تأخذ العلاقات بين “إسرائيل” واليهود الاميركيين داخل الكيان، مساراً تصادمياً منذ سنوات. إلا ان الحكومة الاسرائيلية التي ستبصر النور قريباً، والتي ستأخذ طابعاً يمينيّاً متطرّفاً، ستجعل من الأمر أكثر صعوبة، وتضع الكيان هذه المرة في دائرة الارتباك، خاصة مع العنصرية التي يتعرض لها الاميركيين الليبراليين، بشكل مستمر. وقد كان لافتاً عنوان مقال الصحفي الأميركي، اريك الترمان، المنشور في صحيفة هآرتس العبرية: “اليهود الأميركيون يتساءلون: هل حان الوقت لإعلان الاستقلال عن إسرائيل؟”.
أخيراً، أعربت المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، التي تعتبر تقليدياً حجر الأساس لدعم إسرائيل، عن قلقها بشأن الطابع اليميني المتطرف للحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو. وبالنظر إلى وجهات النظر السياسية الليبرالية التي يهيمن عليها اليهود الأمريكيون وانجذابهم للحزب الديمقراطي، يمكن أن يكون لهذه الهواجس تأثير مضاعف في واشنطن والتي من شأنها ان تزيد من اتساع الانقسام الحزبي حول الدعم الاميركي لإسرائيل.
ويقول الترمان، أنه “بالنسبة لليهود الأمريكيين الليبراليين، تعتبر حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة مصدر قلق وعزلة. وهذا يجب أن يؤدي إلى إعادة النظر بشكل أساسي في العلاقات مع إسرائيل التي تتعامل معها باستمرار بازدراء”.
جذور عديدة للأزمة القادمة في العلاقات بين إسرائيل واليهود الأمريكيين. وبينما ينسبها معظم المحللين المتابعين إلى حاجة نتنياهو الماسّة “لتلبية مطالب شركائه المتطرفين لتجنب الملاحقة القضائية على جرائم ارتُكبت خلال فترة توليه رئاسة الوزراء”. يتوقع آخرون، ان سلوك المستوطنين -القاعدة الجماهيرية التي أوصلت المتطرفين إلى مراكز القرار في الانتخابات الأخيرة- العنصري الذي لم تستطع السلطة السياسية في الكيان ضبطه، يلعب دوراً هاماً في التأثير على رؤية اليهود الأميركيين في الداخل. ويقول رئيس J Street، وهي جماعة ليبرالية مؤيدة لإسرائيل في واشنطن، جيريمي بن عامي، ان “هذا مفترق طرق مهم للغاية…هذه هي اللحظات التي تبدأ فيها العلاقة بين الجزء الأكبر من اليهود الأمريكيين وإسرائيل بالتوتر حقًا، لذلك أنا خائف جداً”.
لجهة الإدارة الأميركية، يبدو ان الدور المتوقع ان يلعبه الثلاثي المتطرف (بن غفير وسموتريتش وأرييه درعي)، أثار قلق الكونغرس. اذ ان التصريحات الصادرة هذا الثلاثي، والتي “شوّهت سمعة مجتمع المثليين، وهاجمت النظام القانوني الإسرائيلي وشيطنت التيارات الليبرالية وغير الأرثوذكسية لليهودية الشعبية في الولايات المتحدة”، تعتبر تجاوزاً للخطوط الحمراء لدى اليهود الاميركيين داخل الكيان، ومن خلفهم المَجمع الليبرالي في واشنطن.
وبالنظر إلى حقيقة أن معظم اليهود الأمريكيين لا يزالون ملتزمين بمبادئهم الليبرالية -وهي حقيقة غالباً ما تتجاهلها المنظمات المتعددة التي تدّعي أنها تمثلهم سياسيًا- فإن هذه التغييرات ستؤدي بالتأكيد إلى معاناة عميقة وعزلة من جانب ملايين الأشخاص الذين لديهم هويات شخصية لطالما تم تحديدها من خلال التوتر بين الليبرالية والصهيونية.
وبحسب صحيفة هآرتس، فإن هذا الواقع “يجب أن يُلهم إلى إعادة النظر بشكل أساسي في شروط العلاقة التاريخية بين المجتمعين اللذين يشكلان ما يقرب من 80%من العالم اليهودي…الحقيقة المؤلمة لليهود الأميركيين هي أنهم بينما كانوا يميلون إلى عبادة اليهود الإسرائيليين، فإن “أبناء عمومتهم”، تاريخياً، أعادوا هذا الشعور بمزيج من التسلية والازدراء”.
كيف ينظر اليهود الإسرائيليون إلى اليهود الاميركيين؟
منتصف شهر نيسان/ أبريل الماضي، أجرى موقع “أوريان 21” الفرنسي، حواراً مع مدير المجلة اليهودية التقدمية “تيارات يهودية”، بيتر بينارت، حول تطور آراء الأميركيين والجالية اليهودية في الولايات المتحدة تجاه إسرائيل. وخلص استطلاع الرأي حينها، ان ربع اليهود الأميركيين يعتبرون إسرائيل “دولة فصل عنصري”. ويضيف بينارت، “لذلك لم يعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جزءاً من القضايا الرئيسية في الولايات المتحدة، ولكنه كلّما وقع نزاع مسلح بين إسرائيل وحماس تكون هناك تعبئة لصالح إسرائيل، إلا أن الظاهرة اللافتة للنظر هي أن انتقاد إسرائيل أصبح الآن أكثر وضوحاً).
يصف أحد المؤثرين الأوائل في الصهيونية العمالية، المفكر أ.د.جوردون، الحياة اليهودية في الشتات بأنها “تطفّل شعب عديم الفائدة أساسًا”. فيما يصفها، مؤسس الصهيونية التحريفية، زئيف جابوتنسكي، بـ “القبيحين والمريضين”.
يستمر الإسرائيليون باحتقار الطقوس الدينية لليهود الاميركيين. في عام 2017، وصف الحاخام الإسرائيلي السابق من السفارديم، شلومو عمار، يهود الإصلاح (وهي أكبر طائفة دينية لليهود الأمريكيين) بأنهم “أسوأ من ناكري الهولوكوست”. جاء ذلك في أعقاب تعليق من قبل نائب وزير التعليم الإسرائيلي آنذاك مئير بوروش (عام 2016) بأن اليهود الإصلاحيين الذين يصلون عند حائط المبكى “يجب إرسالهم إلى الكلاب”.
في شباط/ فبراير عام 2017، وخلال مؤتمر صحفي مشترك بين نتنياهو والرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب، سئل الأخير، عما إذا كانت إدارته “تتلاعب برهاب الأجانب وربما النغمات العنصرية”. تدخل حينها نتنياهو لينقذ الموقف، أنه “لا يوجد مؤيد للشعب اليهودي والدولة اليهودية أكبر من ترامب”. لكن ما صرّح به ترامب قبل ذلك بأسابيع قليلة- في اليوم الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست- فشل بطريقة ما في ذكر حقيقة أن أيٍّ من الضحايا كانوا يهودًا، وهذا ما يعتبره اليهود تكتيكاً مفضلاً لإنكار الهولوكوست.
يخلص الترمان إلى القول: عندما سُئل عن إغفال ترامب الواضح، لم يستطع الرجل الذي تصور نفسه ممثلاً لجميع يهود العالم إلا أن يردد: “هذا الرجل صديق عظيم للشعب اليهودي ودولة إسرائيل”. ولذلك فإن مخاوف اليهود الأمريكيين بشأنه كانت “في غير محلها”.
مع مجيء حكومة لا تهتم بأي شيء بمخاوفهم وتبدو مستعدة لإخبار الكثيرين منهم بأنهم غير مؤهلين قانوناً فيما يتعلق بقانون العودة، فإن اليهود الأمريكيين على وشك معرفة فهمهم لرأي الإسرائيليين عنهم. هو أيضاً “في غير محله”.