عكس ما يمكن أن يجري في حال عدم أخذ اللقاح.
وعليه، يمكننا أن نصل هنا إلى استنتاج مفاده أنّ فيروس كورونا لن ينتهي أبدًا فهو وجد ليبقى، وهذا الأمر يعود بشكل أساسي لكونه ينتمي إلى فصيلة retro virus المتغيّرة كثيرًا وصاحبة الطفرات الدائمة ولكن هذا الأمر لا يعني بأي حال من الأحوال أنّ الخطر سيبقى جاثمًا على صدورنا مثل الأيام الأولى لانتشار العدوى، فمع اللقاحات والإصابات، تزداد أجسامنا قوة وتتعرّف أجهزتنا المناعية على الخطر وتكافح أكثر.. ولنا في فيروس الانفلونزا خير دليل على ذلك.
الجرعة الثالثة، متى ولماذا؟
بناءً على ما سبق، بدأت السلطات الصحية في بعض دول العالم بإعادة النظر بضرورة إعطاء جرعة ثالثة لتعزيز المناعة اللازمة لمكافحة المتحوّرات من الفيروس. وقد تكلّمت العديد من الدراسات عن تراجع تركيز الأجسام المضادة في الدم بعد مضي عدة أشهر على التلقيح التام ولذلك وجب إعادة التذكير، أمّا السبب الأهم لهذه العمليّة فهي ظهور المتحوّرات التي تُخفّف من فعاليّة اللقاحات.
وهنا لا بدّ من التذكير أنّه عند صناعة اللقاح لا يمكن بأيّ حال من الأحوال توقّع شكل المتحوّر الجديد من الفيروس ولهذا السّبب هذه الفصيلة من الفيروسات لا لقاح كاملًا لها، بل جرعات تذكيرية كلّ فترة زمنية.
وهذه الفترة يمكن تحديدها بفعالية اللقاح بعد الجرعة التامة أو الكاملة، فعلى سبيل المثال كلّ الملقحين بلقاح سينوفارم (الصيني) سيحصلون على جرعة ثالثة معززة، وهذه الجرعة يمكن أن تكون من نفس اللقاح الأول أو من لقاح ثانٍ، لا مشكلة في ذلك.. أمّا السبب فيعود لانخفاض كبير في فعالية اللقاح مع ظهور المتحوّرات الجديدة.
كما أنّ هناك توصيات صدرت عن وكالة الدواء والغذاء FDA ومركز التحكم بالأوبئة CDC بضرورة إعطاء هذه الجرعة المعززة من لقاحات فايزر وموديرنا وجونسون لكلّ الملقحين سابقًا من:
1. أصحاب الأمراض المزمنة والمستعصية.
2. الذين قاموا بزراعة عضو ويأخذون أدوية تُخفّف المناعة.
3. حاملي فيروس نقص المناعة البشرية HIV.
4. يأخذون أدوية تحتوي على ستيريودات steroids بجرعات عالية ما يؤدي إلى ضعف جهاز المناعة.
أما في ما يتعلّق بلقاح أسترا زينيكا وسبوتنيك V فحتى الآن لا ضرورة لجرعة معززة، ويبقى أن نقول أنّ هذه الأمور قد تتغيّر في أيّ وقت.
أخيرًا يجب الإشارة إلى ضرورة الحصول على اللقاح الخاص بفيروس الانفلونزا هذا العام أو ما يُعرف بـ “طُعم الكريب” وهذا يعود إلى أنّه في العام الماضي أدّت الإجراءات الصحية المعتمدة من لبس الكِمامة والتعقيم المستمر للأيدي إلى الابتعاد عن عدوى فيروس الانفلونزا، ما سيؤدي بالتالي أن يكون المرض هذا العام (الكريب) أشد بسبب عدم تحصيل مناعة مكتسبة طبيعيًا في العام الماضي، وعليه فاللقاح المذكور آنفًا سيحمي من العوارض الشديدة المتوقعة.