ضجّت وسائل الإعلام في الأيام الماضية، في الحديث عن الطائرات بدون طيار الإيرانية، وقدراتها وما حققته من معادلات نوعية في الحروب الحديثة، حيث يزعمون بأن روسيا تستخدمها في عمليتها العسكرية في أوكرانيا، لا سيما طائرة شاهد -136.
لكن هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها أبرزها: كيف استطاعت إيران هذه الدولة المحاصرة من أغلب دول العالم لأكثر من 40 عاماً، أن تجيد صنع هذا النوع من الطائرات وتصبح قطباً عالمياً في هذا المجال؟ أو بشكلً مختصر: ما هي قصة الطائرات بدون طيار الإيرانية؟
البداية مع حرب الدفاع المقدس
بعد بداية الحرب المفروضة التي شنها صدام حسين على الجمهورية الإسلامية عام 1980، كان هناك حاجة ماسة، للاستطلاع الجوي لمواقع حزب البعث العراقي، وهذا ما أمّنته طائرات RF-4 وRF-5 الاستطلاعية الأمريكية المأهولة، التي كانت تمتلكها إيران منذ عهد الشاه. لكن هذه الطائرات كانت لها نقطة ضعف خطيرة، بسبب طبيعتها غير المسلحة، ما جعلها هدفاً لمطاردة المقاتلات العراقية المعترضة والدفاع الجوي.
لذلك وفي أواخر العام 1983، خطرت فكرة استخدام طائرات بدون طيار لأول مرة، عند قادة حرس الثورة الإسلامية في إيران، معتمدين على نماذج صممها بعض الخبراء في جامعة أصفهان. وكان طول تلك الطائرات حوالي 80 سم، أما ارتفاع طيرانها فكان الى النقطة التي تصبح عندها غير مرئية للأعين المجردّة.
فاستفاد حرس الثورة من هؤلاء الخبراء، وأنشأ كتيبة رعد المتخصصة بالعمل بهذا النوع من الطائرات، التي انتشرت في منطقة الأهواز، وفي ثكنات بالقرب من الجبهات بهدف توفير صور تعريف للجبهات.
مع مرور الوقت، وجدت هذه الكتيبة تنظيماً أوسع وأصبحت أساساً لتشكيل “صناعات القدس الجوية” عام 1984. وكانت طائرة “تلاش” هي أول طائرة تقوم بتصميمها وتصنيعها. وهي طائرة بلغت سرعتها 120 كم / ساعة، وكان يتم توجيهها عن طريق التحكم اللاسلكي. وعلى الفور تم تطوير طائرة “تلاش 2” التي بلغت سرعتها 140 كم / ساعة، ضمن مدى تشغيلي 5 كم وسقف ارتفاع للتحليق 2700 متر، ومدة طيران 45 دقيقة.
كانت بساطة انتاج الصور وحداثتها ودقتها العالية، ومدى مناطق التصوير، وانخفاض تكلفة الطيران، وعدم الحاجة إلى وجود مهارات خاصة لتفسير الصور، من بين المميزات التي ساهمت في إبراز أهمية وفعالية وجود هذه الطائرات للقادة، مما تسبب في ترقية كتيبة رعد إلى وحدة الطائرات بدون طيار، من خلال تصنيع الطائرات تلاش 1 و 2 و 3 ومن ثم مهاجر 1 و 2، التي كانت أهم منتج تزوده شركة القدس للميدان، وكانت هذه الطائرة مألوفة للإيرانيين، نسبةً لفيلم مهاجر للمخرج إبراهيم حاتمي كيا. لكن اسم الطائرة فيعود الى الشهيد القائد علي أصغر مهاجر الذي استشهد في عملية كربلاء الخامسة في 28 آذار / مارس من العام 1987، والذي كان أحد مصممي ومدربي قيادة هذه الطائرات بدون طيار.
بحلول نهاية الحرب، تمكنت وحدة الطائرات بدون طيار التابعة للحرس الثورة من تنفيذ 940 مهمة استطلاع جوي، وتسجيل 54 ألف صورة، وتحديد 18.570 كيلومترًا مربعًا من مناطق العمليات ومواقع جيش صدام.
ما علاقة الشهيد حسان اللقيس في هذا المجال؟
ونظراً للأداء الناجح والمثير للإعجاب لهذه الوحدة خلال فترة الدفاع المقدس، كان من أهم الاستنتاجات العمل على تطوير وتعزيز قدرات الطائرات بدون طيار. وكان للشهيد القائد حسان اللقيس في المقاومة الإسلامية – حزب الله، دوراً أساسياً ومركزياً في تطوير العديد من أجيال وأنواع هذه الطائرات (مهاجر – أبابيل – شاهد، وغيرها)، ولهذا عُرضت صورته في إحدى معارض الطائرات المسيرة، التي افتتحها قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي. ولم يقتصر تطوير هذه الطائرات على شركة قدس، بل انتقل الى لشركة هسا (HESA) التابعة لوزارة الدفاع، والآن تتولى المسؤولية عن ذلك منظمة صناعة الطيران الإيرانية (IAIO).
كما لا يخفى على أحد، الدور الكبير للإمام الخامنئي في نجاحات هذا المجال، لما أبداه من اهتمام خاص به، وتقديمه نصيحة إستراتيجية للقوات الجوية لحرس الثورة الإسلامية، بزيادة عدد الطائرات القتالية بدون طيار، حتى باتت إيران تمتلك أكبر أسطول من الطائرات القتالية بدون طيار في المنطقة وفي العالم، وباتت اليوم من أوائل الدول في تصنيع وتطوير هذه الطائرات.