تصدّر فيلم “الطنطورة” مهرجان الأفلام في مدينة نيويورك الأمريكية في الأشهر الأخيرة، وسيعرض الفيلم في صالات السينما هذا الشهر. هذا الفيلم الوثائقي للمخرج اليهودي ألون شوارز، أطلق مطلع هذا العام ويتضمّن شهادات حيّة لجنود في جيش الاحتلال اعترفت بارتكابها مجزرة “الطنطورة” (نسبة لاسم المدينة في الداخل الفلسطيني المحتل) ضمن عمليات الإبادة والتطهير العرقي الممنهجة بحق الشعب الفلسطيني عام 1948 والتي مهّدت لتأسيس هذا الكيان المؤقت على أرض فلسطين المحتلّة.
ينقل موقع “ذي إنترسبت” عن المخرج “شوارز” أن الفيلم “يروي حكاية إسرائيل التي تتعامى”، أي أن “إسرائيل” تتجاهل الأساس التاريخي الذي قامت عليه. ويعترف المخرج “لقد سلبنا منهم تاريخهم (الفلسطينيون). لم يتوقف الأمر عند ارتكابنا التطهير العرقي بحقهم إذ أخرجناهم ولم نسمح لهم بالعودة، ولكنا سلبنا منهم أيضاً الحكاية الحقيقية، وسلبنا منهم حق التذكر، وهذا بحد ذاته أمر فظيع”.
وبحسب الموقع، فإن الفيلم هو نِتاج “عمل استمر لما يزيد على العامين من البحث والمقابلات مع العشرات من أولئك الرجال والنساء الذين باتوا الآن في العقد التاسع من العمر، حول الأحداث التي لم يسبق لمعظمهم أن تحدثوا عنها، بل وكان كثيرون منهم من قبل ينفونها نفياً قاطعاً”. كما يوثّق الفيلم مقاطع أرشيفية لم تشاهد من قبل لأحداث النكبة. وقد شارك في البحث والتحقيق: ألون شوارتز، شاي فوجلمان، تيدي كاتز، ألون سحر، سامي العلي.
وفي ترجمةً لأحد مقاطع الفيلم الذي يطول لساعة ونصف، يظهر أحد جنود جيش الاحتلال البالغ من العمر 90 عاماً حالياً، وهو يضحك أثناء اعترافه بقتل المدنيين الفلسطينيين، ويقول “خلال الحرب في حال رفع أحد الأشخاص يديه الى الأعلى لم أكن آخذه كسجين، كنت قاتلاً، قاتل لدي سلاح رشاش مع 250 رصاصة أطلقت النار قتلت الجميع، لم أكن أحصي عدد القتلى”!
ما الذي ارتكبه الاحتلال في طنطورة؟
وقعت مجزرة الطنطورة بتاريخ 22 -23 أيار/ مايو1948، وقد أعدم الاحتلال خلالها ما بين 300 الى 400 شهيد فلسطيني. بالإضافة الى ذلك دمّر الاحتلال تلك القرية بقضاء حيفا وهجّر أهلها البالغ عددهم آنذاك حوالي 1728 نسمة الى مناطق ودول الشتات (الضفة الغربية، قطاع غزّة، الأردن، سوريا، لبنان…) ثمّ أقام على أنقاضها مستوطنة نحشوليم.
جاءت هذه المجزرة بعد شهر واحد فقط من ارتكاب الاحتلال لمجزرة دير ياسين، وكشف عن جزء من تفاصيلها المؤرخ اليهودي آدم راز في مقاله في صحيفة “هآرتس” العبرية، اذ نقل عن أحد الجنود في جيش الاحتلال المتورطين في الجريمة طريقة قتل مجموعة من شهداء هذه المجزرة، فقد “أدخلوهم في برميل وأطلقوا النار عليهم، ما زلت أذكر منظر الدم في البرميل”، فيما قال جندي آخر “لم يتصرف المقاتلون كبشر في القرية”. كما نقل المؤرخ شهادة حيّة عن جندي سابق آخر، قال إن “ضابطا أصبح في السنوات اللاحقة مسؤولا بارزا في وزارة الدفاع (وزارة حرب الاحتلال)، قتل بمسدسه عددا من العرب”. وحسب الشهادة فإن الجندي قتل هؤلاء الفلسطينيين الذين كانوا أسرى لأنهم رفضوا الكشف عن المكان الذي أخفوا فيه الأسلحة المتبقية في القرية.
بالإضافة الى ذلك، سجّل اعترافات لجنود آخرين حدّدوا موقع القبر الجماعي الذي دفن فيه الشهداء، وقالوا إنه يقع اليوم تحت موقف السيارات على الشاطئ المعروف بـ “شاطئ دور”، يبلغ طول هذا القبر 35 متراً وعرضه 4 أمتار. وقد أقام الاحتلال على ذاك الشاطئ منتجعاً سياحياً! ويشير فيلم “الطنطورة” الى أن الاحتلال “اهتم بإخفاء القبر الجماعي، بطريقة تجعل الأجيال القادمة تسير هناك دون أن تعرف ما الذي تخطو عليه”، حسب المقاطع المصوّرة لشهادات الجنود الضباط.
وقد دمّر كيان الاحتلال عام 1948، حوالي 531 قرية ومدينة فلسطينية، وهجّر أكثر من 800 ألف فلسطيني من أرضه.