رلى إبراهيم – الأخبار
اخترعت جمعية المصارف فوزاً وهمياً لتضليل المودعين مقابل تبييض صورتها كحريصة على الودائع. فقد أصدر مجلس شورى الدولة قراراً بقبول مراجعة قدّمتها الجمعية لإبطال قرار مجلس الوزراء الرقم 3 (المحضر الرقم 32 تاريخ 20 أيار 2022) في شقّه المتضمن الموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي عبر «إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، لخفض العجز في رأس مال مصرف لبنان»، إذ اعتبر المجلس، أن له صلاحية البتّ في قرارات الحكومة كون موضوع الطعن من عداد «القرارات الإدارية بمنطوق المادتين 67 و105 من نظام مجلس شورى الدولة»، وأن القرار بما يتضمنه من إلغاء لجزء كبير من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف، له تأثير ملحوظ على أوضاع المصارف. لذا، أقرّ المجلس، بالإجماع، صلاحيته بالفصل في المراجعة واعتبار القرار المطعون فيه قابلاً للطعن، وفتح المحاكمة.
أتى قبول الطعن شكلياً، ليبقى الأساس في التوسّع بالمضمون. أي أن القرار غير نهائي أو حاسم لجهة إلغاء البند وفقاً لذرائع جمعية المصارف، لكنّ الجمعية المأزومة وجدت فيه خشبة خلاص لمحاولة شطب وتعديل صورة «الحرامية» التي لصقت بها في السنوات الأربع الأخيرة. هكذا سوّقت للقرار الشكلي بأنه انتصار لحقوق المودعين، وأنه قرار يمنع «شطب ودائعهم». وثمة من صدّق هذه الأكذوبة لأنها تمنحهم أملاً باستعادة أموالهم. غير أن الحقيقة في مكان آخر. فالمجلس، حتى في حال التوسّع في مضمون القرار المطعون فيه، هو غير قادر على التعامل مع مسألة توزيع الخسائر، لأنه ليس صاحب اختصاص، وصياغة خطّة جديدة أو تعديلها ليس من صلاحياته بل يقتضي عمله فقط النظر في القوانين ومدى مطابقتها مع القرارات الإدارية.
المصارف تحاول شطب صورة «الحرامية» التي التصقت بها في السنوات الأخيرة
وبحسب المحامي كريم ضاهر، ينظر المجلس في القضية من ناحية وجود نزاع بين القرارات التنظيمية والقرارات الحكومية. ويلفت الى أن الحكومة ارتكبت خطأً بإصدار خطّة النهوض المالي ضمن قرار، بينما الأجدى كان إصدار مشروع قانون يتضمن خطّة مرفقة به. هذا الخطأ فتح مجال الطعن، وشكّل ثغرة استغلّتها جمعية المصارف. في غضون ذلك، عمدت الجمعية إلى تضليل المودعين عبر إيهامهم بأن الودائع لن تُشطب وستبقى «بخير». لكن ما تريده جمعية المصارف فعلياً، وما يحصل منذ بدء الأزمة، كما يقول ضاهر، يتلخّصان في: «الهروب من المحاسبة، الإفلات من العقاب، منع أي مسعى لاستعادة الأموال المتأتية من الفساد، عدم محاسبة رؤساء مجالس إدارة المصارف ومديريها والحرص على عدم فتح أي ملف لأي مسؤول سياسي أو مصرفي ورفض إعادة رسملة المصارف. إذاً من أين يستعيد المودعون أموالهم؟ من النموّ كما يدّعون. لكن هذا النموّ مستحيل في غياب اتفاق مع صندوق النقد وفي غياب الثقة الدولية. أما الاتجاه المعتمد من مصرف لبنان والمصارف فهو تثبيت الدين على الدولة عبر التلاعب بقيود البنك المركزي لتحميل المواطنين ديناً هائلاً بهدف إعفاء حاكم مصرف لبنان من أي مسؤولية، بالإضافة إلى تظهير المصارف على أنها غير مفلسة ولا متخلّفة عن السداد». عملياً، النموّ يعني تغطية الخسائر على حساب كل فئات المجتمع بشكل لا يميّز بين من هم تحت خطّ الفقر ويمثّلون الغالبية العددية، والأثرياء الذين يمثّلون أقلية. آليات توزيع الدخل والثروة في لبنان لم تكن عادلة أصلاً، فكيف إذا جرى تضمينها أعباءً إضافية تعزّز الفجوات بين طبقات المجتمع؟
ثمة نقطة مهمة جداً في كل ما سبق، وهي أن مجلس الشورى أبطل بنداً في خطة تغيّرت أساساً، إذ كلّف نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي بمشاورة كل الأفرقاء لإضفاء تعديلات عليها. فصاغ خطّة بديلة في تشرين الأول 2022، وأدخل عليها ما يسمّى صندوق استعادة الودائع وميّز بين ودائع مشروعة وغير مشروعة. أما الطريق لغربلة الودائع، بحسب ضاهر، فيكمن في التدقيق بكل الحسابات عبر التحقق من أصلها برفع السرية المصرفية. عند ذلك الحدّ يتم شطب الودائع غير المشروعة تلقائياً من دون الحاجة إلى قانون. ويكشف ضاهر «استناداً إلى معلومات دقيقة»، أنه إذا أُخضعت الخسارة المقدّرة بـ73 مليار دولار، للتدقيق، فلن يبقى إلا ما يراوح بين 20 مليار دولار و30 ملياراً فقط، وتصنّف باقي الأموال غير مشروعة. وبالتالي يمكن، بالإضافة إلى استرداد الأموال غير المشروعة (القانون 214/2021) ومنها أموال رياض سلامة المقدّرة بـ300 مليون دولار، البدء بمسار التعافي المالي وتقديم حلول فعلية للمودعين بدلاً من التضليل الذي تمارسه الجمعية.
كما يشار إلى أن قرار مجلس الشورى شكلي، أي لا يمكنه التطرق إلى مضمون الخطة بمعزل عن نتيجة القرار. القرار لن يغيّر في مضمون أي خطّة أو أي إجراء تعدّه السلطة بشكل متلائم مع القوانين القائمة أو من خلال تشريعات جديدة. فبمجرد تحويل الخطة إلى إجراءات في مجلس النواب، لن يكون مجلس الشورى لديه أي صلاحية، بل سيصبح المجلس الدستوري هو الجهة المخوّلة للنظر في دستورية القوانين.