الإنتخابات الإسرائيلية
يعد الاستحقاق الانتخابي في كيان الاحتلال الذي سيجرى للمرة الخامسة منذ عام 2019، مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، من أكثر التحديات التي ستلقي بظلالها على كثير من الملفات العالقة، خاصة وأنها تأتي في خضم الصراع المشتعل على الساحة الدولية من جهة، والمساعي الحثيثة التي تبذلها الأطراف للعودة للاتفاق النووي من جهة أخرى. وتحضر إيران في هذا الملف ايضاً، حيث تزعم إسرائيل ان الأولى تتدخل في ترجيح كفة مرشح على آخر عبر افتعالها لعدد من عمليات التصعيد في المنطقة. وتنقل صحيفة هآرتس العبرية عن رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية السابق، العميد احتياط ايلي بن مئير، قوله ان إيران تناهض العملية السلمية في إسرائيل وبالتالي هي تدعم عودة بنيامين نتنياهو الذي قرّبها من القنبلة النووية، حسب زعمه. وهنا عرض لنص المقال المترجم:
مصدر إسرائيلي، ربما يكون مصدراً رفيعاً، قدر في هذا الأسبوع بأن الاتصالات من أجل التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران ربما “سيتم تأجيلها إلى ما بعد انتخابات منتصف الولاية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم”.
حسب مصادر أخرى، رفيعة أيضاً، فإن الإيرانيين يهتمون بالانتخابات التي ستجرى في إسرائيل في 1 تشرين الثاني. ليس فقط يهتمون، بل ويؤثرون على نتائجها. بالاستعارة من الشعار الانتخابي لليكود في 1996 “بيبي جيد لليهود”، فإن شعار اليسار في الانتخابات القادمة يجب أن يكون “بيبي جيد للإيرانيين”.
عشية انتخابات 2019 تحدث رئيس الشاباك السابق، نداف ارغمان، عن تدخل “دولة أجنبية” في الحملة الانتخابية. المسؤول عن الشاباك قال (بسذاجة)، بأنه لا يعرف ما هي المصلحة السياسية لهذه “الدولة الأجنبية” ولصالح من أو ضد من تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية. رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية السابق، العميد احتياط ايلي بن مئير، قال في حينه (في مقابلة مع راديو 103 اف.ام) بأن “الدولة الأجنبية” التي تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية هي إيران. قبل عقدين تقريباً، وعشية تنافس شمعون بيرس أمام بنيامين نتنياهو، طلب من رئيس الاستخبارات العسكرية في حينه، موشيه يعلون، الإجابة عن السؤال الذي تملص منه ارغمان وهو: ما مصلحة إيران ولصالح من تتدخل في الانتخابات؟
أجاب الجنرال بأن إيران غير راضية عن العملية السلمية، وتعتقد بأن استبدال الحكم في إسرائيل، أي عودة الليكود إلى قيادة الدولة، سيؤدي إلى المس بهذه العملية. ومن أجل الدفع قدماً بهذه المصلحة، أضاف يعلون، فإن الإيرانيين يمنحون الدعم المالي لجميع التنظيمات الإرهابية ويقدمون لها وسائل التخريب.
قدمت إيران المطلوب منها تقديمه لمعسكر اليمين وساهمت في فوز نتنياهو؛ ففي الأشهر التي سبقت الانتخابات، خرق “حزب الله” تفاهمات عملية “المساءلة” من العام 1993، وأمطر وابلاً من صواريخ الكاتيوشا على مستوطنات الحدود الشمالية، وزادت الإصابات في أوساط جنود الجيش الإسرائيلي في المنطقة الأمنية في لبنان، 59 إسرائيلياً قتلوا في العمليات الانتحارية في إسرائيل وأصيب المئات. لم يفوت نتنياهو الفرصة في التقاط الصور على خلفية الحافلات المحترقة والتحريض ضد “مجرمي أوسلو”.
تذهب إسرائيل مرة أخرى إلى جولة انتخابات على خلفية عمليات في “المناطق” وتوتر على الحدود الشمالية. مراسل الصحيفة عاموس هرئيل، عاد واقتبس جهات رفيعة في جهاز الأمن حذرت من خطر انتفاضة ثالثة، إلى جانب تزايد تهديدات حزب الله فيما يتعلق بالخلافات على ترسيم الحدود البحرية. ومرة أخرى يشد نتنياهو على يد قوات الأمن التي تعمل على الأرض. وهو لا ينسى التذكير بأنه “لا يهزم الإرهاب إلا يد قوية”. في النهاية، أنتم تعرفون من هو صاحب اليد الأقوى في الشرق الأوسط. وزير الدفاع بني غانتس حافظ على قناة مفتوحة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في محاولة للحفاظ على التنسيق الأمني، وحتى إنه استضافه في منزله في رأس العين. سيكون نتنياهو بحاجة إلى مصادقة حزب “قوة يهودية” من أجل الاتصال مع المقاطعة، في اليوم الذي ستقف فيه حماس على أبوابها.
ستكون زهور العاصمة سعيدة عندما يقتحم ايتمار بن غفير المسجد الأقصى على رأس زعران البؤر الاستيطانية ويتسبب بطرد السفير الإسرائيلي من الأردن وإلغاء اتفاقات إبراهيم.
سيضرب نتنياهو الإرهاب بيد، وسيوقف المشروع النووي الإيراني باليد الأخرى. ففي نهاية المطاف، يتهم رئيس الحكومة يئير لبيد ووزير الدفاع بني غانتس بأنهما “ناما في نوبة الحراسة”، في الوقت الذي طبخ فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن اتفاقاً نووياً جديداً مع إيران.
لن يكل نتنياهو ولن يمل إلى أن يقوم بتصفية التهديد الإيراني. لقد شاهدنا كيف فعل ذلك في سنوات حكمه الطويلة. لا يوجد شخص في العالم، باستثناء صديقه دونالد ترامب، ساهم في تقدم القنبلة النووية الإيرانية أكثر من نتنياهو، وتشهد على ذلك الوثيقة التي نشرها الجنرال احتياط اهارون زئيفي فركش، الذي كان رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، وجدعون فرانك الذي كان رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، والدكتور اريئيل (ايلي) لفيتا، وهو من كبار علماء الذرة في البلاد.
في الوثيقة التي كتبت في أواخر حكم نتنياهو، قال الثلاثة بأن الاتفاق المتبلور أسوأ من سابقه، ويعكس انهيار سياسة نتنياهو، الذي شجع ترامب على الانسحاب من الاتفاق الأصلي. وأشاروا إلى أنه في الاتفاق النووي الأصلي من العام 2015 كانت هناك عقبات وقيود صعبت على إسرائيل قبوله. ولكنه مع ذلك حقق لها بضع سنوات من الهدوء النسبي في الساحة النووية دون أن تضطر للعمل بشكل مستقل بهذا الشأن على نطاق أوسع. “منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق”، أكد المحررون: “إيران تسير بثقة نحو القدرة النووية التي تزيد بكثير عما كان لديها حتى العام 2015”. وحسب أقوالهم، فإن الاتفاق المخفف سيقصر زمن الإنذار على تجديد جهود إيران في التوصل إلى السلاح النووي، وسيحتفظ ببنية تحتية واسعة للتخصيب تحت الأرض التي تم توسيعها مؤخراً، الأمر الذي سيصعب إخراج عمليات تصفية ضد هذه البنية التحتية إلى حيز التنفيذ.
على أي حال، يبدو أن إيران لا تتسرع في التوقيع على اتفاق نووي جديد، بل تفضل إدارة المساومة بعد منتصف تشرين الثاني أمام رئيس أمريكي ضعيف ومتعب. ولها مصلحة في أن تعيد إسرائيل الزعيم الذي دمر العملية السلمية، الذي تكرهه، إلى الحكم قبل ذلك بقليل. وأيضاً الذي قرب الجمهورية الإسلامية إلى مسافة قصيرة جداً من إنتاج القنبلة. هل يعد بيبي إذاً جيداً لليهود أم جيداً للإيرانيين؟
المصدر: هآرتس
الكاتب: عكيفا الدار