في إطار سعيه لحجز كرسيّ له على طاولة الديموقراطية الأمريكية، وبعد تنظيم انتخابات برلمانية صورية، وبناء أكبر كاتدرائية في دول الخليج وتوقيع اتفاقيات التطبيع تحت عنوان اتفاقيات أبراهام، يسعى ملك البحرين المتربع على العرش منذ العام 1999، إلى تبييض صفحته وتحسين صورته التي تنتقدها بشدة منظمات حقوق الانسان العالمية، وحتى الاتحاد الأوروبي. وآخر هذه المساعي هي دعوة البابا فرانسيس إلى تجمّع للأديان في البحرين!
تداولت الصحافة الغربية هذا الخبر بكثير من التهكّم على عنوان الزيارة، فكيف تدعو السلطات إلى حوار بين الأديان في الوقت الذي تعجّ فيه سجون البحرين بمعتقلي الرأي ورموز المعارضة، بالإضافة إلى عمليات سحب الجنسيات والنفي خارج البلاد. الحاكم الرسولي الكاثوليكي للبحرين والدول المجاورة، الأسقف بول هيندر، قال إن المنافسة مع دول الخليج العربية الأخرى هي التي دفعت -على الأرجح- آل خليفة، إلى دعوة فرنسيس إلى البلاد.
زيارة إشكالية إلى حدّ ما
لماذا بالضبط سيذهب البابا فرنسيس إلى البحرين؟أفاد أحد المراسلين أنه عندما يُطرح هذا السؤال على مراقبي الفاتيكان في روما، فإنه دائمًا ما يثير رد الفعل نفسه: عيون واسعة ونظرة محيرة قليلاً. والجواب أولًا وقبل كلّ شيء، إنها استجابة لدعوة! وعلى الرغم أن جامعة “لا سابينزا” في روما قد استضافت كرسي الملك حمد في الحوار بين الأديان والتعايش السلمي منذ عام 2018، إلا أن الجميح يطرح إشكالية إدارة بن حمد الداخلية للتنوّع الديني في البحرين، وقد حثّت عدّة جمعيات في الفاتيكان إلى إلغاء الرحلة، خاصة أن هذه الزيارة يمكن أن تلقي بظلالها على الانتهاكات وحقوق الانسان في البحرين تحت غطاء حوار الأديان.
إصرار مسؤولي الفاتيكان على إثارة القضية
كل الانتقادات الديبلوماسية والصحفية لم تؤدِّ إلى إلغاء الرحلة. يشير مسؤولون في الفاتيكان للصحافة، إلى أنّ البابا يوحنا بولس الثاني قد فعلها سابقًا وزار البلدان التي اعتبر المجتمع الدولي سلطاتها “غير وديّة”، وأفادوا أنهم أصرّوا على البابا أن يتحدّث عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الزيارة. إلا أن الحاكم الرسولي للبحرين بول هيندر، توقّع أن يثير البابا قضية المعارضة في البحرين ولكن “خلف الستائر”، بحجة أنه يعرف جيدًا أن بن حمد “لا يحبّ النقد الصريح”. إلى ذلك صرّح أحد المراقبين من الفاتيكان، بأن “البابا يرى بوضوح أن المواجهة بين السنة والشيعة هي على المستوى السياسي من خلال إيران والسعودية، وهي أصل النزاعات المسلحة كما هو الحال في اليمن ولبنان”. وأكّد أنه سيكون لديهم الفرصة لمعالجة هذه القضية بتكتّم كالعادة. وقال مسؤول كاثوليكي على دراية كبيرة بالمنطقة وتوتراتها بأن الرحلة قد تهدف أيضًا إلى إرسال رسالة إلى المملكة العربية السعودية، إذ تعتبر البحرين دولة تابعة لها.
منظمة العفو الدولية طالبت الفاتيكان التحدّث بصراحة عن قمع الحريات والحقوق المدنية والسياسية، وكانت 130 منظمة حقوقية تمنّت على البابا المطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين.
البابا “لم يخجل” وأثار قضية الحقوق
على الرغم من التوقعات المتكررة ألا يثير البابا قضية التمييز الممنهج ضد الطائفة الشيعية في البحرين علانية، إلا أنه فور وصوله، حثّ السلطات على التخلي عن عقوبة الإعدام وضمان حقوق الإنسان الأساسية لجميع المواطنين. حتى “تكون الحرية الدينية كاملة وليست مقصورة على حرية العبادة”. وأن يعترف بالمساواة في الكرامة وتكافؤ الفرص بشكل ملموس لكل مجموعة ولكل فرد؛ وكذلك عدم وجود أي شكل من أشكال التمييز وعدم انتهاك حقوق الإنسان الأساسية بل أن يتم تعزيزها”. وهو الأمر الذي فسرته المعارضة، على أنه دعوة من البابا لتطبيق وتفعيل المادتين 18 و22 من الدستور.
وقد عبّرت صحيفة واشنطن بوست، بأن البابا “لم يخجل” من إثارة هذه القضية، بالإضافة إلى قضية سوء معاملة العمال المهاجرين واستغلالهم في بناء الجزيرة واستخراج النفط وفي الخدمات المنزلية.
دعوة البابا “وثيقة وطنية للتسامح”
أعربت المعارضة عن ارتياحها من نجاح حملة الضغوطات والمطالبات التي قادها العلماء والحقوقيون وحركة السجناء وأهاليهم، وعلّقت مصادر مقربة على أن البابا “قد حرص على بيان الإرث التاريخي لشعب البحرين على صعيد التسامح الاجتماعي”، وأن ذلك “يعد من خصائص المجتمع البحراني الأصيل الذي عمد النظام إلى الانقضاض عليه على مدى السنوات الماضية”.
جمعيّة الوفاق الوطني أصدرت بيانًا أعلنت فيه أنها ستعتبر “ما طالب به البابا وثيقة وطنية للتسامح والتعددية ونبذ التمييز والحق في الحياة في البحرين”. وأكدت على جاهزيتها “للمساهمة في العمل على تحويل مخرجات وتوصيات الخطابات والمؤتمرات المتعلقة بالتعايش والتعددية إلى واقع عملي يساهم في إعادة مقومات التعايش والسلام الداخلي”.
لطالما تجاهلت السلطات البحرينية النداءات المتكررة التي تطلقها المنظمات الحقوقية، والتقارير الصادرة من الكيانات السياسية، وهم يمارسون سياسة النعامة بتجاهل المعارضة الوطنية، وتجاهل خطورة ما أوصلوا إليه البلاد من فساد وإفساد. فهل سيتمكّن آل خليفة من تبييض صفحتهم وهم يتجاهلون ثلثي المواطنين من أهالي البحرين؟
الكاتب: غرفة التحرير