بعد أيام من التفاؤل في الانتهاء الإيجابي، لما بات يصطلح عليه بملف “ترسيم الحدود البحرية”. فاجأت أوساط الكيان المؤقت السياسية الجميع، بما صدر عنها من تسريبات بالأمس الخميس، حينما أعلن أحد المسؤولين الإسرائيليين، أن رئيس الوزراء يائير لبيد، يرفض تعديلات لبنان على مسودة اتفاق ترسيم الحدود البحرية، مهدداً بالتوقف عن المشاركة في المفاوضات، وبالرد بشكل قوي على أي عمل عسكري ينفذ ضد إسرائيل.
وقد جاءت هذه المواقف، إثر انعقاد جلسة الكابينيت (المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية في حكومة الاحتلال)، التي كان من المتوقع أن تكون جلسةً للمصادقة على الاتفاق، بعد أن حظيت مسودته بترحيب مبدئي من جانب لبنان وكيان الاحتلال. لكن تبين بأن جلسة الكابينيت تحولت إلى جلسة للتداول، حول التطورات المتوقعة جراء الرفض الإسرائيلي لتعديلات لبنان.
وانضم إلى لبيد، وزير الحرب بيني غانتس، الذي أثار رعب المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة، بينما كان يحاول تنفيذ حرب نفسية على اللبنانيين، حينما دعا الجيش الإسرائيلي الى الاستنفار، مضيفاً بأنه “سواء تم توقيع الاتفاق أم لا، فنحن مستعدون للدفاع عن بنيتنا التحتية وعن سيادتنا. وإذا سعى حزب الله إلى استهدافها (منصة كاريش)، فإن الثمن العسكري الذي ستدفعه دولة لبنان وحزب الله سيكون باهظاً جداً. ونحن لا نبتهج بالتوجه إلى القتال، لكننا مستعدون له”.
وعلى أثر هذا التطور الجديد، كشف بنيامين نتنياهو، عن حقيقة تصريحات لبيد وحكومته، حينما قال بأن الأخير يقوم بمسرحية رفض للاتفاق. مضيفاً بأن “لابيد” كان يفاوض لبنان بهدوء، لكن عندما هدد حزب الله بقصف حقول الغاز، رضخ وتراجع ووافق على صيغة الاتفاق التي قدمها الوسيط الأميركي، لأنه ضعيف. وادعى نتنياهو بأنه عندما شنّ مع حزبه (حزب الليكود) حملة ضد الاتفاق، تراجع لبيد. زاعماً بأنه لن يكون هناك حل لقضايا كهذه، إلا بوجود رئيس حكومة قوي في إسرائيل (ملمّحاً إلى نفسه)، الذي يعرف كيف يفاوض وكيف يدافع بقوة عما وصفها بحقوق إسرائيل ومصالحها.
الموقف اللبناني
لكن اللافت كان بما صدر من ردّة فعل لبنانية على هذه التطورات والتهديدات، عندما هزء أكثرية الشعب اللبناني بها، لإدراكه مدى قوة الردع التي تؤمنها المقاومة (سواء تمّ الاتفاق أم لم يتمّ)، وفي نفس الوقت إدراكهم أن هذه التصريحات الإسرائيلية لا تمثّل إلا محاولات لتحسين موقفهم التفاوضي.
كما كان لافتاً تصريحات المسؤولين الرسميين في لبنان، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي لم يعر التصريحات الإسرائيلية اهتمامه، حينما أعلن اليوم الجمعة، بأن لبنان ينتظر نتيجة اتصالات الوسيط الأمريكي مع “إسرائيل”، لتحديد مسار مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
لذلك فإنه من المرجح أن تتولى الإدارة الأمريكية – التي تعتبر أكثر الأطراف حماسة لإنجاز الاتفاق ومنع حصول مواجهة عسكرية – الى التدخل كي لا تفشل المفاوضات، لأن حصول ذلك سيعقد الوضع أكثر فأكثر، بحيث يمكن تأجيل الملف الى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية وحينها لن يكون هناك القدرة للتكهن بمسار هذا الملف.
وما يزيد التعقيد بأن الكيان يأمل في بدء الاستخراج من حقل كاريش نهاية الشهر الحالي، وهذا ما لن يقبل به حزب الله والسيد حسن نصر الله مطلقاً، وبالتالي سيردون على هذه الخطوة بشكل حاسم. فهل يغامر لابيد بقبول المسودة بتعديلات لبنان فيخسر الانتخابات، أم يتحامق بالإصرار على رفضها فيخسر الانتخابات وربما الكيان أيضاً (في حال حصول الاستخراج من كاريش)؟
الكاتب: علي نور الدين