تستمر التكهنات في التحقيقات التي يجريها كيان الاحتلال حول العملية المزدوجة التي نفذت أخيراً في القدس المحتلة. اذ تعتقد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية انها قد نفذت من مجموعة مدربة وليس شخص واحد فقط. حيث اعتبرت صحيفة هآرتس العبرية في مقال لها ان “ثمة شك بأنه عمل لتنظيم محلي جديد على صيغة “عرين الأسود” من نابلس. توجد هنا في المقابل دلائل عن نمط عمل لتنظيم مخضرم مثل حماس والجهاد الإسلامي”.
النص المترجم:
العملية المزدوجة التي وقعت في القدس تظهر أنها من تنفيذ خلية إرهابية مدربة نسبياً. شخص ما كان عليه التخطيط مسبقاً لوضع العبوات في محطات مختلفة للحافلات، وجمع معلومات استخبارية مسبقة، وتركيب العبوات ووضعها، والانسحاب دون إلقاء القبض عليه. بعد ذلك تشغيل العبوات من بعيد من خلال توقيت الانفجارات معاً خلال فترة زمنية قصيرة. قتل في العملية طالب مدرسة دينية عمره 16 سنة، هو آريه شتسوفيك، وأصيب 22 شخصاً.
ليس هذا عملاً لمخرب منفرد، وثمة شك بأنه عمل لتنظيم محلي جديد على صيغة “عرين الأسود” من نابلس. توجد هنا في المقابل دلائل عن نمط عمل لتنظيم مخضرم مثل حماس والجهاد الإسلامي. ولن تكون مفاجأة كبيرة إذا تبين لاحقاً بأن خلية من شرقي المدينة في القدس هي التي عملت (بسبب حرية الحركة ومعرفة ساحة العملية)، ربما بمساعدة وتمويل من الخارج.
العمليات في محطات الحافلات تثير ذكريات قديمة ومؤلمة. في العقود الأخيرة لا يوجد حدث ترك ندباً مأساوية جداً في الروح الإسرائيلية مثل عمليات الحافلات في فترة الانتفاضة الثانية في بداية الألفين. في حينه، كانت تلك على الأغلب عمليات انتحارية استخدمت فيها عبوات أكبر وقاتلة أكثر. العمليات الانتحارية خفتت عند انتهاء تلك الانتفاضة، وعلى الأغلب استبدلت منذ ذلك الحين بمبادرات محلية مرتجلة أكثر. في المرة الأخيرة شهدت القدس عملية داخل حافلة في نيسان 2016 عندما فجر مخرب من حماس، كما يبدو، نفسه بالخطأ أثناء حمل العبوة على جسده. أصيب 20 شخصاً من ركاب الحافلة.
هذه العملية المزدوجة خلفت فتى قتلاً وإصابة 22 شخصاً، من بينهم ثلاثة بين بالغة وشديدة. قالت ضابطة في الشرطة إنه كانت هناك معلومات مسبقة عن العملية. كان الهدف المس بأكبر عدد من الأشخاص. القتيل، آريه شتسوفيك، هو طالب مدرسة دينية ابن 16 سنة من القدس، هي عملية أثارت في القدس الخوف من العودة إلى فترة صعبة يفضل سكانها نسيانها.
من اختار هذا الصباح أهداف العملية -محطات لحافلات في القدس- يدرك كما يبدو الشحنة التاريخية المرافقة لذلك. هذه العملية أكبر، وستلقي بظلالها على الخطوات السياسية. تحدث العمليات في فترة انتقالية. الحكومة التاركة أصبحت قدمها الآن في الخارج، في حين لم تُشكل الحكومة الجديدة بعد.
بنيامين نتنياهو لم يجلس وراء المقود بعد، لكن شركاءه القادمين بدأوا يصبون الزيت على النار. المرشح لتولي حقيبة الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، وجد صعوبة في التنازل عن عاداته القديمة، وسارع إلى ساحة العمليات. ولكن هناك اكتشف، للمرة الأولى في حياته، بأن عليه تقديم إجابات وليس اتهامات فقط. الحلول التي اقترحها ظهرت بدرجة معينة مبتذلة قليلاً: اغتيال مخربين، فرض حظر التجول على القرية التي يخرج منها منفذو العملية و”وقف المخيمات الصيفية داخل السجون”. أما المتباهي بأنه العقل الأمني في قائمته، عضو الكنيست (العميد احتياط) تسفيكا فوغل، فكانت له فكرة براقة أكثر، “ألسنا نملك طائرات؟ ألا نملك صواريخ؟ مدافع؟ دبابات؟ يجب استخدامها”، دعا في مقابلة مع راديو10 اف.ام.
يعرف نتنياهو أن الظروف معقدة أكثر بقليل، ويتحفّظ رؤساء أجهزة الأمن من عملية واسعة في شمال الضفة بذريعة أن الاعتقالات المتواترة وتحقيقات كثيرة لـ”الشاباك” كافية لمواجهة التهديد. ولكنه يتعيّن عليه رمي شيء ما لشركائه، حيث في الخلفية التوتر الدائم في الحرم والنية الظاهرة لبن غفير في مواصلة الذهاب إلى الحرم حتى بعد تأديته اليمين كوزير. ما يطبخ على نار هادئة وحتى متوسطة منذ 8 أشهر قد ينزلق إلى مواجهة أكبر إزاء تجمع الظروف الجديدة: ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية، وازدهار خلية إرهابية محلية على الأرض، وحكومة يمينية واضحة سيتم تشكيلها قريباً في إسرائيل.
حوالي 30 إسرائيلياً وأكثر من 140 فلسطينياً قُتلوا في عمليات أحداث عنف منذ بداية السنة، في الضفة وداخل الخط الأخضر. شاهدنا حتى الآن عمليات لمخربين منفردين وخلايا محلية والقليل من التنظيمات الممأسسة أكثر، مثل حماس والجهاد الإسلامي. من أجل اعتبار هذا انتفاضة، المطلوب عامل آخر، وهو مشاركة شعبية واسعة في الجانب الفلسطيني، التي هي حتى الآن هي غير موجودة. عرفت إسرائيل كيفية تجنب ذلك، لأنها حذرت من فرض عقوبات جماعية في “المناطق” -أي الضفة الغربية- في معظم الحالات. إدخال القدس إلى الصورة، بالأساس إذا اندمجت في عمليات انتحارية، يمكن أن يرجح الكفة في المستقبل. ويكمن العائق الرئيسي أمام هذه النتيجة في قدرة الإحباط العالية التي أظهرها “الشاباك” والجيش حتى الآن.
في هذه الأثناء، جرى في الضفة حادثة غريبة، تبدو مثل سيناريو تم شطبه من الموسم القادم في سلسلة “فوضى”. شابان من دروز الكرمل دخلا أول أمس إلى جنين، وكانا طرفاً في حادث طرق. نقل أحد المصابين في طائرة إلى إسرائيل، لكن صديقه، تيران فرو (17 سنة)، بقي في وضع بالغ الصعوبة في مستشفى في جنين. حسب أقوال أبناء عائلته الذين جاءوا لمرافقته، فقد اقتحمت عصابة فلسطينية مسلحة المستشفى وفصلته بالقوة عن جهاز التنفس رغم احتجاج أبناء عائلته، وأخذت جثته.
في الليل جرت اتصالات حثيثة بين ممثلين من إسرائيل والسلطة والأمم المتحدة من أجل إعادة الجثة، التي تم وضعها في سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر فجراً، ولكن جاء مسلحون مرة أخرى بعد ذلك واختطفوها. والد الفتى وعمه اتهما الفلسطينيين بقتله في المستشفى. ليس واضحاً للجيش الإسرائيلي حتى الآن ما إذا كان الفتى على قيد الحياة عند وقوع الحادث (بن غفير الذي هو أقل دقة في استيضاح الحقائق، سبق وأعلن بأن الحديث يدور عن قتيل في عملية).
هذه القضية تثير الغضب في أوساط الطائفة الدرزية داخل إسرائيل، وهناك طلبات للقيام بعملية. حماس هي التي بدأت بالاتجار بجثامين القتلى عندما رفضت إعادة رفات جثة جنديين للجيش الإسرائيلي قتلا في القطاع في عملية “الجرف الصامد”. ولكن إسرائيل انزلقت أيضاً إلى ذلك منذ زمن عندما خزنت لديها عشرات جثامين الفلسطينيين، الذين نفذوا عمليات أو شاركوا في أحداث، رغم أنه -حسب رأي كل الجهات الأمنية- لا فائدة تذكر من ذلك.
تمثل الحادثة ضعف السلطة في جنين، التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة. ولكن إذا لم يكن هنا أي حل سريع للتنكيل بعائلة الفتى، فيتوقع أن نرى تصعيداً آخر في شمال الضفة، الذي لن تقف في مركزه في هذه المرة حياة إنسان، بل جثة فتى أصيب في حادث طرق ولم يتسبب بضرر لأحد.