مر 12 يوماً على انتهاء الهدنة في اليمن. فرص التوصل لتمديد آخر باتت أكثر تعقيداً. اذ ان التصريحات التي وسمت المرحلة الماضية كانت تؤكد على مساعي التمديد، إلا انها ترتبط مباشرة بنوايا الطرف الاخر، ما يجعلها تقبع في دوامة الاحتمالات وسط حالة من انعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين. في حين جاء تصريح رئيس الوفد اليمني المفاوض، محمد عبد السلام، ليعكس ما يجري خلف الأبواب، فـ “الهدنة انتهت ولم تُمدد بسبب تعنّت التحالف السعودي أمام المطالب الإنسانية والحقوق الطبيعية للشعب اليمني”، وهو ما يؤكد المعلومات الواردة حول عدم الاتفاق على البند الأكثر جدلاً إلى الآن. ما يجعل الهدنة، تبعد خطوتين عمّا كانت عليه سابقاً.
على الرغم من نجاح مساعي عمان في تقريب وجهات النظر بين صنعاء وما يسمى بـ “مجلس القيادة الرئاسي”، بما يتعلق بفك الحصار عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء، إضافة لفتح الطرقات في تعز وعدد من المحافظات، لم تنجح الجهود بما يتعلق بملف صرف المرتبات، مع وجود هوة واضحة بين الطرفين، هو ما يجعل من مهمة إيجاد مخرج يرضي كلا الطرفين، أمراً معقداً لكنه غير “مستحيل” فيما “لو تخلّت دول العدوان عن عقليتها الاستعلائية وقدمت مصالحها الوطنية والقومية على مصالح أميركا وبريطانيا، الدولتين المستفيدتين من استمرار العدوان والحصار على اليمن”، وفق ما أكد عبد السلام.
وتعليقاً على مستجدات الساعات الأخيرة، يقول نائب مدير التوجيه المعنوي في صنعاء العميد عبدالله بن عامر، ان “الوصول إلى لمناقشة ملف الأسرى يعني حسم بقية الملفات او على الأقل لم يتبق منها إلا القليل”. وأشار، ان تبادل الوفود “وفد يصل وآخر يغادر، هذه طبيعة المعركة السياسية”. في حين ان “التقدم الحاصل لا يجعلنا نتوقع النجاح او الفشل بل علينا الترقب حتى الإعلان النهائي”.
وقال رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، عبد القادر المرتضى، إنه تم استقبال وفد فني سعودي للاطلاع على أحوال أسراهم، و”الهدف من زيارتهم هو الاطلاع على أحوال أسراهم الموجودين لدينا، وأيضاً مطابقة الأسماء، والتأكد منها والتمهيد لإجراء عملية تبادل – إن شاء الله – في المستقبل القريب، وهو حسب الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في آذار/ مارس المنصرم عبر الأمم المتحدة”. وأشار إلى ان وفداً فنيّاً يمنيّاً وصل أيضاً إلى السعودية -حاملاً سلاحه دون ان يتخلى عنه- و”قام بزيارة إلى السجون للاطلاع على أحوال أسرانا الموجودين لديهم، وكذلك مباينة الأسماء ومطابقتها مع الواقع من داخل السجون، والاطلاع على أحوال الأسرى والاطمئنان عليهم، ونأمل أن تكون هذه الزيارة بداية لإنفراجة كاملة في ملف الأسرى”. فيما أكد رئيس الفريق السعودي، سالم الحربي، على ان الاسرى لدى صنعاء يتلقون معاملة حسنة، وقال أشكركم -بإسمي ونيابتا عن زملائي- على حسن المعاملة مع أسرانا، ونشكركم على حسن الاستقبال والضيافة، وهذا غير مستغرب منكم فأنتم أهل الكرم، وزملاؤكم الذين وصلوا للمملكة هم إخواننا وأهلنا، ومكانهم فوق الرأس”.
على المقلب الآخر، كان المبعوث الأممي الخاص لدى اليمن، هانس غروندبرغ، يكمل التعبير عن شجبه الذي لم يسمع اصداءه خلال القصف السعودي على الأطفال والمدنيين، من “تداعيات انتهاء الهدنة وخطر تجدد الحرب”. وقال خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، الخميس، ان “هناك إمكانية من أجل التوصل لاتفاق بشأن تجديد الهدنة وتوسيعها… الهدنة ليست النهاية لكنها أساس نبني عليه”.
هذا التجاذب الذي يشهده ملف تمديد الهدنة، يعكس في الحقيقة صورة عدد من الملفات مجتمعة، لم تبصر بعد استقراراً. ولا يمكن فصل التطورات على الساحة الدولية عما يجري في اليمن. بطبيعة الحال، فإن الحاجة الغربية- الأميركية لنفط المنطقة، إضافة لضمان استقرار ممرات الملاحة الدولية، مع ما يوازيه من توتر في العلاقات بين واشنطن والرياض على خلفية قرار أوبك+ الأخير بخفض انتاج النفط، ثم رغبة صنعاء باستثمار هذه اللحظة المفصلية في تحقيق تقدم انساني وسياسي لصالح الشعب اليمني، يبعد شبح الحرب ويقرب التوصل لحل سياسي، كل تلك النقاط مجتمعة تجعل من القنوات الدبلوماسية تضيق وتتسع.
وفيما يتوقع مراقبون ان واشنطن باتت ترغب الآن بأن تنال السعودية نصيبها من النيران على خلفية قرارها الأخير، إلا ان آخرون يؤكدون، ان رغبة الأولى في معاقبة الأخيرة لا ريب فيه، في حين ان التصعيد الذي قد يمس باستقرار الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب، سيضر مصالح الرئيس الأميركي، جو بايدن المأزوم على أبواب الانتخابات النصفية، وهو الامر الذي يجعل التوقعات حول تمديد الهدنة من عدمه امراً يلفه الحذر.
الكاتب: غرفة التحرير