في لحظة وصل فيها المشهد على الساحة الدولية إلى مرحلة شديدة التعقيد، وتعمّقت فيها الازمات الاقتصادية والسياسية، التي أدلت بظلالها على مختلف الدول، وتحديداً على القسم الشمالي من الكرة الأرضية، فرض النفط نفسه كورقة ضغط يرجّح الكفة لمَن يملك قرار التأثير على اسواقه. وما اجتماع مجموعة أوبك بلس اليوم، التي تنوي خفض الإنتاج لأدنى مستوى منذ عامين، إلا مناورة ستؤثر بشكل مباشر على ملامح الأشهر المقبلة، في عالم يشهد ولادة جديدة للتموضعات الدولية، التي تعيد ترتيبها شبكة مصالح لم تعد فيها الولايات المتحدة، منفردة، قطباً للرحى.
قبل ساعات على اجتماع أوبك بلس، شهدت الأسواق النفطية ارتفاعاً في الأسعار، حيث ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت إلى 89.86 دولاراً للبرميل بعد أن ارتفع أكثر من 4% في الجلسة السابقة. كما سجلت أسعار الذهب أعلى مستوى منذ 3 أسابيع، مع تراجع الدولار وعوائد سندات الخزانة الأميركية.
وكانت المجموعة قد زادت انتاجها في 2 حزيران/ يونيو بشكل أكبر مما كان في انتاجها بداية الصيف، في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث اتفق الأعضاء على “تعديل إنتاج يوليو/تموز بزيادة 648 ألف برميل يوميا”، بدلا من 432 ألف برميل حددت في الأشهر السابقة”.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، ان “أوبك+، تدرس الإعلان عن خفض كبير في الإنتاج، وفقًا لشخص مطلع ومقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للمجموعة، ان مثل هذه الخطوة، التي يقول محللون إنها متوقعة على نطاق واسع، ستكون بمثابة ضربة لإدارة بايدن، بعد أن ضغطت على السعوديين لزيادة الإنتاج”.
وتعد هذه الخطوة تحولًا كبيرًا في سياسة أوبك بلس. منذ أن خفضت المجموعة إنتاج النفط في أوائل عام 2020 عندما انهار الطلب بسبب جائحة فيروس كورونا، أعلن المنتجون عن سلسلة من الزيادات الشهرية المطردة، على الرغم من أنهم لم يحققوا هذه الأهداف بشكل عام. ويقول المحللون إن السعوديين عازمون على ما يبدو على رفع أسعار النفط إلى حوالي 90 دولارًا للبرميل.
رئيسة إستراتيجية السلع في البنك الاستثماري RBC Capital Markets، هيليما كروفت، قالت ان اختيار المجموعة لخفض الإنتاج هو محاولة للإشارة إلى انها قادرة بالفعل على ان تكون “قاطع دارة فعال في السوق”. يبدو أن أوبك بلس تحاول التدخل في سوق يصعب قراءته. قد يكون الانخفاض الأخير -الذي سبق الارتفاع قبيل الجلسة- في الأسعار ناتجًا عن مخاوف بشأن عوامل مثل ارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم بدلاً من أساسيات سوق النفط. بالإضافة إلى ذلك، فإن كيفية أداء الاقتصاد العالمي في الأشهر المقبلة ليست واضحة على الإطلاق. ومع ذلك، فإن خفض أوبك بلس لإمدادات النفط والذي يرفع أسعار النفط قد يزيد من احتمالية حدوث انكماش عالمي. في حين أن الأسعار قد تكون تحت الضغط، فإن مخزونات النفط – الأحجام في مزارع الصهاريج – عند مستويات منخفضة، مما يعني أن السوق يمكن أن يتحول بسرعة.
يدخل هذا التحدي على خط الازمات، ليشكل عاملاً اساسياً في مستقبل عدد من الملفات المرتبطة به ولو بشكل غير مباشر. فعلى سبيل المثال، ان حاجة الرئيس الأميركي، جو بادين، لنفط يسد احتياجات الدول الأوروبية ويحافظ على استقرار الأسواق العالمية، هي من أهم النقاط الحاسمة في مستقبل إدارته، قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. في حين ان انخفاض ضخ النفط بالسوق وزيادة أسعاره تعطي دفعاً إضافياً للاتفاق النووي الذي يمر اليوم بمرحلة حرجة. ويعطي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قيمة مضاعفة لورقة الضغط التي يستعملها رداً على العقوبات المفروضة على بلاده. ولجهة السعودية، التي كانت تعوّل على ترحيل الاتفاق النووي، ما جعلها توافق على زيادة الأسعار سابقاً، باتت ترى مصلحتها اليوم، بعد ورود إشارات إعادة انعاش الاتفاق، في خفض الإنتاج للمحافظة على ارتفاع أسعار النفط اولاً، ولرد اعتبارها امام إدارة الديموقراطيين ثانياً.
الكاتب: مريم السبلاني