يحاول معسكر الحرب التركيبية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، من خلال هجماتهم المشتركة بكافة أنواع الوسائل عبر المزج بينها، سواءً عبر وسائل الإعلام المختلفة، والحرب النفسية، والمعرفية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والمعلوماتية، والأمنية، والإلكترونية، بهدف إحداث أكبر الأضرار لها. وهو ما استطاعت الجمهورية الإسلامية التصدي له (موقف دفاعي)، ومن الأرجح أن تنتقل لاحقاً الى مرحلة الهجوم وفق ما صرّح به مسؤولوها، وفي مقدمتهم قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي.
فكيف يمكن تبيين هذه الحرب من خلال الوقائع والمعطيات الميدانية في إيران؟
_ تجري هذه الحرب من خلال مستويين: بنيوي، وعملياتي.
_ في المستوى البنيوي:
1)كان السياق من خلال الحصار الذي تعرضت له إيران طوال 44 عاماً والذي اشتدّ في السنوات الأخيرة، الذي قابلته حكومة السيد إبراهيم رئيسي باستراتيجية الاستقلال بالقرار الاقتصادي، ولذلك يطمح أعداء إيران بتحفيز الاعتراض الداخلي على هذه الاستراتيجية. كما تهدف هذه الحرب في جانب منها إلى تصعيد الضغوط النفسية على جهات القرار بالنسبة للمفاوضات النووية، لكي تتراجع وتعدل من استراتيجيتها المتمسكة بالحقوق الإيرانية وبالشروط الضامنة. ومن الممكن أن تكون هذه الحرب قد شنت كردّ على ما زعم بأنه مساعدات إيران العسكرية لروسيا في عملية الأخيرة في أوكرانيا. الأمر الذي دفع الغرب لاستغلال الاختراق الثقافي الذي حققته منظماته المدنية لدى بعض الفئات، التي يتألف أغلبها من بقايا نظام الشاه والأحزاب الإرهابية المعادية للجمهورية الإسلامية والتيارات المعترضة.
2)وجه المعسكر الغربي جهوده، نحو الاتجاهات: الثقافية، العرقية، المذهبية، الاقتصادية، والأمنية. بحيث استفاد من التعددية الثقافية التي تتمتع بها البلاد، وجو الحرية والتسامح الذي يمارسه النظام، من أجل خلق الانقسامات والحساسيات، وإيجاد الفتن بين أصحاب كل ثقافة. كما عمل الغرب على إثارة الحساسيات العرقية التاريخية والمذهبية، نظراً لأن إيران تتمتع بمزيج عرقي ومذهبي فريد (فرس، عرب، بلوش، آذريون، سنة، شيعة، مسيحيين، بل وحتى يهود). أما اقتصادياً، فجرى استثمار الكارتيل التجاري المرتبط بهذا المعسكر، وربطه بلوبيات سياسية وإعلامية محلية وبوكلائه في المنطقة، كما جرى الاستفادة من الأزمات المعيشية الناتجة عن الحصار والمشكلات الداخلية. واعتمد في سبيل ذلك، على بنية تحتية أمنية استخبارية وإرهابية (سواء من عملاء أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية خاصةً التابعة للأحزاب الانفصالية ولمنظمة منافقي خلق)، أو من خلال المجموعات الإرهابية كداعش الوهابي الإرهابي، للقيام بعمليات موضعية تحفيزية أو استراتيجية.
3)تُستخدم في هذه الحرب، جميع أنواع المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويتم العمل عبر الأسلوب الشبكي. اما التواصل فيتم من خلال الوسائل التي تتجاوز الحظر الالكتروني، الذي قام به النظام بعد تصاعد أعمال الشغب وبدء نشاط الخلايا النائمة الإرهابية.
كما استُخدمت دول الجوار، خصوصاً إقليم كردستان العراق، للتدريب وكمنصات لوجستية للعمل الإعلامي والأمني والإرهابي والعسكري المعادي (عبر تهريب الأسلحة والمعدات والأشخاص).
وكشفت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الجمهورية الإسلامية، أن آلاف الكوادر التي شاركت في أعمال الشغب، قد جرى تدريبهم عبر وكلاء أمريكا، للعمل في إدارة التحركات الفوضوية والشغب، وهذا ما تبيّن من خلال عشرات مقاطع الفيديو التي نشرتها وأظهرتها القوات الأمنية الإيرانية.
_المستوى العملياتي:
1)جرى استخدام المحفزات التالية:
أولاً: وفاة الفتاة مهسا أميني، فجرى استغلال سبب وفاتها المرتبط بمسألة دينية، بالإضافة لكونها فتاة كردية، بحيث استُدرجت النساء من الفئات المختلفة المعترضة على الحجاب إلى الشارع. ثم جرى التصعيد، لتشمل كل ما هو ديني، بحيث جرى الترويج والتسويق للحالات التي جرى خلالها إهانة رجال الدين.
ثانياً: انتقل الصخب من مرحلة مواجهة الحالة الدينية، إلى رفض وجود النظام الإسلامي، والدعوة الى إقامة نظام علماني مدني.
ثالثاً: تنفيذ عمليات أمنية إرهابية، تهدف إلى تهيئة البيئة الداخلية، لحصول مواجهات أمنية صاخبة (من خلال الانتحاريين الإنغماسيين كما حصل في شيراز).
2)جرى تنسيق العمليات الهجومية، عبر استهداف كل نقاط قوة الجمهورية الإسلامية المعنوية من أمن عام وحياة اقتصادية وعلاقات خارجية. كما جرى استدراج الفئات المتفاوتة في موقفها من النظام، عبر الإضاءة على الخلفيات الثقافية والسياسية والاجتماعية المتنوعة التي يتأثر موقفهم من خلالها، ولذلك حرص هذا المعسكر على الربط بين هذه الفئات، ومنع حصول تصادم بينهم.
3)حاولوا التدرج في المراحل، من خلال فصل المستوى الاحتجاجي عن أعمال الشغب وكافة أشكال العصيان المدني، وصولاً الى العمليات الأمنية الإرهابية، إلا أنهم سرعان ما استخدموا الطابع الأخير، الذي يعتبر مقتل أي ثورة ملونة.
4)استفادوا من إظهار المساندة الخارجية لهم، من خلال الحملات الإلكترونية الخارجية التي استخدم فيها كافة الوسائل، وتنظيم وتحريك الجاليات الإيرانية المعارضة في الخارج وتوفير التغطيات الإعلامية الواسعة لها (قناة إيران إنترناشيونال قامت ببث مباشر للعديد من المظاهرات). كما تم حشد الضغوط الدولية من خلال مواقف الرؤساء والمنظمات الدولية، وآخرها ما حصل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بفرض إجراءات اقتصادية عدوانية (عقوبات جديدة)، استهدفوا من خلالها المؤسسات الحكومية والأشخاص، الذين زعموا بأنهم مسؤولين عن جرائم تُرتكب بحق المتظاهرين. فيما الواقع يظهر بأن الجرائم الحقيقية التي تم ارتكابها، هي بحق منتسبي أجهزة الشرطة والبسيج، الذي ارتقى عدداً كبيراً منهم، بسبب أعمال الشغب بحيث طٌعن وسٌحل بل أٌحرق بعضهم.
كما حاولت بعض الدول إطلاق تهديدات عسكرية، عبر قيامها بمناورات (تحليق طائرات B-52 الأمريكية برفقة طائرات خليجية وأخرى إسرائيلية)، وبعضهم قام بالتهديد بالتدخل العسكري علناً.
الكاتب: غرفة التحرير