تُعنون المرحلة الحالية التي تسير فيها مستجدات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلّة بـ “التفاؤل الحذر”، فالأمور بهذا الشأن تسير بالتزامن على خطين: الأول استكمال المفاوضات مع رئيس الموفد الأمريكي “الوسيط” آموس هوكشتاين. أمّا الثاني فرسائل سرية خلف الكواليس واستعدادات عسكرية.
يبعث هوكشتاين واللقاءات في “نيويورك” على هامش اجتماع الجمعية العامة الإيجابية حول اقتراب التوصّل الى “اتفاق” يقضي باعتبار الخط 23 وشماله تحت السيادة اللبنانية مع مكمن “قانا” كاملاً بالإضافة الى التزام من الجانب الفرنسي ومن شركة “توتال” للبدء بالتنقيب بعد توقيع الاتّفاق.
الا أن إشكالية مهمة يطرحها كيان الاحتلال وهي جعل 850 مترا في العمق، باتجاه شاطئ عكا الفلسطيني المحتل منطقة عازلة بحرية تحت رعاية الأمم المتحدة ويتذرّع الاحتلال بأسباب أمنية. وهذا ما يحاول الاحتلال فرضه من سنوات. بينما لا يزال هذا الطرح قيد البحث والتدقيق بالنسبة للمسؤولين اللبنانيين، خاصة وأن هذا الطرح يضر بالترسيم وخطوطه على أساس النقاط البرية المنطلقة من رأس الناقورة.
وشدّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في كلمته في الجمعية العامّة للأمم المتّحدة على “تمسك لبنان المطلق بسيادته وحقوقه وثروته في مياهه الإقليمية ومنطقته الاقتصادية الخالصة، مكررين أمامكم رغبتنا الصادقة في التوصّل إلى حلٍّ تفاوضي طال انتظاره” مضيفاً “إنّ لبنان مصمّم على حماية مصالحه الوطنية وخيرات شعبه وعلى استثمار موارده الوطنية”.
الترسيم يشغل المنافسة بين لابيد ونتنياهو
من المنتظر أن يصيغ هوكشتاين مسودة الاتفاق الخطية في الأيام المقبلة والتي سيسلمها للدولة اللبنانية. ويشير الاعلام العبري الى أن رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد يسعى الى تمرير اتفاق مع لبنان يُصادق عليه فقط مجلس الوزراء المصغّر (الكابينيت)”، وفق صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية. وفي هذا السياق قالت المستشارة القانونية لحكومة الاحتلال، غالي باهارف ميارا، أنها “ستدافع أمام المحكمة العليا عن اتفاقية تنظيم الحدود البحرية لإسرائيل مع لبنان لن تخضع لقانون أساسي ألا وهو الاستفتاء”. وأوضحت صحيفة “هآرتس” العبرية الى أن “هذا يعني أن الاتفاق لن يعرض للجمهور إلا بعد الموافقة عليه، وأن مجلس الوزراء السياسي والأمني سيكون مطالباً بالموافقة على الاتفاق، وأنه لن يعرض على الكنيست للمصادقة عليه قبل التوقيع”.
في المقابل يتربّص رئيس حكومة الاحتلال الأسبق بنيامين نتنياهو الذي يسعى الى العودة الى المنصب بلابيد بعد أن بات موضوع ترسيم الحدود البحرية لاعباً أساسياً في انتخابات “الكنيست” وفي برامج المتنافسين على رئاسة الحكومة، وينتقد أداءه السياسي ويحرّض الجمهور اليهودي، اذ علّق عقب الكلمة الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (17/9/2022)، في مقطع فيديو نشره على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي “مواطني إسرائيل، عندي بيان مقلق جداً لكم. لابيد تراجع كلياً أمام تهديدات نصر الله، نصر الله هدّد لابيد بأنّنا إذا قمنا بتشغيل حقل كاريش قبل أن نوقّع اتفاق غاز مع لبنان سيهاجم إسرائيل”. وأضاف أن “لابيد أصيب بالذعر، ولم يشغل كاريش، والآن هو يريد أن يعطي لبنان، من دون أي إشراف أو رقابة من جانبنا، حقل غاز بقيمة مليارات الدولارات، تخدم حزب الله في امتلاك آلاف الصواريخ والقذائف الصاروخية التي ستوجّه نحو مدن إسرائيل”.
وتابع “بمساعدتكم، في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، الليكود برئاستي سيبدّل الحكومة الضعيفة والخطرة للابيد بحكومة يمين مستقرة للسنوات الأربع المقبلة”. هذا السيناريو هو أكثر ما يخشاه لابيد الذي يحاول بكل الطرق إثبات أن حكومة اليسار “قوية” مما قد يدفعه نحو مراوغة تحمل مغامرة في ظلّ معادلات المقاومة الواضحة وجهوزيتها، خاصة وأن “اسرائيل اليوم” ذكرت أن هذا الاتفاق الذي يسعى لابيد لتمرير الاتفاق دون الاستفتاء سيبرره على أنه “علامة حدودية” وليس ترسيماً نهائياً.
المقاومة تتحرك بدءً من تشرين الأول!
تحسباً لأي مراوغة من الاحتلال، يرفع حزب الله مجدداً من جهوزيّته العسكرية بعد فترة اعتقد فيها “قادة العدو، انه نحن كنا هادئين و”رايقين”، لم نرفع صوتنا”، حسب ما عبّر السيد نصر الله كاشفاً عن رسالة “قوية جداً، بعيداً من الإعلام، مفادها أنّ الاحتلال أمام مشكلة في حال بدأ الاستخراج من حقل كاريش قبل حصول لبنان على مطالبه المحقة”، وقد أرسلها عبر قنوات الاتصال الى الاحتلال.
يرتقب حزب الله وحداته العسكرية مطلع شهر تشرين الأول / اكتوبر بعد أن تكون المهلة السابقة التي حدّدها السيد نصر الله قد انتهت مع نهاية شهر أيلول / سبتمبر الجاري. فقد أوضح السيد نصر الله “نحن لسنا جزءاً من المفاوضات، نحن نواكب المفاوضات التي تقوم بها الدولة اللبنانية وعيننا ومعلوماتنا كلها على كاريش، عيننا على كاريش وصواريخنا على كاريش”.
وكان الاعلام اللبناني قد ذكر ان “اليونيفيل” نقلت الى كيان الاحتلال وبعض الدول الغربية رصدها لإجراءات ميدانية تشير الى تحضّر عسكري. وذكر السيد نصر الله أن “الاسرائيلي لديه من المعطيات الكافية هو والأميركي والأوروبيين على جدية موقف المقاومة وأن هذه لا حرب نفسية ولا نمزح مع أحد ولا شيئاً من هذا القبيل”.
بما أن الهدف الأساسي – قبل أيّة معركة – الذي حدّده السيد نصر الله هو “أن يتمكن لبنان من إستخراج النفط والغاز”، قد يحمل الشهر المقبل معه رسائل المقاومة العسكرية، على غرار رسالة المسيّرات الثلاث، للدفع قدماّ بالمفاوضات لصالح لبنان. وإن المقاومة تملك العديد من أوراق القوة العسكرية أو السياسية التي تلعب دور التهديد التدريجي قبل التوصّل الى مواجهة واسعة لا مفر منها إذا فرضت.
سيحدّد شهر تشرين الأول المقبل أي الخطين أسرع (خط المفاوضات أم الخط العسكري) في الوصول الى حقوق لبنان النفطية والغازية في البحر الأبيض المتوسّط وحمايتها وفق ما تقتضي السيادة اللبنانية كي يتمكنّ البلد من الخروج من النفق الاقتصادي والمالي المظلم من جهة، وفرض حضوره في سوق الطاقة في المنطقة من جهة أخرى.
الكاتب: غرفة التحرير