الكثير من التحذيرات حول ” التفكير السلبي” وآثاره على صحتنا النفسية، لكن ماهو التفكير السلبي؟ كيف نميز ما إذا كانت أفكارنا تندرج تحت هذا النوع أم لا؟ وهل وصف التفكير بـ(السلبي) يعني أن يتضمن جميع الأفكار المزعجة وغير المحببة للنفس ؟
إن ” السلبية” مصطلح واسع فضفاض يحتمل الكثير من المعاني، ولتوضيح المقصود بالتفكير السلبي من منظور نفسي يجب التنبه إلى أن “السلبية” هنا لا تتضمن الأفكار السيئة والمزعجة التي لها جذور في الواقع، قد يعتقد البعض أن التفكير السلبي يشمل أي أفكار مزعجة أو غير محببة، لكن ذلك غير صحيح، فلا بد من إدراك الفرق بين أن تراودك فكرة سيئة لكنها واقعية وتتطلب اتخاذ إجراء حيالها، وأي محاولة لتجاهلها أو قمعها ستؤدي إلى ضرر فعلي مثل: ( أدائي كان سيئاً، علي أن أتدرب أكثر)، وبين فكرة مزعجة لا أساس لها في الواقع و لن يجلب لك التفكير فيها أي فائدة مثل: ( أدائي كان سيئاً لأني فاشل)، هذا النوع الأخير غالباً ما يندرج تحت أنماط معينة من التفكير معروفة باسم التشوهات الادراكية Cognitive distortions وهي غالباً موجودة لدى الناس بدرجات متفاوتة.
وهنا نستعرض بعض أنماط التفكير غير الصحية، والتي يعتقد أنها الأكثر انتشاراً :
1- الاجترار السلبي Negative Rumination
ويعني ذلك تركيز الاهتمام على أعراض الضيق، وعلى أسبابه وعواقبه المحتملة، بدلاً من حلوله ، وغالباً هذا النمط يدور حول أفكار تقليل قيمة الذات ، على سبيل المثال : ” لم أنجح اليوم – لأنني لست كفء- لم أفلح بعمل أي شيء في حياتي – سأظل هكذا فاشل إلى الأبد…” فهنا فكرة واحدة انفرط بعدها باقي العقد، لتتساقط الأفكار في تسلسل غير منطقي يقود في النهاية إلى وأد أي دافع لحل المشكلة فمن فكرة عدم النجاح، إلى فكرة عدم الكفاءة، لينتهي الأمر بفكرة استحالة تحقيق النجاح مستقبلاً ، وهنا لا يعود الشخص ليفكر في السبب الحقيقي لعدم نجاحه، وماذا يمكن أن يفعل لتلافي ذلك مستقبلاً، لكنه يستمر باجترار الأفكار التي تدعم فكرة فشله ، حتى يصل إلى الاحباط واليأس، و ربما الاكتئاب.
2- الافراط في التفكير overthinking:
هذا النمط باختصار كما وصفته ميلاني غرينبرغ Melanie Greenberg هو: “محاولة للسيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه”، فالأفكار تدور حول المستقبل، المجهول، والأمور المصيرية التي لايمكن التنبؤ بها أو ضمان نجاحها 100٪ مثل 🙁 اختيار الشريك، الحصول على وظيفة)، وعلى الرغم من ذلك يستمر الشخص في هذا النمط بتوليد الأفكار، وتحليل البدائل، وتخيل النتائج بحثاً عن (التأكد) الذي هو مستحيل التحقق ، وهذا يمنع الفرد من الاستمتاع بحياته ، يحرمه من الشعور بالمجازفة والمخاطرة في أبسط الأمور، حيث يكون غالباً عالقاً في هذه الأفكار وغير قادر على الإقدام والانجاز. وفي هذا النوع قد يكون من المفيد التصالح مع “عدم التأكد” وتقبل كونك إنسان، وأن العالم لن ينتهي بقرار خاطئ، و كما يقول البرت اليس Albert Ellis” الحل لتضخيم الأمور هو أن تقتنع أن الأمور السيئة سيئة فقط وليست كارثية”
3- الكل أو اللاشيء (All-or-Nothing)
يحدث ذلك حين تستند أحكامنا إلى جزء من الحقيقة وتعممه دون النظر إلى الصورة الكاملة وغالباً مايتضمن هذا النمط عبارات التعميم مثل: ” يجب، كل،دائماً، أبدأ” فلا وجود للمساحة الرمادية بين ذلك فإما، أن تكون الحياة رائعة أو مريعة، و إما أن يكون الشخص ناجح أو فاشل ، وتكمن المشكلة في هذا النمط أنه يخلق توقعات متطرفة ومستحيلة حول النفس والآخرين والحياة ، وهذا لاينسجم مع تعقيد العالم و تجارب الانسان، ينسب لويندل جونسون Wendell Johnson قوله: ‘ دائما وأبدأ هي الكلمتان التي يجب أن نتذكر دائماً أن لانستخدمها أبدأ” في إشارة منه إلى التنبه إلى الدوافع اللاواعية خلف تعميماتنا و استبعادنا للبدائل الممكنة، والحذر من الانسياق خلف ذلك.
إن إدراك هذه الأنماط يقود إلى تدارك العديد من المشكلات، و إذا اتبعت هذا الإدراك بملاحظة واعية لطبيعة أفكارك، و بتدوينها، وتقييمها، فذلك سيساهم في الحد من تأثيرها السلبي على حياتك، ولا أزعم أن هذا سيتحقق بين ليلة وضحاها، فأنت بحاجة لجهود مستمرة لتلاحظ الفرق، ولا أزعم كذلك أنك ستكون قادراً على السيطرة على تفكيرك، تفكر بما تريد وتمنع ماتريد، فهذا صعب المنال، ولكن الأمر أشبه مايكون بأن تغوص في أعماق البحر حتى تصبح أقل تأثراً بتلك الأمواج الهائجة على سطحه.
الدكتور عبد الفتاح الحميدي استشاري العلاج النفسي