الرئيسية / مقالات خاصة / واقع الجراحات القلبية في لبنان والعالم في العام 2022(الجزء السادس عشر):

واقع الجراحات القلبية في لبنان والعالم في العام 2022(الجزء السادس عشر):

 

متى نحتاج لها، مخاطرها وكيفية متابعة المريض ما بعدها..

كنا قد عرضنا بإيجاز في الجزء السابق من هذه السلسلة من المقالات المُخصّصة للحديث عن واقع امراض القلب والشرايين في لبنان والعالم في العام 2022،  اهم ما ورد في الأجزاء السابقة واهم المحطات التاريخية التي شهدت تطوير الجراحات القلبية واهم انواع الجراحات والتقنيات المتوفرّة حالياً، وكيف تمّ ذلك التدرّج في تطوير التقنيات مع الوقت، وما هو الواقع الذي نحن فيه حالياً. واشرنا الى ان التقدّم الحاصل منذ اكثر من عشرين سنة في هذا المجال شمل إستراتيجيات أخذ القرار الجراحي، الخبرات والتقنيات الجراحية المتنوعة ووعي أكبر لمتابعة المريض ما بعد الجراحة. واشرنا ايضاً الى الدور المُنتامي الذي تلعبه الطُرق الغازية أو التدخلية (Interventional or Invasive Theray)،  التي أخذت حيّزاً كبيراً في مجال علاج جميع انواع امراض القلب والشرايين، وخاصة في علاج  إنسداد  الصمام الأبهر للقلب. وفصّلنا الدور الكبير الذي اخذت تحتله ايضاً التقنيات الجراحية الأقلّ غزواً أو تغلغلاً في الجسم

(Minimally Invasive Heart Surgery)، خاصة في الدول المتقدمة ذات القدرات الإقتصادية الكبيرة.

في هذا الجزء نستعرض الحالات المرضية التي نحتاج فيها الى اللجوء الى الجراحات القلبية والشريانية، واهمّ مخاطر وإختلاطات العمل الجراحي، وكيف يجب ان تتمّ عملية مُتابعة المريض بعد إجراء العمل الجراحي على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

1- متى نحتاج إلى العمل الجراحي:

إن قرار إجراء العمل الجراحي لأي مشكلة في القلب خاضع اليوم لقواعد علمية دقيقة ومدروسة ويجب ان يتمّ قطعاً في العام 2022 ضمن الفريق القلبي (Heart team) الموجود في المركز الطبي المتواجد فيه المريض والذي اشرنا الى اهميته سابقاً وهو كما ذكرنا فريق يشمل ممثلين عن اطباء القلب التدخليين، جراحي القلب، اطباء القلب المعنيين بالتصوير الصوتي والشعاعي للقلب، اطباء البنج والتخدير والإنعاش والعناية المركزة، بالإضافة الى اطباء نفسانيين ومعالجين فيزيائييين ومساعدين اجتماعييين وغيرهم من العاملين والمعتمدين في المركز . وبحيث أن الطبيب المعالج يلجأ إلى طلب هذا التدخّل عند إستنفاذ كل الوسائل العلاجية الأخرى خاصة التدخلية منها اي تلك التي تستعمل القسطة او التمييل كما شرحنا سابقاً او إستنفاذ كل العلاجات الدوائية المُمكنة، أو عند عدم وجود علاج آخر لهذه المشكلة سوى الجراحة. ذلك لأن الجراحة القلبية في هذه الحالة تكون الحلّ الوحيد للخلاص من الأعراض أو لتحسين حالة المريض أو تحسين فُرص بقائه على قيد الحياة لمدة أطول. وهنا لا بُدّ من تقسيم الجراحات القلبية حسب نوع المشاكل أو الأمراض القلبية الموجودة:

أ- مشاكل الصمامات القلبية:

من المعروف أن المشاكل البسيطة أو المتوسطة في الصمامات القلبية من المُمكن أن تبقى من دون أعراض كثيرة، أو متصاحبة مع أعراض خفيفة يستطيع المريض تحملها لفترات طويلة قد تصل إلى سنوات. وهنا نلجأ فقط إلى المراقبة خاصةً بواسطة التصوير الصوتي للقلب مع الدوبلر كل ستة اشهر او سنة او اكثر حسب نوع المرض والصمام المريض. طبعاً هذا بالإضافة الى العلاج الدوائي  وإلى الوقاية من الإصابة بمرض إلتهابات الصمامات اي “مرض إلتهاب الشغاف” الذي قد يُؤدّي الى تدهور سريع في حالة المريض وضرر كبير في الصمام المُصاب مما قد يستدعي في بعض الأحيان عمل جراحي طارئ.  ولذلك يجب المحافظة على أفضل حالة سليمة للفم والأسنان والجيوب الإنفية والحِرص على خلوّها من اي مصدر للإلتهابات وعلاج مشاكلها جميعها عند اي مريض لديه مشكلة في احد صمامات القلب. كذلك ويجب تناول الأدوية المُناسبة للوقاية من هذا المرض الخطير عند الخضوع لبعض العلاجات التي قد تتسبّب بتسرّب بعض انواع البكتيريا او الجراثيم الأخرى الى الدم،  وبالتالي الى إمكانية ان تلتصق هذه البكتيريا على الصمام المريض وان تتكاثر عليه والتسبّب بالإضرار به وتلفهِ بسرعة احياناً.

أما عندما يُصبح مرض الصمام سبباً أساسياً لظهور بعض الأعراض مثل ضيق التنفّس أو التعب عند الأجهاد أو الإحتقان الرئوي،  أو عندما يبدأ بالتأثير سلباً على وظيفة عضلة القلب وإصابتها بالتوسّع او الفشل والقصور  أو بالتسبّب بإضطرابات خطيرة في نبضات وكهرباء القلب، فهنا يجب طبعاً دراسة العمل الجراحي وتقييم حالة المريض من خلال التصوير الصوتي للقلب مع الدوبلر وفحوصات أخرى مثل القسطرة او تمييل القلب لمعرفة حالة شرايين القلب ودراسة الضغط في داخل غُرف القلب عبر تمرير مسبر لقياس الضغط الداخلي في كل غُرفة من غُرف القلب ومعرفة تأثير خلل وظيفة الصمام على ضغط الدم في داخل غُرف القلب. وهنا من المُمكن الكلام عن حالتين:

A- حالة الصمامات المُتضيّقة

او المسدودة (Valves stenosis) : وهنا نتكلّم خاصةً عن حالة إنسداد الصمام الأبهر للقلب الذي يجب علاجة قطعاً بالجراحة في حال كان الإنسداد سبب لأعراض سريرية مهمة مثل الم الصدر او ضيق التنفّس او الغياب عن الوعي عند الإجهاد،  وإذا كان الإنسداد مساحتة أقل  0.6cm2/m2 ( اي اننا نقسم مساحة الصمام على مساحة جسم المريض بالمتر المُربّع لكي نأخذ بعين الإعتبار حجم جسم المريض وما إذا كان ضعيفاً خفيف الوزن او بديناً ذو جثة ضخمة). إلا إذا كان المريض غير قادر ابداً ومطلقاً للخضوع للجراحة او اذا كان هناك عوامل مرضية أخرى تجعل من المريض مريضاً  ذو مخاطر جراحية مرتفعة (اي انّ خطر الجراحة عنده أكبر من %3)،  فهنا نلجأ إلى التقنيات الجديدة مثل التقنية التي تكلّمنا عنها في معظم الأجزاء السابقة وهي تقنية تغيير الصمام الأبهر بواسطة المرور عبر الفخذ عن طريق القسطرة او التمييل

(Transcatheter Aortic Valve Implantation: TAVI). وكما اشرنا سابقاً فإنّ الدرسات العلمية الجديدة اثبتت إمكانية إجراء وامان وفعالية هذه التقنية عند “المرضى ذوي المخاطر الجراحية المتوسطة” وكذلك “الخفيفة”. ولذلك فمن المنطقي عرض إستعمال هذه التقنيات على المريض حتى لو كانت الجراحة عنده ممكنة، لأن هذه التقنيات تعطي نتائج مماثلة، لا بل افضل من الجراحة لأن المريض يستطيع ان يعاود عمله في وقت اسرع بعد تركيب الصمام عنده عوضاً عن الحاجة لحوالي شهر تقريباً للتعافي كلياً بعد “الجراحة الكلاسيكية”.

أما إنسداد الصمام التاجي فهناك أيضاً إمكانية اللجوء الى العلاج الجراحي عندما يكون الإنسداد غير قابل للعلاج بواسطة التقنيات التدخلية اي لعمليات التوسيع بواسطة البالون التي تحدّثنا عنها سابقاً ايضاً (Percutaneous mitral

Valvuloplasty)،  أي عندما يكون هناك  تكلُّس كبير في وريقات أو حلقة الصمام،  أو تهريب مهمّ في هذا الصمام أو هناك موانع أخرى للعلاج بالبالون.

B- حالات الصمامات المُصابة بالقصور او الفشل او الضعف اي الصمامات المُترهّلة او المثقوبة او التي تُهرّب الدم الى الخلف ( Valves regurgitation): فهنا أيضاً نلجأ في غالب الأحيان إلى الجراحة خاصة في حالة تهريب الصمام التاجي للقلب قبل حدوث ضرر كبير في عضلة القلب وقبل حصول توسّع خطير في غُرف القلب. ونحاول دائماً أن نلجأ إلى “العلاج الترميمي او التصليحي التصحيحي” للصمام التاجي الذي كما أشرنا ينجح في حوالي 50 إلى %90 من الأحيان في علاج مرض الصمام التاجي الترهّلي

(Degenrative mitral reguargitation) وفي حالات “مرض إنسدال او تدلّي الصمام التاجي للقلب” (Mitral prolapse). وهو علاج مُمكن أيضاً في علاج حوالي %80 من حالات إلتهابات الصمام التاجي اي “إلتهاب الشغاف” (Infective endocarditis). وهو أخيراً مُمكن فقط في علاج حوالي %50 من المرضى الذين يعانون من إلتهابات الصمامات الناتجة عن “الحمى الرثوية للقلب” لأن علاج هذا المرض صعب جداً ومُعقّد كثيراً بسبب تعدّد وتنوّع الإصابات التي تُؤدّي لضرر الصمام. أما في الحالات التي لا نقدر فيها على ترميم الصمام التاجي وفي حال وجود تهريب الصمام الأبهر المُصاحب لهذا المرض ( اي ان المريض يعاني في ذات الوقت من مشكلة في الصمام التاجي والأبهر)، فنلجأ في هذه الحالة إلى تغيير الصمام بصمام “معدني” أو “بيولوجي” مع نتائج مُشجّعة جداً على المديين القصير أو الطويل. ونشير هنا أخيراً إلى إمكانية علاج مشاكل الصمام التاجي أيضاً بواسطة التقنيات التدخلية

(Endovascular therapy) الأقل غزواً من الجراحة التقليدية. وقد اشرنا الى ذلك في الأجزاء السابقة وقلنا ان هناك عدة شركات تتسابق حالياً لتطوير وإبتكار طُرق وتقنيات جديدة لهذا المرض ومنها ايضاً “صمامات بيولوجية” لها هيكل معدني مُعقّد نسبياً، وهي تُزرع بواسطة القسطرة دون جراحة عند المرضى الذين يوجد عندهم “مخاطر جراحية كبيرة”. ومن هذه الطرق التقنية التي تقضي بإيصال “ملاقط” او “خيطان” او “اشرطة” معدنية او “حلقات اصطناعية” يتمّ إدخالها عبر “الأوردة” وبعد إختراق الحاجز الموجود بين الأذينين الأيمن والأيسر او عبر “شرايين الفخذ” او عبر “قمة القلب” بهدف ترميم الصمام التاجي وتقريب وريقتيه الأمامية والخلفية من بعضهما البعض وبالتالي تقليص توسّع حلقة هذا الصمام والحدّ من قصوره او تهربب الدم عبره الى الخلف.

وهنا نشير إلى أن هذه العمليات مُعقّدة نوعاً ما وتحتاج إلى فريق طبي مُتخصّص في هذا المجال ومنها ما اصبح اليوم مُستعمل بشكلٍ شبه روتيني عند الحاجة اليه وعند وجود حيثيات وضرورات لإستعمالها في بعض المراكز والدول المتقدمة التي لديها هكذا إمكانيات إقتصادية وبشرية وفرق طبية ذات كفاءة عالية لإجراء هكذا عمليات. في المقابل، هناك الكثير منها  قيد التقييم علمياً في عدة دول ومراكز عالمية لمعرفة فائدتها على المدى القريب أو البعيد وسوف تظهر نتائج هذه الدرسات والتجارب خلال المؤتمرات المُتخصّصة القادمة.

ب- مشاكل شرايين القلب (Coronary artery disease): في هذه الحالة يجب أخذ الأمور التالية بالحسبان قبل تقرير إجراء عملية جراحية أم لا:

A-موضع الإنسدادات على شرايين القلب وعدد هذه الإنسدادات وإنتشارها على شبكة الشرايين التاجية وقطر هذه الشرايين وكمية العضلة المستفيدة من كل شريان من هذه الشرايين،  بحيث أن الجراحة بشكلٍ عام هي الحلّ في حال وجود إنسدادات في الشريان الذي يُسمّى “النهر الكبير الأيسر” (وهو الشريان او النبع الأيسر الذي تتولّد او تتفرّع منه كل الشرايين التي تُغذّي الجهة اليسرى الأهم من القلب). كذلك يجب معرفة ما اذا كان هناك إنسدادات في الشريان الأمامي النازل للقلب وغيره من الشرايين الأساسية للقلب. في حال وجود كل هذه الحيثيات والإصابات يُصبح العلاج بواسطة الطرق التدخلية اي بواسطة تقنيات التوسيع بالبالون والروسور او الدعامات غير مُمكن لأسباب تقنية

(إصابات منتشرة جداً ،او في مواقع حسّاسة وعلى شرايين اساسية، مفارق كثيرة أو أعوجاجات أو تكلّس في الشرايين….) ولذلك نلجأ هنا للجراحة اي لتركيب جسور ابهرية-تاجية على الشرايين المُصابة من اجل افضل واوسع واشمل إعادة تروية لعضلة القلب عبر زرع جسور لإيصال الدم الى كل عضلة القلب وعلاج معظم الشرايين المريضة. وقد نلجأ للجراحة ايضاً  لأسباب إقتصادية مثلاً بسبب الحاجة إلى إستعمال أربعة أو خمسه رسورات او اكثر، وهذا غير مُمكن في بعض الدول النامية والفقيرة حيث لا تغطية صحية كاملة ولا ضمان إجتماعي  شامل لكافة افراد المجتمع ولا تأمين صحي خاص ممكن لتغطية الكلفة المرتفعة لهكذا عمليات من قبل مختلف المؤسسات الضامنة أو وزارات الصحة المطلوب منها تغطية كلفة هذه العمليات.ولذلك يكون الحلّ بواسطة الجراحة هو الحلّ الوحيد المتوفّر امام المريض و/او الطبيب المعالج من اجل تأمين علاج شامل بأقل كلفة مُمكنة لأن تأمين كلفة عدد كبير من الدعامات غير متوفّرة.

B-الضرر الحاصل في عضلة القلب: بحيث أنه يجب دائماً السعي إلى إعادة التروية الطبيعية في مناطق العضلة المحرومة من ذلك ولا فائدة كبيرة من إعادة التروية إلى “مناطق ميّتة” من عضلة القلب. وفي هذا المجال أيضاً أثبتت الدراسات أن المرضى الذين يعانون من قصور في عضلة القلب مع قوة مضخة عضلية أقل من %40

(LVEF :Left Ventricular Ejection Fraction < 40%) يستفيدون أكثر من الجراحة القلبية بالمقارنة مع العلاج بالطُرُق التدخّلية أي بالبالون والروسور.

C-الوضع العام للمريض: بحيث أنه يجب دائماً البحث عن المشاكل الرئوية أو الكلوية أو الأمراض السرطانية وغيرها من الأمراض الخطيرة أو المتقدمة مثل مرض السكري والبدانة وغيرهما أو عن التقدّم الكبير بالسن. فكلها عوامل قد تُشكّل مانعاً كبيراً  أمام العمل الجراحي، أو تجعل من الجراحة عملاً غير مُناسب خاصة إذا كان “مُعدّل او مُتوسّط الحياة المُتوقّع” عند المريض بسبب هذه الأمراض المُتعددة الأخرى أقل من سنة. وحيث من المُمكن الإكتفاء بعلاج دوائي أو بواسطة الروسورات لأن المريض يعاني من مشاكل صحية أخرى خطيرة وأمله بالبقاء على قيد الحياة مُتعلّق أكثر

بهذه المشاكل غير القلبية.

ج- الجراحات القلبية الأخرى: سوف نسعى لتفصيل كيفية توقيت العمل الجراحي في الحالات القلبية والشريانية الأخرى المتعددة عند مقاربتنا لكل موضوع على حدة تفصيلياً. وهذه الجراحات تشمل عدة انواع مختلفة من الأمراض من اهمها جراحة الأمراض والتشوّهات الخَلقية للقلب عند الأطفال حديثي الولادة او عند البالغين، جراحة اورام القلب،   جراحة تمدّد او توسّع او إنسلاخ الشريان الأبهر على انواعها، جراحة الإختلاطات الميكانيكية التي قد تتصاحب مع الذبحة القلبية الحادة، جراحة غشاء القلب والإنسداد او الإنحصار القلبي الذي قد ينتج عنه، جراحة الجلطات الرئوية، جراحة امراض كهرباء. القلب، جراحة تركيب الأجهزة الميكانيكية لمساندة عضلة القلب وزراعة القلب الطبيعي والقلب الإصطناعي الكامل. ذلك لأن لكل نوع من هذه الأمراض والحالات خصوصياته التي تجعل من الصعب جداً تلخيصها في هذا الجزء لأنها تحتاج الى الكثير من التفصيل والتوسّع.

3- مخاطر الجراحة القلبية: من المُمكن القول بشكلٍ عام أن هذه المخاطر تتعلّق بعمر المريض وبالمشاكل الصحية الأخرى التي قد يعاني منها. وتُقدّر نسبة الوفيات في الشهر الأول من الجراحة (من اليوم الأول لإجراء العمل الجراحي حتى 30 يوم بعد الجراحة) بحوالي %5 عند إجراء عملية تغيير صمام للقلب وبـ %2 فقط عند إجراء عملية زراعة شرايين (جسور أبهرية–تاجية). ولكن خطر الوفاة يزداد طبعاً مع وجود مشاكل صحية أخرى. ومن أهم العوامل التي تزيد من مخاطر الجراحة القلبية: التقدّم بالسنّ، كون المريض أنثى (في جراحة الشرايين التاجية للقلب)، وجود قصور كلوي أو رئوي مزمن، وجود قصور في عضلة القلب وقوة ضخّ عضلية اقل من 40%، إجراء العملية بحالة طارئة وإجراء العملية عند مريض كان قد خضع سابقاً لعملية قلبية بحيث يزداد الخطر بشكل كبير وقد تصل نسبة الوفيات في هذه الحالة الى ما بين 5 و 10% لأن العملية الأولى تتسبّب بحصول تليّف كبير في داخل القفص الصدري وحول القلب وفي غشاء القلب تحديداً وهذا ما يجعل العملية التالية اكثر صعوبة بسبب صعوبات التشريح والوصول الى القلب وشرايينه او صماماته . ومن المُمكن القول أن الجراحة المثالية (القليلة المخاطر) هي جراحة يخضع لها رجل عمره أقل من 50 سنة ولديه عضلة قلب طبيعية ولا يُعاني من مشاكل صحية أخرى وعنده إمكانية لإعادة التروية إلى أكبر عدد مُمكن من الشرايين التاجية للقلب. في المقابل فإن الجراحة عند المُسنّين الذين يكون عندهم مشاكل شريانية أكثر تعقيداً ومشاكل صحية أخرى مُتعدّدة أو الذين كانوا قد خضعوا سابقاً لعمليات قلبية أو خضعوا للعملية الجراحية بحالة طارئة، يكون عندهم خطر الوفيات والإختلاطات الجانبية بعد الجراحة أكبر بكثير من الشباب. وفي هذا المجال هناك عدة “مُؤشّرات” او “حواصل” (Score) لتقييم المخاطر الجراحية القلبية من المُمكن إستعمالها لتقييم خطر العمل الجراحي القلبي.  وهي مُستعملة جداً من قبل جراحي القلب لتوقّع خطر أية عملية جراحية قلبية ومن أهمها ( Euroscore and Synthax Score) وكلاهما  مؤشران مُهمّان يعتمدان على مُعطيات سريرية مُختلفة، على نتائج التمييل وطبيعة شبكة الأوعية الدموية، أماكن الإنسدادات والأعوجاجات والتكلّس الموجود على هذه الشرايين وعلى غيرها من عوامل الخطورة مثل وجود مرض السكري و/او القصور او الفشل الكلوي وعمر المريض.  وهما يُستعملان كثيراً في الدراسات العلمية للتنبؤ بمخاطر العمل الجراحي قبل إجراء العلاج ولتوجيه المريض نحو علاجات أخرى في حال كانت المُحصّلة أو النقاط (Score) مُرتفعة جداً. أخيراً لا يجب فقط النظر إلى الوفيات التي من المُمكن أن تحصل من جراء العمل الجراحي، ولكن يجب النظر أيضاً إلى تحسُّن “طبيعة الحياة التي سوف يعيشها المريض بعد هذه الجراحة”. ويجب إذاً مقارنة المخاطر الحاصلة في حال ترك المريض بدون علاج، مع المخاطر بعد العلاج مع أخذ نسبة الوفيات المُمكنة خلال العملية الجراحية بالحسبان. ويجب أيضاً مراقبة تحسن طبيعة حياة وأداء المريض وشفائه من الأعراض وإختفاء الآلآم الصدرية وضيق التنفّس بعد إجراء عملية جسور أبهرية-تاجية عند مريض ما. وهذا ما يُترجم أيضاً بإطالة “مُعدّل او مُتوسّط حياته المُتوقّعة” بعد العمل الجراحي.

ونُشير هنا إلى أن المرضى الذين يعانون من “مشاكل شريانية خطيرة” ومن حالات مرضية “غير مُستقرة” يستفيدون أكثر بالمقارنة مع المرضى الذين يُعانون من “أمراض أقل خطورة” أو لديهم “حالات مرضية مُستقرّة” والذين قد نكتفي عندهم فقط بالعلاج الدوائي والوقاية.

4- مُراقبة المريض بعد الجراحة القلبية: لا نتكلّم عند ال 48 ساعة الأولى الصعبة جداً بحيث يكون المريض لا يزال تحت تأثير البنج وفي غرفة العناية المركزة وعلى آلات التنفّس الإصطناعي، ولا عن الفترة الحرجة التي تليها والتي يقضيها المريض في قسم جراحة القلب في المستشفى تحت إشراف الجراح ومساعديه. وهي فترة تتراوح بين 5 أيام إلى 10 أيام بحسب حالة المريض والمشاكل الصحية الأخرى المُرافقة  الكثيرة المُمكنة خلال هذه الفترة. ونكتفي بالقول أن هناك تحسناً كبيراً حصل في إدارة وعلاج كل هذه المشاكل أدّى في السنوات الأخيرة الماضية إلى الحصول على نتائج أفضل بكثير بعد الجراحة القلبية. في المقابل يجب التركيز على الفترات اللاحقة بعد خروج المريض من المستشفى وعلى الدور الكبير الذي يجب أن يقوم به الطبيب المُعالج و”المراكز المُتخصّصة في إعادة تأهيل المرضى” ( سوف نخصّص لاحقاً جزء خاص نتكلّم فيه عن فؤائد واهمية إعادة تأهيل المرضى بعد الجراحة القلبية او بعد الإصابة بذبحات قلبية حادّة وخضوعهم لعمليات توسيع للشرايين، او عند المرضى المُصابين بقصور القلب، لما  لذلك من اهمية كبيرة لتخفيف نسبة الوفيات القلبية وتخفيف نسبة معاودة الدخول الى المستشفى بحسب عشرات الدراسات التي اظهرت ذلك)  في توعية المريض حول طبيعة مرضه، عوامل الخطورة الخاصة بهذا المرض، وأهمية مراقبة وعلاج كل هذه العوامل مثل إيقاف التدخين وإتّباع نظام غذائي صحي والقيام بتمارين رياضية على الأقل 3 إلى 4 أيام في الأسبوع ولفترات اطول اذا ما كان المريض يُعاني من مرض السكري او البدانة لما للرياضة من فوائد كثيرة عند هؤلاء المرضى. وكذلك يجب مراقبة الضغط الشرياني  ومستوى الدهنيات في الدم بشكل دوري والتشدّد في مراقبة مرض السكري وإختلاطاته الجانبية وتخفيف الوزن في حال وجود بدانة. ذلك لأن كل هذه العوامل قد تُؤدّي في حال عدم مراقبتها، أما إلى مُعاودة ظهور المرض على الجسور الأبهرية-التاجية التي تمّ زرعها أو على الشرايين الأصيلة او الأصلية، الطبيعية للمريض. وفي كلا الحالتين قد تعود الأعراض ويحتاج المريض إلى علاجات دوائية أخرى أو إلى إجراء عمليات بالون وروسور جديدة وحتى إلى معاودة إجراء العمل الجراحي في حال ظهور المرض على عدّة شرايين أو في حال إنسداد أو مرض الشرايين المزروعة سابقاً.

وبسبب كل ما تقدّم يجب على المريض معاودة متابعة حالته عند طبيب القلب الذي أرسله لإجراء العمل الجراحي وزيارته على الأقل مرتين في السنة من أجل مُراقبة كل العوامل التي ذكرناها، والبحث عن مُعاودة ظهور الأعراض الجديدة في بعض الأحيان. وهناك مُتابعة خاصة بالمريض الذي خضع لعملية تغيير لأحد صمامات القلب وهي تهدف أولاً إلى مراقبة “فعالية العلاج بواسطة الأدوية المضادة للتجلّط”، بحيث أنه يجب على المريض تناول هذه الأدوية مدى العمر في حال كان الصمام معدنياً أو في بعض الحالات الأخرى التي يكون فيها الصمام بيولوجي مع وجود إضطرابات في ضربات القلب مثل في حالة مرض الرجفان الأذيني الليفي للقلب الذي قد يتسبّب بحصول جلطات دماغية وإختلاطات اخرى خطيرة في حال عدم علاجه. ويجب إجراء فحص نسبة التجلّط أو نسبة تسييل الدم(PT+INR) كل ثلاثة أسابيع أو كل شهر على الأكثر، وفي كل حالة يتناول فيها المريض أدوية أخرى قد تُغيّر من عملية إستقلاب هذه الأدوية في الكبد وتتسبّب لذلك بزيادة او إنخفاض فعالية مضادات التجلّط. كذلك الأمر عند تناول أطعمة معينة قد يكون لها تأثير على فعالية هذه الأدوية في الدم. كذلك يجب هنا البحث عن الإختلاطات الجانبية المِمكنة لهذه الصمامات الإصطناعية مثل إمكانية حصول جلطات في الدماغ أو في الأعضاء الأخرى، أو إمكانية حصول إنسداد كامل مفاجئ في الصمام بسبب عدم تناول الدواء المُضاد للتجلّط بشكلٍ فعّال، أو بسبب إهمال مراقبة فعاليته أو لأسباب أخرى.

كذلك يجب البحث عن إمكانية حصول نزيف في أماكن مُتعدّدة من الجسم بسبب تناول كميات زائدة من هذه الأدوية. أخيراً يجب دائماً التنبّه أثناء المراقبة إلى إمكانية حصول إلتهابات جرثومية على هذه الصمامات الإصطناعية كونها جسم غريب مزروع في جسم الإنسان، ولذلك فإنها عامل جاذب لكل انواع الجراثيم التي قد تتسرّب الى الدم. ويجب دائماً الوقاية من ذلك عبر إعطاء المُضادات الحيوية عند أي عمل جراحي خاصة في الأسنان او اي عمل آخر قد يُؤدّي الى وصول البكتيريا والجراثيم الأخرى الى داخل  الدم  الذي يجري في الأوعية الدموية. كذلك يجب دائماً البحث عن إمكانية تدهور حالتها وإصابتها ب”الترهّل” مع مرور الوقت خاصة في حالة “الصمامات البيولوجية” وإلى إمكانية حصول خلل في وظائفها مع تهريب جانبي أو إنسداد مُكوّنات، هذه الصمامات بمواد ليفية وجلطات صغيرة في حالة الصمامات المعدنية. ولكل هذه الأسباب يجب إجراء صورة صوتية مع دوبلر للقلب بشكلٍ مُتكرّر كل 6 أشهر إلى سنة لمراقبة مُكوّنات هذه الصمامات وكيفية تأديتها لوظائفها والبحث عن كل الإختلاطات الجانبية التي ذكرناها. ويجب ايضاً طلب هذه الصورة بحالة طارئة في حال ظهور أية أعراض “غير طبيعية” أو في حال حصول “تدهور مفاجئ في حالة المريض” مع حصول حالة إحتقان رئوي حادّ مثلاً، لأن ذلك قد يكون مُؤشّراً خطيراً لحصول خلل كبير في عمل هذه الصمامات.

د طلال حمود- طبيب قلب وشرايين،

مُتخصّص في علاج امراض القلب بالطرق التدخّلية وفي علاج مرضى القلب المُصابين بمرض السكّري،

مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود

شاهد أيضاً

الذبحة القلبية من دون إرتفاع مُؤشّر ال (ST segment) والخنّاق الصدري غير المُستقرّ: تصنيف درجات الخطورة طُرق العلاج داخل وخارج المستشفى وكيفية الوقاية

*الذبحة القلبية من دون إرتفاع مُؤشّر ال (ST segment) والخنّاق الصدري غير المُستقرّ: تصنيف درجات …

الاشترك بخدمة الخبر العاجل