لن تعود عقارب الساعة بعد الآن الى الوراء، فقد أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأمس الأربعاء بصراحة لمواطني بلاده: روسيا تقاتل تقريباً الآلة العسكرية للغرب الجماعي بأكملها، الذي يهدف الى “إضعاف بلدنا وتقسيمه وتدميره في نهاية المطاف”. مضيفاً بأن واشنطن ولندن وبروكسل تشجع كييف علانية على نقل الأعمال العدائية إلى الأراضي الروسية. مبيناً أنهم “يقولون بصراحة إنه يجب هزيمة روسيا في ساحة المعركة بأي وسيلة، وبالتالي حرمانها من أي سيادة سياسية واقتصادية وثقافية وأي سيادة أخرى”.
وهذا ما يعدّ قطعاً لشعرة معاوية مع هذا المعسكر، أقلّه خلال الفترة المرحلة القادمة من الصراع، ولذلك أمر خلال خطابه – الذي تخلله العديد من النقاط التفصيلية المهمة – بإجراء تعبئة جزئية لنحو 300 ألف جندي احتياطي، من ذوي “الخبرة القتالية” للمشاركة في العملية العسكرية في أوكرانيا، مستبعداً الطلاب و”المجندين”، ودون الذهاب الى خيار التعبئة العامّة والشاملة كما توقع البعض.
وبالعودة الى النقاط التفصيلية المهمة، فقط أعاد بوتين التأكيد بأن هدف العملية العسكرية الوقائية هو تحرير كل إقليم دونباس، مفصلاً مسار تحقيق هذا الهدف: “لقد تم تحرير جمهورية لوغانسك الشعبية من النازيين الجدد بشكل شبه كامل، والقتال في جمهورية دونيتسك الشعبية مستمر”. وعلًل البطء في مسار تحقيق هذا الهدف بالقول: “على مدى السنوات الثماني الماضية، أنشأ نظام احتلال كييف خطاً متسلسلاً للغاية من الدفاعات الدائمة. كان من الممكن أن يؤدي الهجوم المباشر ضدهم إلى خسائر فادحة، وهذا هو السبب في أن وحداتنا، وكذلك قوات جمهوريات دونباس، تعمل بكفاءة ومنهجية، باستخدام المعدات العسكرية وإنقاذ الأرواح، والتحرك خطوة بخطوة لتحرير دونباس، عبر تطهير المدن والبلدات من النازيين الجدد، ومساعدة الناس الذين حولهم نظام كييف إلى رهائن ودروع بشرية”.
لكن اللافت جداً، تركيزه في نهاية الخطاب، على تحذير من لجأوا إلى “الابتزاز النووي”، مشيراً إلى أنه لا يقصد فقط القصف الذي شجعه الغرب ضد محطة الطاقة النووية في زابوروجيا، والذي يشكل تهديدًا بحدوث كارثة نووية، ولكن أيضًا إلى التصريحات التي أدلى بها بعض كبار ممثلي دول الناتو، حول إمكانية ومقبولية استخدام أسلحة الدمار الشامل – الأسلحة النووية – ضد روسيا. فقد ذكرهم بأن بلاده لديها أنواع مختلفة من الأسلحة أيضاً، والتي بعضها يعتبر أكثر حداثة من الأسلحة التي تمتلكها دول الناتو. مشيراً إلى أنه في حالة وجود تهديد للسلامة الإقليمية لروسيا ولشعبها (وهنا إشارة الى دونباس وشبه جزيرة القرم وربما خيرسون وزابورجيا، خاصةً بعد إتمام الاستفتاء في الأخيرتين)، فإن بلاده ستستخدم بالتأكيد جميع أنظمة الأسلحة المتاحة لديها، مؤكداً أن هذا الأمر ليس بخدعة.
إذاً ماذا لو استخدمت روسيا السلاح النووي؟!
أولاً، من المرجح بأن روسيا لن تستخدم هذه الأسلحة، إلا في حالات التهديد الوجودي لها ولشعبها. وعليه فإنه عند حصول ذلك، فإنه لديها مجموعة واسعة من الخيارات، لشن هجمات نووية غير استراتيجية في البداية، من خلال استخدام واحد أو أكثر من آلاف الأسلحة النووية منخفضة القوة في ساحة المعركة (النووية التكتيكية)، والتي تمتلكها بالفعل، عبر تنفيذ ضربات محدودة ضد القوات والقواعد والمراكز اللوجستية الأوكرانية وحتى المدن. وهذا ما سيشكل حينها ضربة قاصمة للجيش الأوكراني، وسيؤدي الى تقسيم التحالف الغربي، وإجبار كييف على رفع راية الاستسلام والقبول بالتفاوض، الذي قبلت به في البداية، لكن المعسكر الغربي والمجموعات النازية والقومية المتطرفة رفضت ذلك.
فكيف يمكن لأمريكا ومن يقف خلفها الردّ على ذلك؟
من المرجح عندها، ولأن أمريكا تتهيب الدخول بمواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، أن تقوم بالرد عبر تكثيف نهجها الحالي:
_زيادة فرض العقوبات على روسيا، وتسليح أوكرانيا بأسلحة أكثر تقدماً، وتعزيز انتشار وتواجد حلف الناتو في أوروبا الشرقية، وربما تقوم بنقل الأسلحة النووية إلى بولندا.
_ يمكنها الإعلان عن تطوير أنواع إضافية من الأسلحة النووية التكتيكية، وأنها ستقوم بنشرها في أوروبا، مثل الصواريخ النووية المشتركة جو-أرض (JASSM)، أو صاروخ كروز (GLCM).
_ الإعلان عن حالة تأهب نووي لردع تنفيذ الهجمات ضد حلفاءها من أعضاء الناتو، ولذلك تقوم بنشر القاذفات المحملة بالرؤوس النووية وإرسال غواصات نووية إلى البحر.
_ يمكن للولايات المتحدة الرد بهجوم عسكري تقليدي أو نووي ضد روسيا، لكن عندئذ لن يكون هناك ضمان من نشوب حرب نووية عالمية لا يمكن معرفة وتخيل كيف ستنتهي.
الكاتب: علي نور الدين