اعتمدت الولايات المتحدة طيلة عقود، استراتيجية الاستهداف المتكرر لبنية الدولة الإيرانية على اختلافها. وإذا ما تنوعت الأساليب المستخدمة لتنفيذ ذلك، إلا انها كانت تُجيّر لتحقيق هدف واحد: تطويع ايران وجرّها نحو تطبيع العلاقات بل تنفيذ الأجندة الغربية دون تعديل. وبذلك، كانت الحرب التركيبية آخر ما توصلت إليه مراكز القرار في واشنطن وبروكسل، وبدأ العمل على تشديد الحصار على طهران، ثم اضرام النار بها من الداخل، على خلفية ذرائع، غالباً ما تكون متعمّدة. وبما ان ايران تتقن الضربات الأكثر ايلاماً، أعلنت أخيراً عن زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% لأول مرة في منشأة فوردو.
أشعلت إيران مجدداً ميدان البرنامج النووي. وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه المعسكر الغربي أخباراً سعيدة عن “ليلة سقوط طهران”، جاء خبر زيادة تخصيب اليورانيوم، ليعيد الأمور إلى نصابها من جديد. إلى حيث لم تستطع واشنطن منع وصول التكنولوجيا الإيرانية إلى روسيا، او جر الفوضى لإحداث حرب أهلية، تكون خلالها الساحة الإيرانية هشة ومهيّأة لاحتضان الجماعات الإرهابية شأنها شأن سوريا وليبيا والعراق.
كان قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمثابة شرارة. اذ ارتأت ايران الرد عليه بالخطوة المناسبة. حيث اتخذت منظمة الطاقة الذرية الايرانية عدة إجراءات في جدول الأعمال كخطوة أولى، وتم البدء بتنفيذها يوم الأحد الماضي، في منشأتي نطنز وفوردو:
– البدء بإنتاج، سادس فلوريد اليورانيوم، بتخصيب 60٪ لأول مرة في فوردو. مع الإشارة إلى ان التخصيب بنسبة 60% في مجمع “الشهيد أحمدي روشن” في نطنز لا يزال مستمراً.
– بدء عملية استبدال الجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي بأجهزة IR-6 المتطورة مما يزيد الطاقة الانتاجية بشكل كبير.
– بدء عملية تجهيز القاعة B في نطنز، بسعة 8 سلاسل جديدة والتي سيتم تنفيذها على مراحل حسب ضرورة إنشاء البنية التحتية.
-البدء بحقن الغاز في سلسلتين جديدتين من اجهزة الطرد المركزي المتطورة من نوع IR-4 و IR-2m.
– البدء بتحميل سلسلتين أخريين من نفس النوع (IR-2m و IR-4) والتي ستصل إلى مرحلة حقن الغاز في الأيام القادمة.
وتأتي هذه الخطوة بعدما وصلت التوترات على الساحة الدولية إلى أوجها. على خلفية تورط كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية إضافة إلى كيان الاحتلال والسعودية بأحداث الشغب التي تشهدها ايران في عدد من المحافظات والتي وصلت إلى حد القتل الممنهج لعناصر الشرطة والأمن بالأسلحة الفردية والرشاشة والسكاكين.
ولم يكن قرار رفع مستوى تخصيب اليورانيوم رداً يتيماً. بل عمد حرس الثورة، أيضاً، على احباط العديد من عمليات تهريب الأسلحة إلى الداخل الإيراني، إضافة لاستهداف “مكان انتشار وتدريب وتنظيم الخلايا الإرهابية الانفصالية في إقليم كردستان، شمال العراق”. وبحسب البيان الصادر عن الحرس فقد نفذت “الهجمات عمق مناطق الإقليم، في جيزنيكان وزرقيز وكويسنجق وزرغوئيز، حيث جرى إلحاق خسارة فادحة بالإرهابيين”. وتابع: “سقطت أربعة صواريخ على مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الإرهابي (حدكا) في كيسنجق بكردستان”، وبالتزامن “تعرضت مقار حزب (كوملة) الإرهابي في منطقتي زرغوئيز وباناكور قرب السليمانية بالعراق” للقصف.
تمتد المواجهة بين ايران والمعسكر الغربي إلى ساحات متعددة. اذ ان النار التي كانت تعتقد واشنطن انها قد حاصرتها في المنطقة، باتت تراها في ميادين أخرى. وهو ما جعلها أكثر عدائية مع وصول تكنولوجيا الطائرات المسيرة الإيرانية إلى روسيا. وعلى ما يبدو، ان حصار طهران، بات يأتي بنتائج عكسية على فارضي العقوبات. كما يمكن القول، بأن ايران تود من رفع مستوى التخصيب ايصال رسالة مفادها ان الضغط الأميركي باستخدام ورقة الاحتجاجات في الداخل لن يجدي، ولن يحقق رفع مستوى الخطاب، الذي زاد حدة بعد الانتخابات النصفية للكونغرس والتي حصل فيها الحزب الديموقراطي على نتائج مريحة، إلى أوراق إضافية يمكن استخدامها في المفاوضات.
الكاتب: غرفة التحرير