استوقف خطاب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بالأمس الجمعة، الكثير من المفكرين والخبراء والمتابعين حول العالم. فهو لم يكن يتعلق بتوقيع معاهدات انضمام مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوروجي وخيرسون إلى روسيا فقط، بل كان إعلان ولادة جديدة للأخيرة.
ولادة يريد لها الرئيس بوتين أن تكون كعصر الملكة كاترين الثانية، التي تعتبر من أهم وأبرز من حكم روسيا في العصر الحديث، والتي استطاعت توسيع حدود إمبراطوريتها، بالطرق العسكرية تارةً وبِالدبلوماسية تارةً أخرى، بالاعتماد على قادة عسكريين ذكرهم بوتين في خطابه أيضاً.
ولعلّ أكثر ما تميّز به خطاب الأمس، قول بوتين وتأكيده على ما يتقاطع كثيراً مع ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوماً: “هو عالم لا يفهم إلا بالقوة”، وذلك عندما قال (بوتين):” تتشكل في الأساس حركة تحررية مناهضة للاستعمار ضد الهيمنة أحادية القطب في أكثر البلدان والمجتمعات تنوعًا. ستنمو قوتها بمرور الوقت فقط. هذه القوة هي التي ستحدد واقعنا الجيوسياسي في المستقبل”.
نحو روسيا التاريخية
وبالعودة الى الموضوع الأساسي في الخطاب، فقد تمحور حول الإعلان الرسمي عن هدف روسيا الاستراتيجي المقبل، وهو إعادة تشكيل روسيا التاريخية ضمن عالم متعدد الأطباق، ووفقاً لقيم تختلف بالمطلق مع قيم العالم الغربي.
وهذه أهم وأبرز النقاط الأخرى التي تطرق اليها:
_ التأكيد على أن قرار إنشاء 4 مناطق تابعة لروسيا، ضمن ما يعرف بـ “نوفوروسيا – روسيا الجديدة” هو قرار قطعي ولا تراجع عنه، لأنه جاء وفقاً لقرار الملايين من الأشخاص ووفقاً لمادة الأولى لميثاق الأمم المتحدة التي تقر بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
كما يمكننا التقدير بأن الهدف اللاحق سيكون: السيطرة على باقي الـ 4 مناطق من نوفوروسيا: خاركوف، دينيبروبتروفيسك، ميكولاييف، أوديسا.
وربما يكون التوجه أيضاً نحو المناطق التي يشعر الناس فيها بأنهم جزء من روسيا، بحكم ثقافتهم ودينهم وتقاليدهم ولغتهم.
_ إعادة التأكيد لسلطات كييف التي يقودها الغرب، أن المفاوضات هي الطريق الوحيد للسلام. مع التشديد بأن المناطق التي انضمت مؤخراً، لن يتم إعادتها بأي شكل من الأشكل. ومؤكداً على أن الروسيين سيدافعون عن أرضهم بكل ما يمتلكونه من قوى وموارد، وسيبذلون قصارى جهدهم لضمان سلامة شعبهم، واصفاً هذه المهمة بأنها “المهمة التحريرية العظيمة لأمتنا”.
_ الإشارة والتأكيد على أن هذه المناطق سيلحقها إعادة بناء للمدن والبلدات المدمرة والمباني السكنية والمدارس والمستشفيات والمسارح والمتاحف. كما سيتم ترميم وتطوير المؤسسات الصناعية والمصانع والبنية التحتية وكذلك أنظمة الضمان الاجتماعي والمعاشات والرعاية الصحية والتعليم.
_ اعتباره أن الغرب كشف عن وجهه الحقيقي وما يخطط له لكل البشرية، من فرض إملاءاته عليها. وأن الغرب مستعد لعبور كل الخطوط للحفاظ على النظام الاستعماري الجديد الذي يسمح له “بالعيش من العالم، ونهبه بفضل هيمنة الدولار والتكنولوجيا، لجمع جزية فعلية من الإنسانية، لاستخراج مصدرها الأساسي من الرخاء غير المكتسب، دفع الإيجار للهيمنة”. مؤكداً على أن الغرب يستفيد من التهرب من الالتزامات والعقوبات حول المخالفات التي يقوم بها.
_ تأكيده على خوض المعركة التي اعتبرها وجودية، وبالتالي ستكون معركة لا أنصاف حلول فيها، بل حسم واضح وكامل، يبين بوضوح الطرف الخاسر من الرابح.
الكاتب: علي نور الدين