ماثيو ليفيت هو باحث في معهد واشنطن ومدير برنامج لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، ومُنشئ خريطته التفاعلية حول نشاطات “حزب الله” في جميع أنحاء العالم. من عام 2005 إلى أوائل عام 2007، شغل منصب نائب مساعد وزير الاستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة الأمريكية، وبهذه الصفة، عمل كمسؤول كبير في فرع الإرهاب والاستخبارات المالية بالوزارة ونائب رئيس مكتب الاستخبارات والتحليل، وهو واحد من ستة عشر وكالة استخبارات أمريكية منسّقة تحت إشراف مكتب مدير المخابرات الوطنية. خلال فترة عمله في وزارة الخزانة، لعب “ليفيت” دورًا مركزيًا في الجهود المبذولة في الحرب الحالية على الدول الاستقلالية والحركات التحررية. أمّا في 2008-2009، شغل منصب مستشار وزارة الخارجية لمكافحة “الإرهاب” للمبعوث الخاص للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط (SEMERS)، الجنرال “جيمس إل جونز”.
كتب “ليفيت” على نطاق واسع حول “الإرهاب”، ومكافحة “التطرف العنيف”، والتمويل غير المشروع والعقوبات، والشرق الأوسط، ومفاوضات “السلام” العربية الإسرائيلية، مع ظهور مقالات في المجلات المحكمة، والمجلات السياسية، والصحافة، بما في ذلك صحيفة وول ستريت جورنال، واشنطن بوست، فورين أفيرز، فورين بوليسي، والعديد من المنشورات. كما أنّه ضيف متكرر على وسائل الإعلام الأمريكيّة والدوليّة، ومؤلف العديد من الكتب والدراسات، بما في ذلك “حماس: السياسة والإحسان والإرهاب في خدمة الجهاد (مطبعة جامعة ييل، 2006)”، “التفاوض تحت النار: الحفاظ على محادثات السلام في مواجهة الهجمات الإرهابية (Rowman & Littlefield ، 2008)”، و “حزب الله: البصمة العالمية لحزب الله اللبناني (مطبعة جامعة جورج تاون، 2013)”.
“ليفت” يهودي أميركي تلقّى تعليمه الثانوي في مدرسة “موسى بن ميمون” اليهودية الأرثوذكسية بولاية ماساتشوستس، ثم انتقل إلى جامعة “يشيفا” اليهودية في مدينة نيويورك، حيث حصل منها على شهادة بكالوريوس في العلوم السياسية، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه من كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة “تافتس”. شارك في الكثير من جلسات الاستماع في الكونغرس الأميركي التي عُقِدَت للتحريض على حزب الله، إذ دُعِي للشهادة أمام لجان الكونغرس الأميركي نحو تسع مرات بين عامي 2005 و2018، يُعتبر ماثيو ليفيت من أكثر الأميركيين تحريضًا وتتبّعًا لشؤون حزب الله.
تضم هذه الورقة قراءة في فكر “ماثيو ليفيت” حول كيفيّة احتواء حزب الله، انطلاقًا من رصد ومعاينة تسعة أوراق بحثيّة تنوعت بين مقالات ودراسات ومقابلات صحفيّة ومشاركات في جلسات الاستماع في الكونغرس، تضم آراء وتحليلات واتهامات خلال فترة زمنيّة بين بداية عام 2018 حتى بداية الحديث عن الاتفاق بشأن الحدود البحرية 2022، ونشرت في وسائل الاعلام ومراكز الأبحاث الأجنبيّة والعربيّة خاصة الأمريكية والاسرائيليّة. هذه القراءة تعكس مسار تشويه ماثيو ليفيت المشهور بإدعاءاته الكاذبة، حول دور حزب الله في تجارة المخدرات انطلاقاً من أمريكا اللاتينية، واستخدام “حزب الله” العنف في الداخل والخارج، وانتشاره العالمي، ودوره المتكامل والمستمر في حرب الظل الإيرانية مع إسرائيل والغرب، حسب قوله، وكيفيّة تصويب المسار نحو تصنيفه إرهابي بكل وحداته لتضييق نشاطه حد إنهاء وجوده.
أسّس “ماثيو ليفيت” عام 2007 برنامج “الاستخبارات ومكافحة الإرهاب”، بعد أعوام على تقاعده من العمل في مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI. يُعتبر البرنامج من أهم البرامج البحثيّة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الّذي قامت “لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية AIPAC” بتأسيسه عام 1985، وقد ساهم في ذلك كلّ من مارتن إنديك والرئيس السابق لمنظمة “آيباك” ستيف روزن. ومن ضمن نشاط هذا البرنامج تندرج جهود التحريض على حركات المقاومة ومصادر تمويلها ولا سيما حزب الله. وفق بيانات خدمة الإيرادات الداخلية الأميركية، تفاوت حجم تمويل البرنامج بين عامي 2006 و2017، فقد بلغ نحو 858,000 دولار عام 2007، وبلغ الذروة عام 2016 بنحو 1,392,000 دولار. يتكتّم معهد واشنطن على مصادر تمويله، لكنّ أبرزها مرتبط بشكل مباشر بمنظمة “آيباك”، فبعض البيانات تشير إلى أنّ المعهد يتلقّى تمويلًا سخيًّا من المؤسسات المملوكة لعائلات يهودية معروفة الارتباط بالمنظّمة.
تعاون “ليفيت” مؤلف كتاب “البصمة العالميّة لحزب الله اللبناني”، مع باحثين آخرين لإنشاء خريطة تفاعليّة لكل ما يعرفه الخبراء عن مشروع “حزب الله” الإجرامي، حسب اعتبارهم، من الشبكات الماليّة واللوجستية إلى الخلايا الإرهابية. وما توضحه خريطة ليفيت التفاعليّة هو أن “حزب الله” لا يخطط بنشاط ويسبب العنف في منطقة واحدة من العالم فحسب، بل قد تعاني مناطق أخرى في نهاية المطاف بسبب تراخي بعض الدول الأجنبيّة مع الحزب، نتيجة التمييز بين “الجناح العسكري” لـ”حزب الله” و “الجناح السياسي”، كما تفعل بعض الدول، لأنّها تصف فقط “جهاز الأمن الخارجي” التابع لـ”حزب الله” بأنّه كيان إرهابي. إذ يصنفه “ليفيت” منظّمة متعددة الأوجه: حزب سياسي قويّ في لبنان، وحركة دينية واجتماعية للإسلام الشيعي، وأكبر ميليشيا في لبنان، وحليف وثيق لإيران، ومنظمة إرهابيّة.
تعقب ليفيت تطوّر “حزب الله” على مرّ السنين وعملياته في أنحاء العالم من لبنان إلى الكويت، عبر أوروبا وآسيا، ثم إلى نصف الكرة الغربي من بوينس آيرس إلى نيويورك (حسب معلوماته)، وخلال وصفه للتطورات يتحدث “ليفيت” مع مسؤولين عن تنفيذ القانون وعناصر مخابرات ومسؤولين حكوميين وخبراء رفيعي المستوى من أنحاء العالم، يدّعي بأنهم واجهوا “حزب الله” شخصيًا وكشفوا أمورًا كان الحزب يفضّل كثيرًا ألّا يسمع عنها أحد. يعتبر ليفيت أن الحزب لا يتوانَ عن المجاهرة علانيةً بأنشطته الاجتماعية والسياسية، لكنّه يبذل جهدًا كبيرًا لإخفاء مساعيه السّريّة الإرهابيّة والقتاليّة والإجراميّة. وهو نفسه يحتمل أن “حزب الله” لم يتم ربطه علنًا بأيّ عمليات ضبط مخدرات أو أنشطة إجراميّة أخرى بين عصابات الجريمة المنظمة في الشرق الأوسط؛ لأن تورط الحزب غير جوهريّ من الناحيّة القانونيّة!
مشكلة “ليفيت” مع نموذج تصنيف “حزب الله” العالمي، الاستناد على فرضيّة بأنّ الحزب لديه جناحات عسكريّة وإرهابيّة وسياسيّة، منفصلة عن بعضها، إذ يعتبر أنّ هذا التمييز بين الأجنحة أمر سياسي لا يقوض الحزب عن القيام بتنفيذ عمليات خارجيّة، وأنّ المسؤولين الأوروبين يخشون من أنّ تصنيف “حزب الله” منظمة إرهابية بشكل واضح وصريح قد يدفع به إلى الاعتداء على المصالح الأوروبيّة أو إلى استهداف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان. وهو يرى أنّ هذا الأمر مرفوض في الأصل لدى قادة الحزب بالاستناد على أنّ الأمين العام هو رئيس “مجلس الشورى” وكذلك رئيس “مجلس الجهاد”، وبالتالي ربطه أنّ القيادة واحدة ما يعني أن الإدارة واحدة بين الأجنحة كافة. لذا يحذر من أنّ حظر جزء فقط من “حزب الله” لم يؤتِ ثماره، فقد تحدى الحزب المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وواصل ممارسة الأنشطة الإرهابية والإجرامية رغم حظر أجزاء من جماعته.
لذلك يؤكد “ليفيت” بأنّه لا ينبغي أن يكون مفاجئًا تقييم مجتمع الاستخبارات الأمريكي “حزب الله”، أنّه تنظيم متعدّد الأوجه ومنضبط يجمع بين العناصر السياسية والاجتماعية وشبه العسكرية والإرهابية، وأن قراراته باللجوء إلى استخدام الأسلحة أو التكتيكات الإرهابية هي خطوات مدروسة بعناية. وهو يستشهد بما خلصت الاستخبارات الهولندية إليه، بتأكيدها أن هناك مجلس تنسيقي واحد يسيطر على الجناحين السياسي والارهابي لـ”حزب الله”. وهو يضيف بأنّ على الرغم من مسؤوليات “وحدة العلاقات الخارجيّة” العمليّة في الحزب التي ازدادت بشكل كبير على مدى السنوات العديدة الماضية، إلّا أنّها لا تقدم تقاريرها لمجلس الجهاد التابع ل “حزب الله”، كما يفعل الجناح الإرهابي، بل إلى “المجلس السياسي”، ما يدعم وجهة نظره (برأيه)، تقويض أسطورة الأجنحة الإرهابية والسياسية المميزة داخل الحزب، مدعمًا أكاذيبه بقرار الحكومة الأمريكية المدّعي بأنّ “وحدة العلاقات الخارجية” تقوم بعمليات إرهابيّة سرية في جميع أنحاء العالم نيابةً عن “حزب الله”، بما في ذلك تجنيد عناصر إرهابية وجمع المعلومات الاستخباراتية.
وفي ذكرى مرور 40 عامًا على تأسيس “حزب الله”، يقيّم “ليفيت” تأثير “حزب الله” داخل لبنان وخارجه بعد عقود من المناورات السّياسيّة والعمليات العسكريّة والأنشطة الإجراميّة -حسب زعمه-، بالثبات الوحيد في علاقته مع “إيران”، كونها سارعت في نموه ليصبح حركة مسلحة أكبر حجمًا وأكثر قوة. إذ يزعم ” ليفيت” بأنّ الحزب نتيجة الضغط والحصار على إيران، اضطر إلى تنويع مصادر دخله لسدّ الفجوة، من خلال غسيل الأموال وغيرها من النشاطات الإجراميّة وقد شملت تلك الأنشطة تهريب المخدرات، حيث تشكل الخدمات اللوجستية والنقل بشكل عام الجزء الأكبر من عمله في الخارج. وعليه، فهو يدّعي بأن “حزب الله” يحاول بشكل مستمر إيجاد طرق لاستعادة صورته كمقاومة مع انتهاء جزء كبير من مهتمه في سوريا، عبر دفع إسرائيل لوضعها في حالة تأهب وتلميع صورته كمنافس للدولة اليهودية، ولكن دون إثارة رد عسكري إسرائيلي واسع النطاق داخل لبنان.
يرى “ليفيت” أنّ الانهيار السياسي والاقتصادي الحالي في لبنان يساهم في أن تكون الشهيّة لدى معظم اللبنانيين منعدمة لأيّ نوع من الأعمال العدائيّة المتجددة، والّتي من شأنها أن تجعل الوضع أسوأ مما هو عليه الآن. فلبنان في حالة كارثية لدرجة أنّه يتفهم الحاجة إلى صفقة حدودية بحريّة عند بدء تشغيل منصة ضخ الغاز من حقل غاز كاريش، إلاّ أن “حزب الله” حسب اعتقاده مستعد لتعريض المواطنين اللبنانيين للخطر وجر “إسرائيل” إلى الحرب لمجرد استخدامهم ككبش فداء، والتي قد تؤدي بالبلاد إلى الدمار الشامل، وفي غضون ذلك، يعاني الشعب اللبناني من عواقب الفساد الهائل للنخبة في صفوف “حزب الله”والتنظيمات الطائفيّة الأخرى التابعة لمختلف الأطراف السياسيّة.
يتخوّف “ليفيت” من تهديدات المقاومة للكيان المؤقت، خاصة بعد شبه انتهاء الحرب السّورية الأخيرة، وعودة تمركز قوة “حزب الله” في لبنان، إذ يتصور بأنّه على استعداد للوم إسرائيل على الوضع الاقتصادي الناتج عن الوضع السياسي، واستفزاز إسرائيل للإنتقام. وما هيّ برأيه إلاّ رغبة في محاربة إسرائيل ليثبت الحزب لشعبه ولإسرائيل وللجميع أنّهم ما زالو هنا ولا ينبغي اللعب معهم، أو تحميلهم ما آلت إليه الأمور في البلد، ومواصلة إخفاء الأنشطة الإرهابية والإجرامية العالمية التي يقوم بها الحزب عن اللبنانيين! حتى وصل به الافتراء بخلق ما يسمى “قاعدة ذهبية” لدى “حزب الله”، وهي: “كلما قلّت معرفتك، كان ذلك أفضل”.
وما هذا إلاّ قليلٌ من كثير التشويهات والتضليلات التي يقوم بها “ليفيت” ليدّعي في كل فرصة تسمح له أنّ “حزب الله” منظمة إرهابية لا بد من القضاء على كل أشكال وجودها. ومن الواضح انعكاس مبدأ وزارة الخزانة على فكر “ليفيت”، القائم على منطلق أنّ الحروب تكلفتها المادية والبشرية عاليّة، لذا تقوم باستخدام “أدوات الارغام” التي تذبح من خلال العقوبات والانقلابات والحصار الاقتصادي، وهذا يظهر جليًّا في الوضع الحالي اللبناني.
الكاتب: مريم أخضر