قبل رؤية 2030، كانت لدى السعودية مشروع عملاق يسمى “برنامج المدن الاقتصادية” منذ العام 2006، وكان يهدف إلى إسكان 4.5 مليون نسمة بحلول عام 2020 بالإضافة إلى تنويع الاقتصاد. إلا أن عدد سكان البرنامج الرائد يبلغ اليوم 4000 نسمة فقط. وبالإضافة إلى مشاريع أخرى مشابهة هدفها منافسة دول الخليج وجذب الأجانب، تملك مملكة آل سعود بالفعل تاريخًا من المشاريع العملاقة المهجورة التي تصرف عليها المليارات من استثمارات البنية التحتية، ولن يكون مفاجئًا أبدًا أن تتحول مدينة نيوم المفترضة إلى مدينة ملح.
هذا الفشل في المشاريع هو نتاج التخطيط المعتاد من أعلى إلى أسفل، ونتاج الميل إلى المشاريع “فوق الخيال”، واستطرادًا، هذا كان شعار مهرجانات موسم الرياض هذه السنة. يتسّم الخليجيون بشكل عام والسعوديون بشكل خاص، برؤى عالية السقف غالبًا، أعلى من ناطحات السحاب.
مدينة نيوم الذكية
يفترض أن يكون لدى نيوم سيارات أجرة طائرة وخدم آليون لتنظيف بيوت السكان، وحديقة على غرار جوراسيك بارك، بالإضافة إلى قمر صناعي. وصفت هذه المدينة على أنها الفصل الثاني للبشرية. لكن في الحالة السعودية، تُضاف الاضطرابات السياسية إلى حالة عدم اليقين: لقد شاب نيوم مقتل الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي، وطرد قبيلة بدوية من أجل المشروع.
ناطحات السحاب
وبالمثل، توقف العمل في ناطحة سحاب برج جدة لمدة أربع سنوات حتى الآن حيث تم سجن داعميه الرئيسيين منذ عمليات التطهير التي قام بها محمد بن سلمان “لمكافحة الفساد”.
لا تزال ناطحات السحاب في منطقة الملك عبد الله المالية (الرد السعودي على مركز دبي المالي الدولي الناجح) شاغرة إلى حد كبير، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الرياض ليست جذابة للغربيين. لكن ثمة حديث منتشر عن أن المملكة ستسمح باستهلاك الكحول لجذب المصرفيين الأجانب. وقد ألغت مؤخرًا الحظر المفروض على دور السينما وعيد الحب.
تخفيف قيود النظام المحافظ
أعلنت الحكومة عن خطط كبيرة لمنتجعات فائقة الفخامة مثل “أمالا”، ستكون هذه المناطق السياحية المكملة بمطارات منفصلة معزولة عن أعين السكان السعوديين، وبالتالي يفتح لهم المجال بممارسة نمط حياة لا تسمح القوانين السعودية.
ومن خلال مهرجان موسم الرياض، يمكن ملاحظة مسألة تخفيف القيود فيما يتعلق بالاختلاط بين الجنسين والملابس والترفيه والكحول. يرى مركز واشنطن لدراسات الشرق الأوسط أن هذا الإصلاح الاجتماعي المؤقت والانتقائي يضع الحكومة السعودية بين المطرقة والسندان، حيث أن استمرار تخفيف هذه المعايير، أو حل الدولة الواحدة بنظامين، سيؤدي حتما إلى تنفير الأجزاء الأكثر تحفظًا من السكان، وإثارة السخط ودق إسفين في المجتمع.
منافسة اقتصادية مع دول الخليج
في مجلس التعاون الخليجي، منافسة شديدة في المشاريع العملاقة والتمويل والسياحة، والإمارات هي المنافس الأول. تحاول الرياض إزاحة دبي كمركز مالي للمنطقة. مثال آخر معبر هو برج جدة في المملكة، والذي يهدف إلى تجاوز برج خليفة باعتباره أطول مبنى في العالم. سرعان ما تبع بدء البناء في جدة العمل في برج خور دبي، وهو مشروع سري غير معروف الارتفاع النهائي ومساحة صغيرة قابلة للاستخدام بشكل ملحوظ. تم تعليق برج خور دبي بعد فترة وجيزة من برج جدة ويبدو أنه يعمل فقط كأداة للمدينة من أجل إنكار محاولة جدة لتسجيل الرقم القياسي العالمي والاحتفاظ بلقب “أطول مبنى في العالم”.
حلقة أخرى في هذا التنافس هي إعلان سعودي جديد يقصر العقود الحكومية على الشركات التي ليس لها مقر إقليمي في الرياض أو الدمام أو جدة – ولا سيما، لم يتم ذكر نيوم ولا مدينة الملك عبد الله الاقتصادية يرى المعلقون أن هذه الخطوة هي محاولة قاسية أو حتى يائسة لفرض نقل الأعمال من الإمارات العربية المتحدة إلى المملكة.
إعلانات حكومية لا تدعمها سياسة فعلية
يرى معهد واشنطن في مقال تحت عنوان “رؤى الخليج المتعثرة”، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه اللقطة الأخيرة ستصبح حقيقة، لكنها تسلط الضوء على مشكلة أخرى متوطنة في المنطقة. غالبًا ما يشير الاقتصاديون إلى هذه القضية على أنها حالة من عدم اليقين المؤسسي أو تقلبات السياسة، والتي تتميز بإعلانات حكومية مفاجئة وغامضة لا تدعمها سياسات فعلية. عندما تظهر السياسات، فإن تنفيذها وإنفاذها يكونان غير منتظمين ويعتمدان في الغالب على الواسطة (الروابط والمحسوبية). هذا الافتقار إلى الشفافية والاتساق غير جذاب للأعمال التجارية الدولية ويشكل سببًا حاسمًا وراء شعبية المناطق الاقتصادية الخاصة في المنطقة: فهي توفر للشركات الأجنبية ملاذًا قانونيًا وقضائيًا من عدم اليقين المؤسسي.