بدأت السجالات الداخلية السياسية في كيان الاحتلال تطفو في الاعلام العبري على خلفية الحكومة الجديدة المرتقب تشكيلها على الرغم من أنه لم يتم التوصّل بعد الى ائتلاف نهائي بين المكونات الإسرائيلية المشاركة. الانتقادات بدأت مع ظهور نوايا ومخططات اليمين الديني المتطرّف الذي توسّعت مقاعده وصلاحياته في دوائر صنع القرار داخل الكيان. فما هي مخططات اليمين المتطرّف لإحكام القبضة على مفاصل المستويين السياسي والعسكري في الكيان الى جانب قطاعات مهمة؟
القضاء: تطويع السلطة القضائية لخدمة السلطة التشريعية
في حديث مع موقع “الخنادق”، أكّد الخبير في الشؤون الإسرائيلية والكاتب السياسي الفلسطيني حسن لافي، أن لدى اليمين المتطرّف الديني “خطة متكاملة لإلغاء فصل السلطات وسيادة السلطة القضائية، وهذه مصلحة مشتركة بين جميع مكونات اليمين، المستفيد الأكبر منها هو الرئيس المكلّف بنيامين نتنياهو الذي يواجه دعاوى قضائية”.
يسعى اليمين الديني، أولاً الى إلغاء قدرة “المحكمة العليا الإسرائيلية” على معارضة الكثير من التشريعات التي تخرج عن السياق العام للقوانين والأعراف الأساسية الحاكمة في “إسرائيل”، ما يجعل القرارات محصورة فقط بـ “الكنيست” الذي يسيطرون عليه.
ثانياً، لا يريد اليمين الديني التدخّل فقط في تعيين القضاة في “المحكمة العليا”، بل شدّد “لافي” أنه يريد أن يكون “الكنيست” هو من يعيّن القضاة في “المحكمة العليا” وعبر ليس لجنة خاصة تتم من خلال مجموعة من “المؤسسات” خارج “الكنيست”. في هذا السياق، أوضح موقع “والاه” العبري الى أن “مشروع القانون ينص على أن الحكومة ستكون هي من يختار المحامين في اللجنة وليس نقابة المحامين، وبهذا يكون للحكومة الأغلبية في تعيين القضاة دون تدخل أي جهة خارجية عن الحكومة”.
كذلك ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية أن “بن غفير وسموتريتش طالبا خلال المفاوضات الائتلافية بأن يكونا ضمن أعضاء لجنة تعيين القضاة، وهي عضوية تمنح أصحابها نفوذا كبيراً في جهاز القضاء”. وتتألف لجنة اختيار القضاة من تسعة أعضاء، بينهم رئيس “المحكمة العليا”، وقاضيين آخرين من المحكمة، ووزير القضاء، ووزير آخر تعينه الحكومة، وعضوين من “الكنيست” ينتخبهما “الكنيست”، وعادة ما يتم اختيار ممثل الائتلاف وممثل المعارضة واثنين من ممثلي نقابة المحامين من قبل ما يسمى “المجلس الوطني لنقابة المحامين”.
ثالثاً، يحاول اليمين الديني السيطرة على تعيين النائب العام وهو منصب يمثّل رأس النظام القانوني للسلطة التنفيذية والنيابة العامة لـ “الدولة”، يقدم النائب العام المشورة للحكومة في الأمور القانونية، ويمثل “سلطات الدولة” في المحاكم، كما يقدّم المشورة في إعداد المذكرات القانونية للحكومة بشكل عام ووزير العدل بشكل خاص.
رابعاً، بالإضافة الى ذلك كلّه يناقش اليمين الديني إمكانية إلغاء منصب المستشار القانوني للحكومة والصلاحيات التي أعطيت.
أشار “لافي”، الى أن تلك الخطوات تجعل “السلطة القضائية بيد السلطة التشريعية وبالتالي يكون نتنياهو وشركاؤه أكثر تحكماً وتجييراً للأمور وفق مصالحهم”، لافتاً الى هذا الأمر “لن تقبل به العديد من المكونات والفئات في الكيان به، لأن السلطة القضائية تقدّم ضمانات لبعض الفئات التي ليس لها حضور وازن على المستوى السياسي.. وعلى اعتبار أن المحكمة العليا تحظى باحترام داخل الاحتلال، فإن أحداً من المكونات الإسرائيلية لا يريد أن يتفرّد ويستفرد نتنياهو وشركاؤه لا في المنظومة السياسية ولا في المنظومة القضائية، وبالتالي فإن هذا الملف بالتحديد سيمثّل إشكالية كبيرة لحكومة نتنياهو تعرّضها لصدامات مع الفئات المهنية والأكاديمية لدى الاحتلال”. وفي هذا الإطار صرّحت نقابة محامي الاحتلال بأنها “لن تسمح للحكومة القادمة بتغيير نظام الحكم والقانون، إذا حدث هذا فإن الحل هو النزول للشارع والتظاهر ضدها”.
التعليم: تعميق التطرّف
يسعى اليمين الديني المتطرّف الى تطبيق مخطط من شأنه إلزام المدارس العلمانية للاحتلال بتعميق تدريس “التاريخ والتراث اليهودي”، وقد طالب ايتمار بن غفير، الشهر الماضي خلال جولات المفاوضات الائتلافية، بحقيبة التعليم الى جانب الأمن الداخلي في الحكومة المقبلة. فيما سيتولّى رئيس حزب “ناعوم” وعضو الكنيست الحاخام آفي ماعوز، وحدة البرامج الخارجية وتعزيز الشراكات في وزارة التعليم. وقد علّق رئيس بلدية “تل أبيب” رون خولدائي بالقول إن “الحاخام ماعوز نجح بإثارة غضب الكثير من الإسرائيليين، الذين عبروا عن رفضهم التدخل الحكومي بالتعليم وفق آراء الأرثوذكس المتطرفين عبر إدخال الجمعيات الدينية في مدارس الدولة، لأن ذلك يعني، تحول إسرائيل إلى دولة دينية ثيوقراطية غير ديمقراطية”.
فيما اعتبر رئيس حكومة الاحتلال السابق يائير لابيد أن “الحكومة الجديدة تخلت عن تعليم أطفالنا، وسلمتهم للعناصر الأكثر تطرفاً وظلامية وعنصرية، وأنا أحث على عدم التعاون مع وحدة البرامج والشراكات في وزارة التعليم طالما أنها تحت سيطرة ماعوز”. كذلك طالب وزير الرعاية الاجتماعية مائير كوهين “هذه ليست قصة شخصية ضدهم، لكن عندما يتحدثون بأن محتويات وزارة التعليم ستتغير، فإن دورنا كمعارضة أن نحتج ونحذر ونقاتل، ومن واجبنا أن ننزل للشوارع”.
الجيش يتحوّل الى عصابات حزبية
شرح الخبير في الشؤون الإسرائيلي “لافي” أن العامود الفقري للمشروع الصهيوني، هو الجيش، لأنه مشروع مبني على القوة، والقوة يجب أن تكون محتكرة بيد الجيش الإسرائيلي، لكن عندما تظهر جهات تمتلك القوة والسلاح خارج إطار الجيش مثل العصابات والميليشيات التي يريد تشكيلها بن غفير “الحرس الوطني وإضافة حرس الحدود العامل في الضفة الغربية لصلاحيته، لا يعود الجيش هو الوحيد الذي يمتلك القوة العسكرية في الكيان، وبالتالي هذه القوة العسكرية الجديدة لديها مرجعية سياسية حزبية، وهذا الأمر هو خلاف نظرية دافيد بن غوريون (أحد أبرز مؤسسي كيان الاحتلال وأول رئيس وزراء له) التي “نصّت” أن يكون الجيش الاسرائيلي هو جيش الشعب، وهذه نقطة خطيرة تهز صورة وتركيبة الجيش، وتعزّز التفكك والصدام الداخلي”.
حول هذا الأمر، علّق وزير الجيش ورئيس الأركان السابق موشيه يعلون أن “جزء من قوات الشرطة الإسرائيلية سيبقى خاضعا لوزير الأمن الداخلي (بن غفير)، وكيف يمكن لشخص لم يخدم في الجيش الإسرائيلي أن يوافق على عمل عسكري ما وهذا مقلق”، مضيفاً “”إنّ النظام الأمني في إسرائيل لن يكون مستقرا في ظل الحكومة الناشئة واتفاقيات الائتلاف”. فيما نقلت صحيفة “هآرتس” العبرية أن رئيس أركان الجيش المكلّف هيرتسي هاليفي “سيعارض نقل شرطة الضفة الغربية الى وزارة الأمن الداخلي”.
وأوضح “لافي” أن هذه الخطوات تعرّض جيش الاحتلال للكثير من الإشكاليات ومزيد من التهديدات مع المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، اذ في ظلّ عدم التماسك ووحدة القرار، فإن “جيش الاحتلال لن يكون الوحيد المتحكّم بالإيقاع، قد يتفاجأ في لحظة من اللحظات، وهو غير مهيّأ للذهاب نحو حرب، أن تفرض عليه الحرب وبالتالي سيكون غير جاهز. هذه العوامل تؤدي الى تفكك أو بدأ تفكك الجيش الإسرائيلي ويكسر النظرية الإسرائيلية التي تدعي أن “الجيش فوق السياسة”، الآن الجيش دخل في السياسة وسحبت منه الصلاحيات وهو غير قادر على التحكّم بزمام الأمور العسكرية والأمنية، بالإضافة الى الكثير من النقاشات الحادّة التي ستحدث في “الكابينيت” ما بين المستوى العسكري وبين المستوى السياسي الذي يمثّله نتنياهو وشركاؤه على كثير من القضايا التي لها علاقة بالأمن القومي الإسرائيلي”.
ولفت “لافي” أيضاً الى مسألة سحب اليمين الديني المتطرّف من رئيس أركان الجيش صلاحيات تعيين قادة الجيش والمناصب فيه، كمنصب منسق عام المناطق والإدارة المدنية التي يتولّها ضباط في جيش الاحتلال، وبالتالي هذا الامر سيؤثر على تماسك الجيش”. وفي هذا الصدد انتقد لابيد قائلاً إن “نتنياهو باع الجيش للحريديم”، لا يمكن لأي حزب سياسي تعيين وزيراً ليس لديه خبرة عسكرية في شؤون الجيش الإسرائيلي، وهذا يعتبر تسييس خطير للجيش”.
سياسياً: التطرّف يهدّد صنع القرار في “الكابينيت”
أشار “لافي” الى أن الأمر الخطير هو أن هذه الشخصيات الدينية المتطرّفة ستكون من أعضاء الكابينيت الذي يتخذ القرارات الحساسة والحاسمة في إسرائيل”. و”الكابينت” هو مجلس وزاري مُصغر ينعقد للمناقشة شؤون محددة، تمّ الاتفاق على تشكيله من عشرة أعضاء، خمسة عن كل حزب. ومن صلاحيات هذا المجلس معالجة الشؤون الأمنية، كما بإمكانه مناقشة ومعالجة كل قضية يطرحها رئيس الحكومة أو القائم بأعماله.
وتابع “لافي” أن السجالات ستحدث في القرارات المتعلّقة بالشأن الإسرائيلي – الإسرائيلي، وأن هذه الحكومة ستواجه العديد من الضغوطات عليها وتتعرّض للرفض وهذا قد بدا فعلاً، اذ ترفض العديد من القطاعات توجهات والخطوط العامة لهذه الحكومة التي يسيطر عليها اليمين الديني المتطرّف”.
إسرائيل: صدام داخلي وأزمة هوية!
أمام هذا المشهد وهذه السجالات في العديد من القطاعات والمستويات، يرى “لافي” أن “الأمور في الكيان تسير نحو الصدام الداخلي الإسرائيلي – الإسرائيلي وخاصة إذا تم المساس بالشؤون الداخلية مثل القضاء والتعليم، فيطهي ملفات يمكن أن تكون شرارة انفجارات داخلية في مجتمع الاحتلال، المشكّل بالأساس من الفسيفساء وفيه الكثير من الشروخ وأهمها الشرخ العلماني – الديني”.
وأضاف “يدور اليوم حقيقيةً صراع على هوية هذا الكيان، هل هي هوية يهودية بالمفهوم القومي العلماني أم يهودية بالمفهوم الديني التوراتي، وبالنظر الى أن أكثر من 70% من الإسرائيليين هم علمانيين واليهودية بالنسبة لهم قومية، فإنهم لن يقبلوا بسلطة “الدين” والأيام المقبلة قد تحمل احتجاجات وقد تولّد عنف ما بين مجموعة نتنياهو وما بين الفئات الأخرى التي ترفض هيمنة المتطرفين على مفاصل الحكم في مستويات الكيان”.
إنّ “سيطرة اليمين الديني المتطرّف يعني أن يتحوّل الكيان الى دولة حاخامات، على اعتبار أن المرجعية الأساسية للأحزاب اليمينية الدينية هم الحاخامات، وهذا ما لا تريده الشريحة الأكبر داخل الكيان حتى لو حصل اليمين على 64 مقعداً في “الكنيست”، اذ إن سيطرة “الدين” هو خلاف “الأُسس” الأولى للكيان الإسرائيلي التي وضعها المؤسسين الأوائل للكيان وللفكرة الصهيونية الذين لم يريدوا أن يصبح هذا المشروع عبارة عن فكرة دينية. في هذا الإطار هاجم رئيس بلدية “تل أبيب” رون خولدائي في لقاء مع القناة العبرية 12، التحالف الحكومي الناشئ “لأنه يعمل على تحويل إسرائيل إلى دولة شريعة، وقال “سأفعل كل ما بوسعي لإبقاء تل أبيب حرة، بعيدة عن أحكام دينية”.
الكاتب : مروة ناصر