صحيفة الأخبار
المعطيات المتوافرة عن اليوم الثالث من الزيارة «الاستطلاعية» لجان إيف لودريان لا تزال نفسها الانطباعات التي خرجت بها القوى السياسية منذ اليوم الأول لوصوله، وهي اتّباع الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص قاعدة «الصمت كثيراً والاستماع أكثر». إلا أن الخلاصة الأساسية التي أسفرت عن لقاءات لودريان أن الأمور «متشابكة ومعقّدة جداً»، وأن العوامل الداخلية والخارجية غير ملائمة لإنتاج حل داخلي للأزمة اللبنانية، لا على صعيد الرئاسة ولا غيرها.
وإذا كان الموفد الفرنسي لم يعلن تراجع بلاده عن المبادرة – التسوية التي طرحتها بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل نواف سلام رئيساً للحكومة، إلا أنه كان، في الوقت نفسه، واقعياً لجهة الاعتراف بصعوبة تسويق المبادرة مع القوى المحلية والدول العربية والغربية، مشدّداً على أن إنتاج الحل لا يُمكن إلا بالتوافق والحوار.
وكشفت مصادر مطّلعة أن الموفد الفرنسي طلب من البطريرك بشارة الراعي أن يدعو إلى حوار، إلا أن الأخير لم يبد تجاوباً، فيما أبلغه رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه يشجع على الحوار، لكنه لن يدعو إليه لأنه أصبح طرفاً بعد دعمه ترشيح فرنجية. وبحسب المصادر، فإن لودريان، لكثرة ما سمعه من تناقضات وخلافات واختلاف في وجهات النظر، وما لمسه من تشدد كل فريق في موقفه، أدرك «استحالة» المهمة الموكل بها، وأنه لا يُمكن لفرنسا «المغضوب» عليها من بعض القوى الداخلية، تحديداً المسيحية، أن تنجح في هذا الدور منفردة. وهو سيحمل معه إلى بلاده وإلى ممثلي دول اللقاء الخماسي «غلّة» لقاءاته، على أن يعود لاحقاً إلى بيروت بتصور جديد.
واستكمل الموفد الفرنسي أمس لقاءاته التي استهلّها باستقبال النائب ميشال معوض في قصر الصنوبر، قبل أن يعقد لقاء موسعاً مع كتلة «تجدد» التي تضم إلى معوض النائبين فؤاد مخزومي وأشرف ريفي، فيما اعتذر النائب أديب عبد المسيح بداعي السفر. واستقبل النواب سامي الجميل ونديم الجميل وسليم الصايغ، ثم عدداً من نواب «التغيير»، والنائب السابق وليد جنبلاط برفقة نجله تيمور جنبلاط، ثم النائب فيصل كرامي، فالنائب أحمد الخير.
وتقاطعت المعلومات عند التأكيد على عودة لودريان خلال أسابيع ينتهي خلالها من إعداد تقرير حول عناصر الأزمة وفقاً لما سمعه ممن التقاهم، وتصور كل منهم للحل، ووضع توصيات لإنتاج فكرة أو مبادرة. وتمنح هذه المدة رئيس مجلس النواب فرصة حتى نهاية آب المقبل لعدم الدعوة إلى جلسات جديدة لانتخاب رئيس، والفرنسيين فرصة البحث في دعوة ممثلين عن بعض القوى إلى اجتماعات في باريس، إضافة إلى إجراء جولة جديدة من المحادثات مع السعودية وبقية أطراف اللقاء الخماسي.
أكّد الموفد الفرنسي أن السعودية لا تزال تقف في المربّع نفسه
وعلمت «الأخبار» أن لودريان عرض في اللقاء مع حزب الله تقييماً أولياً، أوردَ فيه أن عنصراً جديداً طرأ ربطاً بنتائج جلسة 14 حزيران، لكنه لم يتحدث عن مبادرة جديدة. وقال لودريان: «لقد أبلغني الطرف الآخر أن الجلسة الماضية كانت ضد فرنجية، وأنهم مستعدون للبحث في خيار ثالث». وأوضح أن داعمي أزعور أبلغوه أن التصويت «أظهر أن غالبية تتجاوز الـ 75 نائباً صوّتت ضد فرنجية (أصوات جهاد أزعور وزياد بارود والأوراق البيض) وأن غالبية ساحقة من المسيحيين صوّتت ضده». وتحدث لودريان عن الحملات التي تتعرض لها بلاده، وأن الفريق الآخر يعتقد بأن فرنسا تلعب دوراً غير إيجابي، وتتخلى عن دورها التاريخي في لبنان. كما شدّد على أن السعودية لا تزال تقف في المربّع نفسه، وتريد أن تكون بعيدة عن المقايضات والتسويات، وهي ملتزمة بمبدأ الحياد ولا تريد الدخول في مشكلة مع أي طرف لبناني.
وقالت مصادر مطّلعة إن «لودريان سمع دعوات إلى صياغة مبادرة تنتج اتفاقاً جدياً على رئيس توافقي، يكون قادراً على قيادة عملية إصلاحية»، وأنه سمع من بعض القوى كلاماً عاماً يشير إلى أن هناك قوى في لبنان تخوض المعركة بخلفيات شخصية.
في المقابل، سمع لودريان من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد شرحاً مفصّلاً ومطالعة دفاعية عن ترشيح فرنجية، وتأكيداً على استمرار دعمه وعدم التراجع عن ذلك، ودعوة للفرنسيين إلى مقاربة تأخذ في الاعتبار أن الهدف من التسوية ليس اختيار رئيس، بل إنتاج حل شامل يتجاوز موقع الرئاسة إلى القضايا الأخرى. ولفت رعد إلى «أن قراءة نتائج جلسة 14 حزيران ليست كما يعتقد خصوم فرنجية، وأن رصيد الأخير إلى ارتفاع بينما لم يصمد تقاطع الآخرين».
وردّ لودريان بأن المشوار طويل، وبأنه يعتقد أنه سيعود إلى لبنان مرات عدة. واتفق مع وفد حزب الله على تثبيت آليات التنسيق القائمة وعلى العمل وفقها وتطويرها.
واستضاف الموفد الفرنسي على مائدة غداء ستة من نواب «التغيير» هم: حليمة القعقور وبولا يعقوبيان وإبراهيم منيمنة وميشال الدويهي ووضاح الصادق وياسين ياسين. ووفق مصادرهم، استهلّ الزائر الفرنسي اللقاء بالطلب إليهم التحدّث براحة تامّة أمام بعضهم، متفهّماً الخلافات القائمة في ما بينهم، فردّت يعقوبيان، نافيةً الاختلافات في التوجهات والمشاريع، وحرصت على تجميل الصورة بحصرها ضمن اختلاف في «التكتيك».
وفيما أكّد لودريان أن لا حلول بين يديه، وأي مخرجٍ يجب أن يقوم على حوار اللبنانيين، توالى النواب على تقديم دفوعهم عن خيارات تصويتهم في الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيسٍ للجمهورية. الفريق الذي اقترع لأزعور مثّله الصادق والدويهي ويعقوبيان وياسين، وأجمعوا في كلماتهم على أن السبب الأساس لتقاطعهم مع حزبي «القوات» و«الكتائب» هو خلق توازن في وجه حزب الله ومرشّحه، مؤكدين رفضهم لتسوية تأتي برئيس جمهورية محسوب على فريق 8 آذار، ورئيس حكومة يدور في فلك 14 آذار. وفي حين اعتبر الصادق والدويهي أنه «هيك ما بقى يمشي الحال»، ركّز منيمنة على أهمية المشروع الذي سيحمله رئيس الجمهورية أكثر منه على الاسم.
أما القعقور فشرحت أنّ تصويتها للوزير السابق زياد بارود، خلفيته رفض «الانخراط في الاصطفاف السياسي والطائفي الكبير الذي سبق جلسة 14 حزيران، تعبيراً عن وجود خيار خارج جناحي الصراع»، وتطرقت إلى رفض التدخلات الخارجية في الاستحقاق.
في المقابل لم تُوجّه دعوات إلى النواب الياس جرادة ونجاة صليبا وسينتيا زرازير ومارك ضوّ وفراس حمدان، والمعلومات تفيد بأنّ السفارة ارتأت دعوة عدد من النواب الذين يمثلون التوجهات المختلفة ضمن مجموعة «التغيير». بالموازاة، وصف جرادة مشهدية قصر الصنوبر بـ«المؤلمة»، وقال في اتصال مع «الأخبار»: «مؤسف أننا لا نزال ننتظر موفد دولة أجنبية يجمعنا من أجل استحقاق داخلي صرف».