من سخرية الأقدار، أن نموذج الغرب الذي كان يروج له البعض في لبنان وفي العالم العربي، قد باتت الحالة الاقتصادية فيه (لا سيما بما يتعلق بأزمة الطاقة)، أصعب بكثير مما عاشه لبنان، خلال حصار أمريكي مدعوم بكارتيلات احتكار تابعة ومؤتمرة له.
ففي خطاب لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع منذ شهر تقريباً، زعم بأن لبنان المقاومة وحلفائها هو لبنان طوابير الذلّ امام محطّات البنزين والأفران والدواء المقطوع والكهرباء والمياه المقطوعة. فكيف سيبررّ جعجع لاحقاً للمشاكل التي يعيشها حالياً النموذج الغربي المفتون به، مثل ما يحصل في فرنسا من “طوابير ذلّ”، أو ألمانيا مع إغلاق مخابز ومؤسسات عديدة، أو غيرها من الدول في أوروبا، الأمر الذي دفع بمفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل للقول بأن أوروبا تواجه أكبر أزمة طاقة منذ العام 1970.
وفي أبهى صورة للنيوليبرالية الرأسمالية المتوحشة، التي يتغنى فيها جعجع ومن يماثله في الانتماء، نجد بأن المستفيد الأكبر مما يحصل من أزمة طاقة في أوروبا، هو الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحث حلفائها الأوروبيين وتسعى معهم (بطمع) لإيجاد بدائل للغاز الروسي، عبر استيراد الغاز المسال المنقول إلى أوروبا من مصادر مختلفة، والذي يأتي في مقدمتها شحنات الغاز الأمريكي المسال ومن مصادر أخرى لا تنافس الحصة الأمريكية كالغاز المصري والقطري أو ذاك الذي سيستخرجه الكيان المؤقت من ثروات فلسطين المحتلة. فنتيجة لتزايد الطلب على الغاز المسال في العالم، ارتفعت الأسعار لتحقق أمريكا أرباحاً وصفت بالخيالية، حتى أن أرباح إحدى الشحنات قد وصلت إلى أكثر من 200 مليون دولار.
أزمة طوابير في فرنسا
وفي مشهد آخر من مشاهد الأزمة، تعيش فرنسا منذ أيام أزمة كبيرة في توفير مادة البنزين بعد إغلاق 3 من أصل 6 مصافي للنفط، بسبب الإضرابات العمالية للمطالبة برفع الأجور، التي خفضت الإنتاج بنسبة 60%، أي ما يعادل 740 ألف برميل من البنزين يومياً، ما أدى الى نفاذ الوقود في غالبية شبكة TotalEnergies التي تضم حوالي 3500 محطة وقود، أي ما يعادل ثلث جميع المحطات في البلاد، ما أوجد طوابير طويلة للسيارات أمام محطات الوقود من الشركات الأخرى.
وقد زعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن النقص الحالي في البنزين لا علاقة له بالحرب في أوكرانيا وليس بفعل الحكومة. لكن الجميع مدرك بأن سبب هذه الأزمة الفعلية، هو ارتفاع أسعار الطاقة العالمي (بفعل الأزمة الأوكرانية)، والتضخم الذي يضعف القوة الشرائية للأسر الفرنسية.
وهذا ما انعكس ايضاً على انتاج الطاقة الكهربائية، بحيث تشير التقديرات بأن فرنسا التي كانت ذات يوم أكبر مصدر للطاقة في القارة، قد لا تنتج طاقة نووية كافية هذا الشتاء لمساعدة جيرانها الأوروبيين في البحث عن بدائل للغاز الروسي، وقد تضطر حتى إلى تقنين الكهرباء لتلبية احتياجاتها الخاصة.
بلومبيرغ: الألمان يقطعون الأشجار ويفكرون باستخدام روث الخيول
وإذا أخذنا نموذجاً وغربياً آخراً، فإن حال ألمانيا (التي تعتبر أقوى الاقتصادات الأوروبية)، ليست بأفضل حال من أي دولة أخرى.
ففي مقال جديد نشره موقع بلومبرغ، كشف بأن أزمة الطاقة أجبرت الأوروبيين على العودة إلى أقدم وقود تدفئة في العالم، بحيث قام الألمان في برلين بسبب نقص الوقود، بقطع جميع الأشجار تقريبًا في حديقة تيرجارتن المركزية، مشيرةً لأنهم باتوا يفكرون أيضاً في نوع آخر من الوقود وهو روث الخيول.
الكاتب: علي نور الدين