بجدول أعمال إقليمي ودولي انعقدت قمة بغداد 2، وسط صخب إعلامي سابق على اللقاء السعودي الإيراني على هامش القمة، وأمام الكاميرات وخلف الكواليس بدا وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، هو الرجل الأول في هذه القمة. كما بدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ممثلًا للغرب، في حين بدا وزير الخارجية في الاتحاد الأوروبي موفد أوروبا الغارقة في شتاءٍ مظلم، لمناقشة القضية النووية الإيرانية مع وزير خارجية ثالث أكبر دولة منتجة للغاز في العالم.
إذًا، قضايا العراق وأمنه واقتصاده، وفتح الجسور والتلاقي والمبادرات لتعزيز البلاد، كان الخطاب المعلن، إلا أن ما كان خلف الكواليس من لقاءات مع الوفد الإيراني، هو ما ميّز هذه القمة، خاصة أنه بحسب الأولويات والاحداثيات في هذه المنطقة الملتهبة، فإن الملف العراقي هو قضية باردة في ظلّ الاستقرار السياسي الذي تنعم به البلاد بعد التسوية على الرئيس محمد شياع السوداني.
ملف المحادثات الإيرانية السعودية
العلاقات الإيرانية السعودية كانت الحاضر الأكبر في اللقاء، لاستكمال سلسلة لقاءات حصلت سابقًا بوساطة عراقية أيضًا، أدّت إلى خطوة أولى هي الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حسب مصادر مطلعة للخنادق، تمثّلت في ترميم السفارتين في البلدين تمهيدًا لإعادتها إلى الحراك الديبلوماسي. إلا أن عدم استقرار الوضع في العراق قبل تشكيل الحكومة العراقية، والمعلومات الاستخبارية التي أثبتت تورّط السعودية في تأجيج الاحتجاجات في إيران، وتحويلها إلى احتجاجات مسلحة في سيستان وبلوشستان، أدّت إلى استنفار إيراني تمثّل بتوجيه منصات صواريخ نحو السعودية حسب مصدر مطلع للخنادق، إلا أن وساطة قطرية تدخّلت لإنقاذ المونديال، فاستجاب الإيراني للطلب.
كانت لافتة أيضًا أن جهود التقارب بين البلدين عادت سريعًا، بعد فشل فرصة إسقاط النظام الإيراني من خلال الاحتجاجات. خاصة أن السعودية بعد زيارة الرئيس الصيني، تحاول تكريس نفسها لاعبًا إقليميًا تحتاج معه إلى التفاوض مع إيران بشأن العديد من الملفات في المنطقة، على رأسها الملف اليمني، الذي لم يكن لتحصل فيه الهدنة لولا جولات التفاوض الأربعة السابقة. كما أنّ ما يبدو من سياسة بن سلمان الخارجية، هو محاولته تحقيق توازن في علاقاته مع الصين وروسيا والولايات المتحدة، يحتاج معها إلى تنظيم الاشتباك مع إيران.
كانت الأجواء في المفاوضات السابقة إيجابية ومرنة، إلا أنها كانت تقام بين وفدين أمنيين من كلا البلدين يمثلان الأمن القومي الإيراني والسعودي، وكان ثمة طلب سعودي أن يتم فتح جميع الملفات في المنطقة، فوافق الإيراني بشرط أن تكون الحوارات المقبلة بعد فتح السفارات وعودة الديبلوماسية بشكل رسمي بين البلدين. وألا يتمّ الحوار عبر مبعوثين أمنيين بل عبر دبلوماسيين رسميين وألا تكون سريّة. وهو الأمر الذي أكّد عليه عبد اللهيان في لقاءاته في هذه القمة.
انفتاح غربي على شماعة الملفات العراقية
حضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في القمة مباشرة بعد زيارة خاطفة للولايات المتحدة، وبعد زيارة وفد من الطاقة النووية الدولية إلى طهران، لا يبدو صدفة. وهو الأمر الذي طرح سؤال عما إذا كانت القضية النووية الإيرانية هي سبب الحماسة الغربية في هذه القمة. وقد تلت هذه القمة مباشرةً أو بالتوازي مجموعة تصريحات وتسريبات للصحافة الغربية عن إشارات إيجابية بشأن الاتفاق النووي.
إلى ذلك، يتم تفسير قدوم الرئيس الفرنسي مباشرة من الولايات المتحدة إلى القمة، وبحضور ممثل الخارجية في الاتحاد الأوروبي، على أنه تمثيل غربي وضوء أخضر لأي محادثات جانبية ستحصل مع إيران. فبعدما كان الغرب يريد إبعاد العراق عن إيران، هو اليوم يلتقي بإيران على هامش قمة عراقية، وعلى أراضي دولة علاقتها لطالما وُصفت بالسيئة مع إيران وهي الأردن. بالإضافة إلى حضور وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود لاستكمال الجولات السابقة من الحوار.
حماسة ماكرون لا تنتهي بالطبع عند القضية النووية الإيرانية، ولطالما راودت الغرب فكرة استيراد الغاز من إيران ثالث منتج للغاز في العالم. إثر التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية عام 2015، انطلقت مفاوضات بين طهران والأوروبيين، وحققت تقدماً ملحوظا.
ما يجري في الكواليس هو الأهم
في العلاقات الدولية، لطالما كان ما يجري في الكواليس هو الأهم. ثمة اعتراف سياسي بالدور الإقليمي لإيران خاصة بعدما استطاعت السيطرة بشكل واسع على الهجوم العالمي الإعلامي والاستخباري عليها. وفي نفس الوقت استكمال تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، والأهم، بعد بيع المسيرات لروسيا، والحديث عن شراكة دفاعية بين روسيا وإيران تتضمن صفقات صواريخ على قائمتها الـ S300 والـ S400.
الكاتب: غرفة التحرير