في شهر آذار الماضي، نشرت مجلة وول ستريت جورنال معلومات تتحدث عن ترتيبات لاحتمالية زيارة الرئيس الصيني شي جين بينع إلى السعودية، الا أن هذه المقالة اختفت في اليوم التالي ولم تذكر في أي صحيفة أخرى. وبعد فترة، من وصل الى السعودية هو الرئيس الأمريكي جو بايدن، جاء بشكل مفاجئ لفتح صفحة جديدة محمد بن سلمان بعدما توّعده بتقليص نفوذه في المنطقة. وعندما بدأ الإعلام الأمريكي بمهاجمته، قال أنا ذاهب من أجل التطبيع الاسرائيلي- السعودي، لفتح الأجواء السعودية. إلا أن السبب الحقيقي كان من أجل إقناع السعودية بالسيطرة على سعر النفط.
خرج بايدن من السعودية وأعلن أنه تناول قضية مقتل خاشقجي خلال لقائه مع محمد بن سلمان، وأن قضية خاشقجي “كانت على رأس جدول اللقاء، وأنه ليس نادما على تهديداته بجعل السعودية دولة منبوذة.
لم تكسب الإدارة الأمريكية شيئًا من هذا اللقاء، حيث سعت السعودية بعد الزيارة إلى تخفيض انتاج أوبك بلس إلى 2 مليون برميل، وبشهادة الأمريكيين، إن السعودية كانت خلف القرار واستطاعت إقناع الجميع بأهميته. وبعدها اكتمل فشل الزيارة بأنباء عن زيارة الرئيس الصيني، إذ عادت وول ستريت جورنال ونشرت مقالًا عن تحركات في القصر الملكي السعودي لترتيبات دعوة تشي جين بينغ.
لأسباب غير معروفة، بقي هذا التسريب هو المصدر الوحيد للمعلومة وبقي التكتم جاريًا على تاريخ الزيارة ومدتها وبرنامجها حتى الليلة التي سبقت وصول الرئيس الصيني، إذ نشرت وكالة رويترز موعد الزيارة من 7 إلى 9 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، يتخللها 3 قمم، قمة صينية سعودية، وقمة صينية خليجية، وقمة صينية عربية.
لحظة حساسة من العلاقات السعودية الأمريكية
حطت طائرة تشي في السعودية، بحفاوة استقبال لا تذكّر باستقبال بايدن، يتضمّن رسائل إلى الولايات المتحدة عن نهج جديد من المصالح وفقًا لحسابات استراتيجية لا تخضع للرغبات الأمريكية كما العادة. فعلى الرغم من مناشدات البيت الأبيض المتكررة لحليفتها المفضلة السعودية “لرفض الجزرة التجارية التي تقدمها الصين”، إلا أنه من المقرر توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين الرياض وبيكين، وخطة مواءمة بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية، و3 قمم سيحضرها 30 قائد من الدول والمنظمات الدولية، بالإضافة إلى إعلان إطلاق جائزة محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين، واتفاقات أخرى مرتقبة على هامش القمة السعودية الصينية. والأهم، اتفاقيات عسكرية وأمنية.
في السابق، استطاعت الولايات المتحدة تحديد نفوذ الصين في المنطقة العربية، ولطالما عطلت الإدارة الأمريكية اتفاقيات وحرمت دول المنطقة الخليجية والعربية من استثمارات الصين، بسبب تبعية هذه الدول لها، وعلى رأسها السعودية. وعلى الرغم من إظهار الإعلام السعودي أن هذه الخطوة جاءت في إطار عزم الرياض للتعامل مع عالم متعدد الأقطاب أيًا كانت رغبة حلفائه، إلا أنّ ما يبدو من هذه الزيارة، أنها خطوة سعودية لزيادة الشرخ بينها وبين الإدارة الأمريكية، خاصة بعدما دخل بايدن إلى البيت الأبيض ومنع بيع الأسلحة للسعودية، وأبدى رغبته في استكمال الاتفاق النووي الإيراني متجاهلًا رغبة السعودية بتعطيل الاتفاق.
اتفاقيات عسكرية وأمنية
على الرغم من تحفظات الولايات المتحدة، تتحدث تقارير إعلامية غربية عن قلق واشنطن من استخدام دول الخليج العربية لتكنولوجيا الجيل الخامس الصينية. بالإضافة إلى الاستثمارات الصينية في البنية التحتية الحساسة مثل الموانئ، إلا أن القلق والهاجس الأكبر يبقى من عقد اتفاقات لشراء أسلحة ومعدات عسكرية صينية بينها طائرات وصواريخ من أجيال متقدمة أو حتى بناء مفاعلات نووية بأراضي الخليج والعرب، إذ ثمة معلومات يتحدّث عنها الإعلام الخليجي عن توقيع الرياض وأبو ظبي اتفاقيات مع شركات أسلحة لشراء طائرات بدون طيار، وأنظمة صواريخ متقدمة بينها برنامج التمساح.

على ماذا ستحصل الصين؟
في إطار محافظتها على ازدياد مستويات النمو، تحتاج بيكين إلى عقد الاتفاقيات والشراكات الجديدة بشكل دائم وخاصة بعد الإجهاد الاقتصادي الذي تسببت به فايروس كورونا، وإلا ستواجه مشاكل ضخمة مع عدد سكانها الكبير. وباعتبارها أكبر منتج في العالم، فإنها تحتاج إلى المواد الخام بشكل كبير وعلى رأسها الطاقة الذي تحصل عليه من الدول الخليجية، فالسعودية هي أكبر مورد للصين وتوفر لها 18% من إجمالي واردات النفط الخام. كما أنها تحتاج مثلا إلى الرمل الأبيض لتصنيع أشباه الموصلات أو الرقائق الإلكترونية، وهو ما يمكن أن تحصل عليه من مصر، والفوسفات من المغرب، ومن ثمّ فإنها تحتاج إلى هذه الدول كأسواق لتصريف الإنتاج.
على ماذا ستحصل السعودية؟
بالإضافة إلى الصفقات التجارية الكبرى، يحرص المسؤولون في الرياض على تصوير وصول الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية على أنه تأييد تشي لمطالبة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقيادة الشرق الأوسط. والرواية التي يتم الترويج لها في الإنجازات الإعلامية هي أن بن سلمان فاز بالدور الرائد بوضع حد لاعتماد المنطقة الطويل على الولايات المتحدة، لكن الادعاء لا يصمد أمام التدقيق، خاصة إذا تغيّرت الإدارة الأمريكية الحالية التي تكنّ عداءً شخصيًا لمحمد بن سلمان. انتقدت صحيفة بلومبيرغ فكرة الطموح بقيادة المنطقة لمحمد بن سلمان، خاصة أن الحشد الذي قام به للقادة العرب ويعتبره إعلامه إنجازًا، هو أمر تفعله الرياض دائمًا، وأن بيكين تتمتع بعلاقات جيدة مع معظم دول المنطقة، وتتمتع بعلاقة ممتازة مع عدو السعودية الأول في الشرق الأوسط وهو إيران.
كما أن جهود السياسة الخارجية لبن سلمان أظهرت القليل من القيادة، إذ كانت معظمها ردود أفعال وفشل في الغالب مثل قيادة الحرب على اليمن ومحاولة غزو قطر لتقويض نفوذها، وقيادة عمليات التطبيع مع إسرائيل في العالم العربي.
التأثير الحقيقي
على الرغم من كل ما يدور حوله السعوديون من ابتكارات السياسة الخارجية لبن سلمان، إلا أن تأثيره الحقيقي يعتمد على القدرة على التحكم في الإمدادات العالمية من النفط، وهو نفسه ما فعله أسلافه ولا ميزة له فيه، كما أنه لا يمكن ممارسة هذا التأثير إلا بالتنسيق مع منتجي أوبك وروسيا.
وبعيدًا عن إثبات ادعاءات الرياض بالأهمية الإقليمية قبل أن تدخل الاستثمارات مع الصين حيز التنفيذ، هل سيؤدي طموح بن سلمان للتحدث نيابة عن مليار مسلم إلى إثارة قضية المسلمين الإيغوز وحملة بكين للقضاء على الإسلام في الصين؟ أم أنه سيتجنّب إزعاج الرئيس الصيني كما أزعجه بايدن في قضية خاشقجي، وانتهى الأمر بزيارة فاشلة؟
الكاتب: زينب عقيل