انتقلت فرنسا سريعاً من الدعم السياسي لأوكرانيا ضد روسيا الى الدعم العسكري واللوجستي لتغذية الحرب في الميدان، فبعد أقل من 3 أشهر من بدأ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعلن قصر “الإليزيه” ( في أيار / مايو 2022) أن باريس أرسلت خلال الفترة الماضية “مساعدات عسكرية الى كييف بقيمة 100 مليون يورو” أي ما يعادل 111 مليون دولار تقريباً.
استمر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بهذا الدعم الكبير لأوكرنيا، وقد بحث مع الرئيس الأمريكي جو بايدن تقديم مساعدات مالية إلى أوكرانيا بقيمة 18 مليار يورو طوال عام 2023، في حين خرجت منتصف شهر تشرين الأول / اكتوبر الماضي مظاهرات في الشوارع الفرنسية نادت بخروج باريس من “ورطة الحرب الأوكرانية” ووقف “المساعادت الهائلة” لكييف لمصلحة “إنقاذ الفرنسيين من مسلسل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي”،وشملت الاضرابات في ذلك الشهر عمال مصافي النفط والمواقع النووية المنتجة للكهرباء.
انضم أيضاً قطاع السكك الحديدية الى مشهد الاضرابات، بما فيه “شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية” (SNCF) التي تضم 148 ألف موظف الذين خاضوا ثلاث جولات من المفاوضات مع الحكومة الفرنسية دون التوصّل الى نتائج.
تحدثت صحيفة “لو موند” الفرنسية عن مفاوضات عقدت على شكل “مفاوضات إلزامية سنوية” أو التزام NAO، وخلالها عرض مديرو الشركة – بالتنسيق مع السلطات الفرنسية – على عمال السكك الحديدية زيادة بنسبة 5.9 % في الأجور لعام 2023، من خلال زيادة المكافآت المالية لساعات العمل في الليل وأيام الأحد والعطلات الرسمية، بالاضافة الى دفع 75% من إجمالي تكاليف النقل بدلاً من 50% في الوضع الحالي ، يقدر مديرو السكك الحديدية أن زيادة الراتب ستصل إلى 6% (2% زيادة الراتب + المكافآت).
فيما لم تقرأ النقابات هذا الاقتراح إيجاباً، ودعت الى الاستمرار بالاضراب للمطالبة بتقييم وزيادات “تتناسب على الأقل مع حجم التضخّم في البلد” الذي ارتفع في شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي الى 6.2%، بحسب ما أشارت اليه الصحيفة.
كذلك اعتبر الأمين العام لاتحاد العمال العام (CGT) فيليب مارتينيز، أن هذه المقترحات “غير كافية إلى حد كبير”، اذ يطالب عمّال هذا القطاع بزيادة قدرها 600 يورو في صافي الراتب السنوي بالإضافة إلى ما سبق من مكافآت. وأعلن ” مارتينيز” أنه أنه في حالة عدم تلبية المطالب، سيصدر بيان إضراب للموظفين في يوم عيد الميلاد.
أمّا السكريتير الفيدرالي لـ ” اتحاد مديري وفنيي السكك الحديدية” (CGT-Cheminot) سيدريك روبرت، فقد رأى أنه بدون إعلان واضح عن زيادة الرواتب العامة ، “ستعقد الإدارة الفرنسية الأوضاع الاجتماعية”، كما أعلن أن الاضرابات القادمة ستشمل رفضاً للتعديلات الجديدة في النظام التقاعدي، اذ يسعى ماكرون لرفع سن التقاعد الحالي من 62 عاماً الى 65 عاماً وإلغاء العديد من الامتيازات.
ونظراً لعدم التوصل إلى نتيجة حاسمة في المفاوضات مع الحكومة الفرنسية والشركة الرسمية، سيشهد قطاع السكك الحديدية في فرنسا إضراباً في 15 و 19 كانون الاول / ديسمبر وقد تستستمر هذه الاضرابات أيضاً بالاضافة الى يوم عيد الميلاد، الى أعياد رأس السنة الجديدة، ما يعطّل حياة الفرنسيين في أكثر فترة حساسة ومهمة لهم في السنة! وتناول الاعلام الفرنسي هذه الاضرابات مسلطاً الضوء على أن أن الحكومة لا تبذل أي جهد لتحسين الظروف المعيشية للعمال والمواطنين وتؤجج الفوضى والأزمة الاقتصادية، ويجب التشكيك في عدم كفاءة الحكومة في إدارة الأوضاع المستجدة.
وقد شهد العام الحالي، تحركات مطلبية عديدة لاتحاد وهيئات عمّال النقل نادت برفع الأجور وتحسين شروط العمل، كان أهمها في 6 يوليو / تموز و 29 سبتمبر / أيلول و 18 أكتوبر / تشرين الأول. وقد صُرفت الزيادة الأولى على الرواتب عقب إضراب تموز / يوليو. لكنّ ، الرئيس التنفيذي لـ “شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية”، جان بيير فاراندو، حذّر من هذه الزيادات معتبراً أنه “إذا زادت الأجور كثيرًا، فإن أسعار التذاكر سترتفع أيضًا في نهاية المطاف”.
هذه الاضربات قد تنسحب أيضاً الى مطلع العام 2023 القادم ولن تقتصر على قطاع السكك الحديدية، اذ حذّرت النقابات العمالية والطلابية الرئيسية في فرنسا من إعلان “التعبئة” والتظاهر ضد خطط الرئيس ماكرون الجديدة منذ اعادة انتخابه في نيسان / ابريل الماضي، وهدّدت أنّ “الحكومة ستتحمّل المسؤولية الكاملة عن صراع اجتماعي كبير”.
الكاتب: غرفة التحرير