يرى المسؤولون في كيان الاحتلال بالأوروبيين والاوكرانيين الوافدين إلى الأراضي المحتلة فرصة للاستغلال والدعاية الانتخابية. وفيما تتباين المواقف حول التقديمات والعلاقة بين الوافدين والمستوطنين، اعتبرت صحيفة هآرتس العبرية ان “قال بينيت للأوروبيين ما كان يجب أن يكون واضحاً لهم منذ فترة طويلة: إما أن تقاطعوا كل إسرائيل بسبب الأبرتهايد، وإما أن تواصلوا التدليل عن طريق المنح الثقافية والعلمية، وكأنه لا يوجد ابرتهايد. لا يمكن لا هذا ولا ذاك”. وتضيف “الجميع يخرجون رابحين من خداع النفس هذا: الأوروبيون يشعرون بالراحة مع أنفسهم، ها هم يتمسكون بمبادئهم ومعاييرهم الأخلاقية ولا يساعدون الأبرتهايد، الذي يعرف كل أوروبي مثقف عن وجوده؛ والمؤسسات الثقافية في إسرائيل تستفيد بالطبع: ميزانيات تتدفق، وعروض تستمر في “المناطق” -الضفة الغربية-. نرفع صورة لتمثال الحرية على شكل امرأة مكشوفة الرأس في إطار نضالنا الشجاع من أجل نساء إيران. في حين لا نسمع إلا القليل عن النساء اللواتي فقدن أولادهن أمس في مخيم جنين”.
النص المترجم:
الجميع يكذب على الجميع، وعلى أنفسهم؛ الأوروبيون يكذبون على أنفسهم وعلى غيرهم، الفنانون والمثقفون في إسرائيل يلعبون لعبة يبدو لي، “كم نحن جميلون!”. الأساس هو أن يبقى ضمير الجميع هادئاً ونقياً وأبيض كالثلج. لكن نفتالي بينيت يخرب احتفالهم، فهو الوحيد الذي قال الحقيقة المجردة، بالمناسبة، أشار أيضاً وبدون قصد إلى ثياب الملك غير الجديدة لعالم الثقافة في إسرائيل: هذا الملك عار أيضاً.
هذا ما حدث عملياً. فالاتحاد الأوروبي، رمز التنور العالمي، قرر القيام بمشروع ثقافي كي يضخ مئات ملايين من اليورو إلى مؤسسات الثقافة في إسرائيل. من غير المريح أن يتم ضخ أموال هائلة كهذه إلى دولة أبرتهايد، مع ذلك الاحتلال يصرخ من تحت كل حجر، وهكذا وجدت أوروبا حلاً إبداعياً لاسم مشروع أساسي لها “أوروبا المبدعة”: سنفرق بين إسرائيل الجميلة المحقة الليبرالية، وبين ساحتها الخلفية، القبيحة والمتوحشة والمظلمة، والجميع سيكسبون. مثلما في المشروع العلمي “الأفق الأوروبي”، فقد تقرر في مشروع “أوروبا المبدعة” بألا تشمل المنح مؤسسات ثقافية في المستوطنات. هناك خط أخضر، أو كما قيل أحمر، وهو يفصل بين مسرح تل أبيب الذي يمثل في بيته، وبين نفس المسرح الذي يمثل في المركز الثقافي في “غوش عصيون”.
لتعلم أوروبا: حسب وثيقة عرضتها وزارة الثقافة على المحكمة العليا قبل بضع سنوات، 16 مسرحاً من الـ 24 المدعومة في إسرائيل، و5 فرق موسيقية و5 فرق رقص، حصلت في 2017 على زيادة من الحكومة بسبب عروضها في المستوطنات. بكلمات أخرى، معظم المسارح وجزء من المؤسسات الثقافية الأخرى تؤيد المستوطنات، أو على الأقل لا تمتنع عن العرض فيها. هم على حق. لم يعد هناك الكثير من الفروق بين من يشاهد المسرح في “بيت ليسين” أو في “بيت إيل”، فكلاهما يؤيد المستوطنات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
الخط الأخضر مات منذ زمن. لم يعد هناك أي طريقة للفصل بين إسرائيل السيادية وإسرائيل المحتلة. ولم يعد هناك أي طريقة أخلاقية للتمييز بين الإسرائيليين الأخيار في تل أبيب، والمستوطنين الأشرار في “يتسهار”. جميعنا مستوطنون، جميعنا شركاء في المشروع الأساسي للصهيونية، وهو مشروع الاستيطان، حتى لو كان بعضنا ينتقده، ينتقد ولا يفعل شيئاً. حكومتنا تمول، وجيشها يحمي، والفنانون يعرضون، ومن غير المريح الاعتراف بذلك. لذلك، يستمر حفل الأقنعة هذا، الذي يذهبون إليه وهم يرتدون قناع الاحتلال ويحاولون الشعور بدونه. كم هو مريح هذا!
الجميع يخرجون رابحين من خداع النفس هذا: الأوروبيون يشعرون بالراحة مع أنفسهم، ها هم يتمسكون بمبادئهم ومعاييرهم الأخلاقية ولا يساعدون الأبرتهايد، الذي يعرف كل أوروبي مثقف عن وجوده؛ والمؤسسات الثقافية في إسرائيل تستفيد بالطبع: ميزانيات تتدفق، وعروض تستمر في “المناطق” -الضفة الغربية-. نرفع صورة لتمثال الحرية على شكل امرأة مكشوفة الرأس في إطار نضالنا الشجاع من أجل نساء إيران. في حين لا نسمع إلا القليل عن النساء اللواتي فقدن أولادهن أمس في مخيم جنين.
حاول بينيت كشف الكذب، فعل ذلك لأسباب ثأر سياسي، كما كتب في مقال هيئة التحرير في هآرتس أمس، 28/9، ولكن بدون قصد. قال بينيت للأوروبيين ما كان يجب أن يكون واضحاً لهم منذ فترة طويلة: إما أن تقاطعوا كل إسرائيل بسبب الأبرتهايد، وإما أن تواصلوا التدليل عن طريق المنح الثقافية والعلمية، وكأنه لا يوجد ابرتهايد. لا يمكن لا هذا ولا ذاك.
تريدون أن تكونوا صدّيقين؟ قاطعوا كل إسرائيل، إلى حين امتثالها للقانون الدولي، كما فعلتم مع جنوب إفريقيا. فقد نجح ذلك هناك، وسينجح هنا. فعلياً، هذا هو الأمر الوحيد الذي سينجح. إذا لم تعتقدوا بأن الأمر يتعلق بالأبرتهايد، بل بدولة ديمقراطية ومحقة، عندها أعطوها كل الدعم، من البحر إلى النهر. هناك أمر واحد فقط لم يخطر بالبال، النفاق.
المصدر: هآرتس
الكاتب: جدعون ليفي