يفرز كيان الاحتلال أوراق صناديق اقتراع أعضاء “الكنيست” الخامس والعشرين، وهي المرة الخامسة التي يخوض الكيان الاستحقاق نفسه في وقت قصير لم يتجاوز الـ 4 سنوات فقط وسط تجاذب سياسي كبير بين قطبي اليمين واليسار. على الرغم من الاقبال على الاقتراع، اذ بلغت النسبة حوالي الـ 77% الا أن هذا يدّل على أن الجمهور اليهودي لم يكن راضياً أو مقتنعاً بأداء الائتلاف السابق وحكومته التي انهارت بعد سنة من تشكيلها وفقدت الأغلبية في “الكنيست” بسبب الاستقالات. لكن من اختار الجمهور اليهودي هذه المرة؟
حصل حزب “الليكود” بزعامة رئيس حكومة الاحتلال الأسبق بنيامين نتنياهو على 31 مقعداً، وحصلت أحزاب اليهودية الدينية المتطرفة بزعامة كلّ من ايتمار بن غفير وبتسلايل سموتريتش على 14 مقعداً، وحصل حزب “شاس” (حزب حريدي اورثوذوكسي متطرف) على 12 مقعداً، كما حصل حزب ” يهدوت هتواره” (من الاحزاب الحريدية الصغيرة المتشددة) على 8 مقاعد، امّا حزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان (وزير خارجية سابق) فقد حصل على 5 مقاعد، والى جانب أحزاب تدور في الفلك اليميني فإن نتنياهو يشكّل كتلة من 65 مقعداً في “الكنيست” الجديد، ليتجاوز بها أغلبية النصف زائد واحد ( 60 + 1).
ذلك مقابل، حصول حزب ” يش عتيد” (يوجد مستقبل) على 24 مقعداً، وحزب “العمل” على 4 مقاعد، وقد حصل “معسكر الدولة” بزعامة وزير حرب الاحتلال بيني غانتس ووزير القضاء جدعون ساعر ورئيس الأركان الأسبق غادي ايزينكوت على 12 مقعداً، فيما خرجت قائمة “ميرتس” وهي قائمة مشتركة لأحزاب يسارية من المنافسة بعد عدم تجاوزها لـ “نسبة الحسم”(3.25%) أي أنها لم تتمكن من تأمين 4 مقاعد في “الكنيست”. ومع هذه النسب الأقل من كتلة اليمين، فإن اليسار أو الائتلاف الحكومي السابق حصل على 45 مقعداً.
وحظيت الأحزاب العربية على 10 مقاعد توزعت بالتساوي بين “القائمة العربية الموحدة” و”القائمة المشتركة” بعد خروج “التجمّع” من المنافسة.
الحكومة في قبضة اليمين المتطرّف!
سعى نتنياهو بكل أساليب التحريض ضد الحكومة السابقة وأداء اليسار في العديد من الملفات وأهمها ترسيم الحدود البحرية مع لبنان والاتفاق النووي، للعودة الى منصب رئاسة الحكومة من أجل اكتساب الحصانة السياسية أمام الملاحقات القضائية والقانونية بتهم الفساد.
أمّا في التشكيلات الحكومية، فيطالب بن غفير المعروف بتصرفاته وقراراته وتصريحاته غير المدروسة والمتطرفة والمثيرة للجدل داخل أوساط الاحتلال، فالحصول على حقيبة الأمن الداخلي! يمكن أن يرفض نتنياهو هذا الطلب في البداية لكن الاحتمال الأكبر أن يقبل في نهاية المطاف، فبن غفير “هو مغناطيس الأصوات لكتلة نتنياهو، وسموتريش هو تابع لبن غفير، وكلاهما سيكونان الركيزة الأساسية لحكومة نتنياهو وسيحصلان على ما يريدان”. حسب تقرير سابق لموقع” N12″ العبري. ويطالب سموتريتش بدروه بحقيبة الأمن أو القضاء أو المالية. أما رئيس حزب “شاس”، أرييه درعي، حليف نتنياهو الرئيسي فيطالب بحقيبة المالية أو القائم بأعمال رئيس الحكومة، مثل وزارة الداخلية والأديان. “وكل هذه المطالب تضع نتنياهو أمام صعوبات”.
وحول هذه التحالفات، قال محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس” العبرية، يوسي فيرتر، إلى أن نتنياهو يتولى تشكيل الحكومة لكن سيكون هناك رئيس حكومة هو بن غفير، الذي فرض سحره على الجنود والشباب من أجل التصويت له للمرة الأولى”، معتبراً أن “معظم أعضاء الكنيست في الإئتلاف الذي يتشكل من المتدينين والحريديين والحريديين – القوميين، مواقفهم ظلامية وخطيرة لذلك تدخل إسرائيل عهداً جديد”.
فيما بدأت الأصوات الحزبية التي تعارض تسليم الحكومة لقبضة اليمين المتطرّف وخاصة الأحزاب الدينية، اذ نقلت يديعوت أحرنوت نقلاً عن حزب “بلد” العربي أنه “لا يجوز تشكيل حكومة بيبي (للإشارة الى نتنياهو) – بن غفير.
الحكومة والعلاقات مع واشنطن
من ناحية ثانية، ستغيّر الحكومة اليمينية من شكل العلاقات بين الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، وهذا السياق رأى المحلل السياسي لموقع “والاه” العبري، باراك رافيد أنه “إذا كانت هذه هي النتائج وهذه هي الحكومة (حكومة نتنياهو)، فإن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة ستتغير بشكل هو الأعمق منذ 1948 – سيكون تغييرًا جذريًا”. وفي ظل إدارة ديمقراطية يمثلها الرئيس الحالي جو بايدن، اعتبرت “يديعوت أحرنوت” ان ” وسائل الإعلام الدولية تشيد بالعودة الواضحة لبنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء باعتبارها “عودة صاخبة” و”تحول غير عادي”، لكن حذروا من أن الحكومة التي هو على وشك تشكيلها، خاصة على افتراض أنها ستشمل حزبي إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لن يضع إسرائيل في مسار تصادمي مع الإدارة الأمريكية فحسب بل قد ينفّر ذلك أيضًا مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة، بما في ذلك الجالية اليهودية الكبيرة التي تعيش هناك”.
لكن من الطبيعي أن خسارة الحزب الديمقراطي لأوراقه أمام الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية بعد أيام ستشكّل دعماً لحكومة اليمين بزعامة نتنياهو.
في الخلاصة، يعود كيان الاحتلال الى تجربة اليمين المتطرّف التي اجتمعت الأحزاب اليهودية في ائتلافات غير متجانسة فقط من أجل تحيدها وتحيد سياسات التي انتقدها الجهور أيضاً، لكنّ الأمور لم تحسم بعد اذ إن الاحتمال يبقى أن لا يستطع نتنياهو تشكيل حكومة متجانسة فيذهب الكيان الى انتخابات سادسة في الربيع المقبل.
الكاتب مروة ناصر