على ما يبدو ان ما لم يكن متوقعاً لدى الرئيس الأميركي، جو بايدن، قبل شهر تموز/ يوليو الماضي، قد حصل بالفعل. فالأمر لا يتعلق فقط بعدم استجابة السعودية لمطلبه رغم زيارته لها، او تقاربه مع روسيا بهذا الشكل ودعمه غير المباشر لها، إنما المشكلة الأكبر، هي بالتوقيت. اذ ان ما يزيد المشهد تعقيداً ليس فقط الأزمة التي تغلّف الدول الأوروبية على أبواب الشتاء، بل الانتخابات النصفية للكونغرس التي تبعد حوالي 32 يوماً.
تقارب سعودي- روسي وصل لمستوى عال، ومخاوف لدى الولايات المتحدة من ان ينتج عن هذا التقارب مزيداً من القرارات على غرار ما صدر عن مجموعة أوبك+. وتقول صحيفة الغارديان البريطانية ان “قرار ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تقوية العلاقات مع الرئيس، فلاديمير بوتين، أثار مخاوف الحلفاء، مع أنه طالما أُعجب بالزعيم الروسي. وقال إن كلا الزعيمين بدءا حرباً ويملكان تأثيراً مهما على أسواق الطاقة ولا يتسامحان مع المعارضة”.
وبعد 8 أشهر تقريباً من العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، وصلت العلاقات الروسية- السعودية إلى مستوى عال. ففي الوقت الذي قررت فيه الولايات المتحدة وأوروبا وبريطانيا جهودها لمواجهة “الشر الروسي”، حسب تعبير الصحيفة، اختار ولي العهد، تعميق العلاقات مع موسكو. ويعتبر لقاء “أوبك+” الذي عقد في فيينا، علامة مهمة عن العلاقات المتزايدة التي تتحدى علاقات الرياض مع حلفائها، وتبدو وكأنها تمنح بوتين منعطفاً مهماً في الحرب.
مراسل الغارديان في الشرق الأوسط، مارتن شولوف، يقول من جهته، ان هذه الخطوة ستُغضب واشنطن التي حاولت تجنيد الرياض في قضية خفض ضغوط الإمدادات عبر فتح الصمامات لاحتياطها النفطي الواسع. وبدلا من ذلك، وجد الرئيس جو بايدن نفسه محدقاً على حليف في الشرق الأوسط قام شخصياً بزيارته خلال الصيف وسط وضوح أزمة إمدادات الطاقة. وعاد بايدن خالي الوفاض من السعودية، ويجد نفسه أمام منظور زيادة أسعار الوقود وأخذها معه إلى الانتخابات النصفية. وأسوأ من هذا، فلربما نظر لزيادة أسعار النفط على أنها مساعدة لبوتين كي يمول حربه.
المدير التنفيذي لقمر إنيرجي، روبن ميلز، شرّح العلاقة التي كانت قائمة بين واشنطن بالرياض، بما يتعلق بملف النفط، ان “الإدارات السعودية السابقة كانت حريصة ألا تجرح المشاعر الأمريكية ورسائلها، حتى لو كانت ستعمل نفس الشيء…السعوديون فعلوا دائماً ما يريدونه في النفط بعيداً عن الامتيازات الأمريكية، ولكنهم فعلوا هذا من خلال تغليف تحركاتهم بالحلاوة، ولكن ليست هذه المرة”.
في حين ان الاستفادة الروسية من القرار، لا تنسلخ عن الاستفادة السعودية أيضاً. اذ ان التقارب جاء تصاعدياً بعد ان أسدى بوتين لابن سلمان ظروف اللحظة الدولية المناسبة للخروج من العزلة المفروضة عليه. ونذكر هنا:
-عندما لعب السعوديون دوراً نادراً في الدبلوماسية الدولية، وأسهموا في عملية الإفراج عن سجناء أجانب لدى روسيا، بمن فيهم 5 بريطانيين أسرهم الروس أثناء القتال في أوكرانيا، وكان مستقبلهم قاتماً. ويبدو أن بوتين أراد منح السعودية لحظة على المسرح الدولي، فهنا دبلوماسيون سعوديون يقومون وبعيداً عن وطنهم، بعقد صفقة لا علاقة لها بالشرق الأوسط. وتنقل الصحيفة عن مسؤول بريطاني على معرفة بالديناميات، قوله: “كانت هذه هدية من بوتين لمحمد بن سلمان…كان بوتين يريد إظهار أن السعوديين حققوا هذا عبر الدبلوماسية”.
-بالمقابل، لم يشجب المسؤولون السعوديون العملية الروسية، كما لم تضغط موسكو على الرياض في الحرب التي شنتها على اليمن، والتي تركت البلد فقيراً وبحاجة دائمة لمساعدات كبيرة، على حد تعبير الصحيفة.
بدوره، يقول المسؤول البريطاني ان “بوتين يرى النظام الدولي الجديد هذا، ويعتقد أنه يستطيع جلب محمد بن سلمان إليه… السعوديين جالسون على رصيد قوي من النفط، الذي لا يزال له دور استراتيجي، وعليك ألا تلغي الكربون كأداة سياسية لعقود. يعرف محمد بن سلمان من هذا المنظور أنه يساعد بوتين، لكنه ليس مهتماً. وكذا الليبراليون التقدميون الذين ينظرون للقيادة من نفس العدسات”.
الكاتب بوبي غوشي -وهو كاتب في موقع بلومبيرغ نيوز- دعا في مقال له، فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن “لضرب السعودية في المكان الذي يوجعها”. وقال إنه “بدلاً من الرد على خفض أوبك+ مستويات إنتاج النفط لتقويض مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية، يجب على واشنطن الرد على ازدراء محمد بن سلمان وتعاليه بنفس الطريقة. ويلوم الصقور الجمهوريون الرئيس جو بايدن لأنه فشل في منع قرار تخفيض الإنتاج، أما حمائم الديمقراطيين فيطالبون بالانتقام من كارتل النفط”.
الكاتب: غرفة التحرير