“بعد أشهر من الجهد والجهاد والنضال السياسي والميداني والإعلامي شاهدنا اليوم من خلال الاعلام تسلّم الرؤساء الثلاثة بشكل رسمي النص المكتوب المقترح لمعالجة الموضوع وهذه خطوة مهمة جدًا”، حسب ما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. خطوة سارعت اليها الإدارة الأمريكية وسفيرتها دوروثي شيا و”وسيطها” عاموس هوكشتاين والكيان الإسرائيلي مع انتهاء المهلة التي كان قد حدّدها السيد نصر الله (أواخر أيلول / سبتمبر الماضي). كما أنها خطوة ستُتوّج بالانتصار النهائي للبنان ومقاومته في انتزاع حقوقه النفطية والغازية من البحر المتوسّط.
المقاومة تسجّل إنجازها
انقسمت مصادر وسائل الإعلام والصحف اللبنانية والعربية، بين من أشارت الى أن مضمون النص المكتوب إيجابي ويمنح لبنان مطالبه كافة ويسحب من كيان الاحتلال المنطقة العازلة الأمنية البحرية التي طالب بها. وبين من أشارت الى أن أموراً كثيرة لا تزال شائكة، وهي “تأجيل البحث بخطّ الطفّافات والنقطة التي سترسو عليها باخرة استخراج الاحتلال”، و”إشكاليات بين النقاط البحرية والبرية وتأثيرها لاحقاً على ترسيم الحدود البريّة” بالإضافة الى “اعتبار حقل قانا جغرافياً لا يخضع كاملاً للسيادة اللبنانية بل مخزونه فقط”.
من ناحية ثانية، أشارت مصادر أخرى الى أن الأوراق التي تسلمها الرؤساء الثلاث لا تتضمّن “خرائط” إنما تتضمن أرقاماً ومحادثات تقنية” تحتاج الى دراسة على المستوى التقني واللوجستي وهذا سيكون موضع درس دقيق من الفريق اللبناني المختص ومن الضباط المكلفين من قيادة الجيش. فيما صرّح نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب “أن الأجواء إيجابية أكثر من أي وقت مضى”، مضيفاً “نحن بانتظار اجتماع اللجنة بعد ترجمة الاتفاق إلى العربية، لطرح الملاحظات اللبنانية عليه”. فالأمل ألا تُستغل اللغة الإنغليزية لتمرير عبارات ملغومة في طيّات النّص.
وبينما ينتظر الشعب اللبناني إعلاناً رسمياً من الدولة حول ما يتضمنه النص المكتوب، مع حديث إعلامي يدور عن انعقاد لقاء الأسبوع المقبل في قصر بعبدا سيجمع كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لبحث هذا الموضوع واتخاذ الموقف الرسمي اللبناني المناسب. تسجّل المقاومة في لبنان إنجازها.
معادلات المقاومة فعلت فعلها
مع بروز الحاجة الأوروبية الملحّة الى غاز بديل عن الغاز الروسي، الذي انقطع عنها بسبب حرب الغرب على روسيا، أراد كيان الاحتلال الذي يعمل منذ سنوات على تجهيز البنية التحتية لاستخراج الغاز من الحقول البحرية، أن يشكّل مصدر الطاقة البديل، مع كلّ ما يؤمنه له ذلك من عائدات مالية واقتصادية و”نفوذ” في المنطقة. “مبادرة” ترحّب بها الولايات المتحدة وتدعمها.
كان من الممكن أن تحقق كلّ من “تل أبيب” وواشنطن نيّاتها وتتجاهل تماماً حقوق لبنان والترسيم، وهو ما يؤكده وصول الباخرة اليونانية – الإسرائيلية الى حقل “كاريش” واستعدادها للاستخراج. لكنّ المقاومة، المعنية بحماية ثروات البلد، وضعت معادلاتها، القادرة على قطع طريق غاز الشرق الأوسط الى القارة الأوروبية، على الطاولة، وشدّد السيد نصر الله على أن تجاهل حقوق لبنان سيأخذ كيان الاحتلال الى حرب واسعة لن يتمكن من حصر تداعياتها مع اعترافه بقدرات حزب الله العسكرية المتطوّرة وصواريخه.
أخذ مسؤولو الكيان تهديدات حزب الله وأمينه العام بجدّية كبيرة، وقد اتضح ذلك مرّة في الحركة المكوكية “للوسيط” الأمريكي هوكشتاين منذ حزيران / يونيو الماضي الى اليوم، رغم أن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلّة كان ملفاً خاضعاً للمراوغات منذ العام 2007. ومرّة ثانية في إيقاف الاحتلال للاستخراج من “كاريش” وتأجليه بزعم أمور لوجستية. ومرّة ثالثة في التصريحات عالية النبرة لهؤلاء المسؤولين لكنّ ذلك لم يجعل المقاومة تتراجع عن موقفها، بل ترجم حزب الله هذه التهديدات في مسيّرات ثلاث حلّقت فوق “كاريش” تبعها مقطع فيديو نشره الاعلام الحربي يشرح الاحداثيات الكاملة عن الحقول الفلسطينية المحتلّة ومنصات الغاز.
إذاً، لم يبقى أمام الاحتلال خياراً الاّ الذهاب نحو “اتفاق” والاعتراف بحقوق لبنان، ولترميم صورة الردع أمام جمهوره والتي جرّدته منها تهديدات السيد نصر الله، أراد الاحتلال إتمام الاتفاق بعد سحب صورة الإنجاز من المقاومة وهو ما أجمع عليه المحللون العسكريون في الصحف العبرية.
معاريف: بفضل تهديدات حزب الله أبدت اسرائيل ليونة
لكن اليوم تعترف صحيفة “معاريف” العبرية أن السيد نصر الله أنهى “مهمته بنجاح، ضغط على جميع الأطراف بالتخويف والتهديد، كل شيء كان مخطط له دفع الباب بقدمه من الخارج نحو الصفقة التي يتم بلورتها، يمكنه القول بفضل تهديدات حزب الله أبدت اسرائيل ليونة ولولا ذلك لكانت حقوق لبنان في البحر قد سلبت”، وتابعت تعليقاً على كلمته بالأمس أن “نصر الله نجح في المعركة على الوعي في المفاوضات البحرية… وتحدث عن المفاوضات مع إسرائيل ولم يهدّد بكلمة واحدة”.
هذه التهديدات لا تزال قائمة، وخيار الحرب مطروحاً الى أن تتأكّد الدولة اللبنانية من عدم وجود ألغام في النص المكتوب، والى حين إعلان مقررات جلسة “الكابينيت” (مجلس الاحتلال المصغّر) الخميس المقبل، وريثما يتمّ التوصل الى “الاتفاق” النهائي. و” نحن امام ايام حاسمة في هذا الملف”، حسب ما شدّد السيد نصر الله.
الكاتب: مروة ناصر