“6 أشهر من الفشل”، هكذا وصفت صحيفة “هآرتس” العبرية أداء حكومة اليمين المتطرّف برئاسة بنيامين نتنياهو. لم يكن هذا الوصف على خلفية تآكل الردع الإسرائيلي على مختلف الجبهات وانعدام أمن المستوطنين سواء بسبب الصواريخ او عمليات المقاومة في الضفة والداخل المحتل، أو على خلفية التعديلات القضائية، بل كان السبب الأبرز حسب تحليل الصحيفة هو أنّ الحكومة “لم تفعل شيئًا تجاه غلاء المعيشة في إسرائيل”، في ظل استمرار الاحتجاجات للأسبوع الـ 28 على التوالي.
ارتفاع الأسعار
يستمر جدول غلاء المعيشة في الارتفاع، فقد أعلنت العديد من شركات الأغذية والحليب عن توجهها لرفع أسعار منتجاتها بنسبة تصل إلى 7.4%، وفي الأول من أيار/ مايو الحالي، ارتفعت أسعار الحليب ومنتجات الألبان، بنسبة وصلت إلى 9.28%.
وعزت الشركات ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية، في العامين الماضيين، بما في ذلك أسعار الطحين وصدر الدجاج واللحم البقري والزيت والخضروات، إضافة إلى الكهرباء والوقود والمياه والأجور وغيرها.
ومن المقرر أن تشهد السنوات الأربع المقبلة ارتفاعات إضافية لتتجاوز نسبتها الإجمالية الزيادة التي كانت مقررة 16% على الأسعار السابقة.
على سبيل المثال، وأوضحت شركة “تنوفا” الغذائية، أنّ سعر صدر الدجاج الخام، الذي يشكل 50% على الأقل من تركيبة العديد من المنتجات، أغلى بالنسبة للشركة بحوالي 25% في غضون عامين، بينما أصبح سعر الدقيق أغلى بنحو 43%”.
يُذكر أن الحكومة قررت رفع أسعار الحليب ومنتجات الألبان تدريجيًا على أربع دفعات، بعد أن كانت نسبة الزيادة المقررة في أيار/ مايو الماضي 16%.
الشيكل يتراجع
بيّن تقرير إسرائيلي صدر عن موقع اقتصادي عالمي Investing في الرابع من شهر تموز / يوليو الجاري، أي بالتزامن مع بدأ الاحتلال عدوانه الكبير على مخيم جنين (معركة “بأس جنين) أن عملة “الشيكل” واصلت تراجعها أمام الدولار واليورو “مع تزايد التوترات الأمنية والإصلاحات القضائية التي يصر عليها نتنياهو”. فقد “انخفض الشيكل دون مستوى 3.7 دولاراً وسجل خسائر أمام اليورو قرب مستوى 4.03”. فيما رفع “بنك إسرائيل” الفائدة المصرفية للمرة العاشرة على التوالي في الأشهر الأخيرة. وقد وصلت الزيادة في شهر أيار / مايو الماضي الى 4.75، الأمر الذي سيعمّق معاناة الحاصلين على قروض كبيرة بشكل خاص.
ميزانية لا تُشبع الا اليمين المتطرّف
كان تمرير موازنة 2023 – 2024 لغمًا قد يؤدي الى انفجار الحكومة، “تجاوزه” نتنياهو بتقديم مزيدٍ من “القرابين” لأحزاب اليمين المتطرّف حفاظًا على منصبه ولو على حساب التداعيات على الكيان، وعلى الوضع الاقتصادي فيه بالنظر الى غلاء المعيشية وتراجع العملة.
توصّلت الاتفاقيات الى منح وزير الإسكان يتسحاق غولدكنوف رئيس حزب “أغودات يسرائيل”، أحد أحزاب كتلة “يهدوت هتوراة” بهبات إضافية لطلاب المعاهد الدينية بإجمالي 250 مليون شيكل (أكثر من 68 مليون دولار) وحزب “عوتسما يهوديت” (القوة اليهودية) بزعامة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بمبلغ إضافي بقيمة 250 مليون شيكل لوزارة النقب والجليل على ميزانيتها البالغة 450 مليوناً. على أن تُجتزأ هذه الأموال من فائض ميزانيات الوزارة الأخرى، وإن لم يكن كذلك فمن التقليصات التي ستطاول برامج قديمة في مختلف الوزارات في ما يُعرف بـ “التقليص الأفقي”.
في هذا السياق حذرت صحيفة “هآرتس” العبرية من أنّ موازنة 2023- 2024 “تشكّل انعطافاً حادّاً في مسيرة إسرائيل، بحيث تقودها إلى الهاوية”، مضيفًة أنها تُدني مستوى الكيان من “دولة متقدّمة وقادرة على منافسة الدول الرائدة في العالم إلى مسار التدهور والتخلف والفقر”.
وتابعت الصحيفة أنّ “الموازنة الحالية تشمل اتفاقيات بين الكتل البرلمانية المشكّلة للحكومة، لضخ مبالغ غير مسبوقة لأهداف تكبح النمو الاقتصادي من بينها مضاعفة ميزانيات المدارس والمعاهد الدينية وطلابها ومدارس الحريديم”.
كذلك حذّر 120 خبيرًا اقتصاديًا “اسرائيليًا” في رسالتهم الى الحكومة من أنّ “الميزانيات التي تنص عليها الاتفاقيات الائتلافية ستكون لها إسقاطات طويلة المدى، على إسرائيل كلها وعلى مستقبلها”.
في وقت سابق، انتقد المستشار الاقتصادي لبنك “هبوعليم” الإسرائيلي، والرئيس الأسبق لدائرة البحوث في “بنك إسرائيل” البروفيسور ليو ليدرمان، الميزانية التي أقرتها الحكومة الحالية معلّقًا أنها “تنقص من محركات النمو”، وأنها ” تعنى بقدر أكبر بإعادة توزيع الكعكة الإسرائيلية أكثر مما تعنى بتكبيرها”، محذرًا من أنّ “إسرائيل توجد على شفا ركود في الناتج للفرد في ظل التردي في مستوى المعيشة، حيث يوجد تآكل في القوة الشرائية للطبقة الوسطى وتآكل في مستوى المعيشة للفرد”.
كما كان ليدرمان قد اعتبر مطلع العام 2023 أنه سيكون “هناك مؤشرات مقلقة بشأن الاقتصاد الإسرائيلي، وهذه السنة نرى أكثر فأكثر محركات النمو في الاقتصاد تهدأ أو تتعطل”، مضيفًا “ربما ستسجل 2023 أنها سنة اقتصادية ضائعة”.
الاحتجاجات يزداد زخمها
تشارف المدّة الزمنية التي ناور بها نتنياهو لكسب الوقت من أجل منع تحوّل الصدام الداخلي بين تياري اليسار (المعارضة) واليمين الى صدام دموي. اذ كان نتنياهو قد أرجأ البت بالتعديلات القضائية في “الكنيست” منذ أواخر مارس/آذار الماضي الى شهر تموز / يوليو، وذلك بزعم إعطاء فرصة للحوارات التي جرت بين الأحزاب المتصادمة برعاية رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ.
فيما تستعيد مظاهرات المعارضة الزخم الكبير الذي بدأت به، بما يشير الى فشل “الحوار” والى أنّ الأزمة الداخلية في الكيان لا تزال معقّدة. اذ شارك 180 ألف مستوطن في المظاهرات يوم السبت 9/7/2023، وذلك عشية جلسة التصويت الأولى من أصل 3 “للكنيست” المقرّرة بشأن “مشروع قانون” يهدف إلى إلغاء إمكانية نظر القضاء في “معقولية” قرارات الحكومة.
بالإضافة الى ذلك، يتوعّد زعماء أحزاب اليسار بزيادة زخم هذه الاحتجاجات، ” إنهم يخططون لشيء لم يسبق له مثيل من قبل بما في ذلك، على ما يبدو، في مطار بن غوريون”، حسب صحيفة “هآرتس”، وذلك بعد أن كرّسوا إغلاق الطرق بما فيها الرئيسية كقاعدة أساسية في المظاهرات، وفق تحليل الصحيفة. الى جانب انخراط جنود وضباط الاحتياط بجيش الاحتلال في هذه الاحتجاجات.
يرفع المستوطنون المتظاهرون شعارات منددة بالتعديلات القضائية، وتوسّع سيطرة ونفوذ اليمين المتطرّف ومنهم “الحريديم” في مفاصل الكيان، الى جانب غلاء المعيشة والوضع الاقتصادي المتراجع.
الكاتب: مروة ناصر