ينظر المستوطنون في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى قيادتهم العسكرية والسياسية انها فشلت في تحجيم قوة حزب الله، والتي انعكست اليوم على ملف ترسيم الحدود البحرية، فيما ينظر لكلام رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو الذي يلوح بالتصعيد لإنهاء الاتفاق اذا ما وصل إلى سدة الحكم، إلى انه “هراء” يتحمل مسؤوليته. أمام تقاذف المسؤوليات هذا، تقول صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، في مقال لها انه “بخصوص جبهة لبنان، فلا نزال ننتظر الخلاف على ترسيم الحدود البرية، حين يكون في الطرف الآخر عدو تتعزز ثقته الذاتية جراء الأحداث الأخيرة”.
النص المترجم:
تفاصيل الاتفاق المتبلور بين إسرائيل ولبنان (فنياً، لن يكون اتفاق كهذا، بل التزام من كل طرف تجاه الولايات المتحدة والأمم المتحدة) لم تنشر رسمياً بعد، لكن يبدو أنه حل وسط معقول بين مواقف الطرفين التي كان بعضها على ما يبدو لأغراض المفاوضات فقط.
وفقاً للتسوية المتوقعة، ستنتج إسرائيل الغاز من حقل كاريش، بينما لبنان من حقل صيدا المجاور، الذي يقع معظمه بالفعل في أراضيها وفقاً للحدود المعرّفة في الاتفاق (خط 23). شركة انيرجيان ستبدأ قريباً باستخراج النفط من كاريش؛ وبعد بضع سنوات ستكون على مسافة 5 كيلومترات من الطوافة التي نصبتها هناك طوافة أخرى للشركة إياها، تنتج الغاز من حقل صيدا. هذا لا يضمن بالضرورة ألا تكون ضربة لطوافة كاريش في حالة الاشتعال.
ردود الفعل عندنا منقسمة حول خط الانكسار الوحيد في الحياة الجماهيرية الإسرائيلية – بيبي /لا بيبي – وفي ظل الانتخابات المقتربة. لكن مراجعة من زاوية أوسع، تبين وجود سلوك إسرائيلي رافض وعديم الرؤيا، يشبه موقف حكومات إسرائيل المختلفة في مواضيع أخرى أيضاً.
المسألة ليست متشابهة في أهميتها للطرفين. قيمة الغاز في الحقل اللبناني تقدر بنحو 20 مليار دولار. هذا ليس مبلغاً لا شأن له، لكن في إسرائيل، التي يزيد الناتج المحلي الخام لديها عن 400 مليار دولار، فإن المداخيل من مردودات الغاز في هذا الحقل -أقل من نصف المبلغ على مدى سنوات غير قليلة- لن تغير كثيراً الواقع الاقتصادي. بالمقابل، بالنسبة للبنان المنكوب، الذي انخفض ناتجه المحلي الخام بنحو النصف في السنوات الأخيرة ويبلغ نحو 35 مليار دولار في السنة، وأكثر من نصف سكانه يعرفون بأنهم يقفون على شفا الجوع، فإن هذه المليارات تعد بشرى كبرى حتى وإن كانت ستصل بالتدريج بعد بضع سنوات فقط.
المحافل الإسرائيلية التي عنيت بالمفاوضات على مدى السنين، تدعي بأن لبنان هو الذي تسبب بالتأخير، ولكن الواضح أن إسرائيل -الطرف القوي في الحدث- أجلت الوصول إلى حل قدر الإمكان. سياسة إسرائيلية بعيدة النظر كانت ستستخدم هذا الوضع لخطوة سخاء تجاه حكومة لبنان والشعب اللبناني؛ كي تساعد قدر الإمكان في خلق استقرار خلف الحدود، وكانت ستمجد بادرتنا الطيبة تجاه جار ممزق ومنكوب، وتجاه حكومته التي تقف على سيقان دجاجة، وكانت ستفعل هذا مبكراً بمبادرتنا وليس تحت الضغط وفي الدقيقة التسعين.
عملياً، ساعد تردد ورفض إسرائيل لـ “حزب الله”، العدو المرير والأكثر خطراً الذي يجلس على حدودنا، في أن يعزو لنفسه قسماً لا بأس به من الإنجاز، ويتموضع كالجسم الوحيد المستعد للمخاطرة من أجل لبنان. التنظيم الشيعي يدعي الآن بأن قوته ساعدت لبنان على الانتزاع من إسرائيل، وتجديد شرعيته كدرع للبنان.
مثلما حيال حماس في غزة أو الفوضى في الضفة، فإن الدافع الظاهر الوحيد لإسرائيل هو حصرياً الهدوء على المدى القريب، وحرية العمل باستخدام القوة. ادعاءات محافل سياسية وجود إنجاز بأنه ستكون شرعية لعمل سلاح البحر جنوب الخط المقرر، يذكّر بالتملص من اتخاذ موقف سليم سياسياً وقيمياً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي علل بالخوف على حرية عمل سلاح الجو في سوريا.
بدلاً من تحديد هدف سياسي مصمم للواقع والعمل على تحقيقه، نؤجل نحن في إسرائيل النهاية ونركز على حفظ الهدوء للمستقبل الفوري وحرية العمل التكتيكية. بهذا المفهوم، فإن مسألة اتفاق الغاز تشبه المنطق الذي من خلف الـ “المعركة ما بين الحروب” في جبهة الشمال كلها، التي وإن كانت تمس بمحاولات تسلح حزب الله بصواريخ دقيقة، ولكنها تعظم إحساسه بأن إسرائيل مردوعة منه. الخطوط الحمراء التي عرضها الأمين العام للتنظيم حسن نصر الله، وعلى رأسها الامتناع عن هجوم إسرائيلي في أراضي لبنان، محفوظة بتزمت من جانب إسرائيل وتعزز إحساس نصر الله بأن إسرائيل تخاف الحرب.
اللواء نيتسان ألون، رئيس شعبة العمليات سابقاً، قال في محاضرة في معهد بحوث الأمن القومي، إن أحد شروط نجاح المعركة ما بين الحروب هو أن “الراغب في المعركة ما بين الحروب يستعد للحرب”. استنتاج نصر الله من المعركة ما بين الحروب، مثلما أيضاً من المسيرة التي أدت إلى اتفاق الغاز، معاكس: إسرائيل تخاف الحرب وستفعل كل شيء لتجنبها.
وعليه، فقد سمح حزب الله لنفسه بأن يطلق بضع مسيرات نحو طوافة كاريش، التي وإن كانت اعترضت ومشكوك أن كان بإمكانها التسبب بضرر حقيقي، لكنها تسمح له الآن بأن يموضع نفسه كمن جلب للبنان حقوقه من إسرائيل بالقوة. مشكوك أن يبعد هذا المزاج الحرب التالية، التي قد تنشب ليس لأن أيا من الطرفين قرر ذلك، بل بسبب أخطاء في قراءة الخريطة، وتقدير ناقص للخصم، وتصعيد عن نطاق السيطرة.
لم تحدد إسرائيل لنفسها ما هو “وضع النهاية” المرغوب فيه في لبنان، أو بالصياغة الكلاسيكية لكارل فون كلاوزفتش ما هي السياسة التي تكفلها الحرب لتكون الوسيلة الأخيرة في تحقيقها. لم تبحث ولا تتخذ القرارات في مسائل جوهرية: أي خطوة ستتسبب بإزالة تهديد حزب الله عن تهديد معظم أراضي دولة إسرائيل، والذي تعده إيران كـ “الكرة الذهبية” لها في حالة مواجهة شاملة معها؟ فأي معنى لتعزيز الحكومة اللبنانية، وأي تأثير على الرأي العام.
ينبع الأمر من اكتواء مرير لحرب لبنان الأولى، تلك المحاولة المغرورة من جانب مناحيم بيغن وارئيل شارون لإقامة نظام جديد في لبنان وفي المنطقة كلها، ولكن لا رؤية لنا في أي جبهة من جبهات المواجهة. فالعدو لا يفسر ذلك إلا كنصر لطريق مقاومته، رغم أن القوة المادية المتفوقة أكثر بكثير لإسرائيل.
في إسرائيل نفسها، أديرت الخطوة بشكل غير شفاف، وتأثرت بالأزمة السياسية المتواصلة. بنيامين نتنياهو، الذي أذابها على مدى عقد وامتنع عن تصميم سياسة بالنسبة للبنان في الـ 12 سنة التي كان فيها رئيس وزراء، هو آخر من يحق له أن ينزع باللائمة على المسيرة أو النتيجة. لكن عرض الاتفاق كإنجاز سياسي من جانب الحكومة الحالية هو الآخر ليس أكثر من قول لأغراض الانتخابات.
معظم الجمهور في إسرائيل، الذي سمع مؤخراً تحذيرات عديدة عن تصعيد مقترب، لا بد سيسعده حل الأزمة على فرض أن حزب الله لن يحاول عصر الليمونة أكثر بخطوة استعراضية قد تؤدي إلى انفجار.
لكن المشكلة الأعم هي أن الطريقة التي نمتنع فيها عن القرارات ورسم السياسة، والتي نحن مستعدون لكل شيء كي نحقق الهدوء والأعمال التكتيكية، بقيت على حالها. كنتيجة لها، تسيطر حماس في غزة بيد عليا وبتمويل أجنبي، مع شراكة معقولة من إسرائيل؛ والوضع في الضفة يقترب من الانهيار تحت رعاية التظاهر بـ “إدارة النزاع”؛ والموقف الجبان في موضوع أوكرانيا لم يمنع الأزمة مع بوتين. أما بخصوص جبهة لبنان، فلا نزال ننتظر الخلاف على ترسيم الحدود البرية، حين يكون في الطرف الآخر عدو تتعزز ثقته الذاتية جراء الأحداث الأخيرة.
المصدر: يديعوت احرنوت
الكاتب: عوفر شيلح