سلكت الدول سكّة النمو الاقتصادي بعد فترة ركود فرضتها الاجراءات العالمية نتيجة انتشار وباء “كوفيد – 19″، فيما تعزّزت الأزمة من جديد بعد أن أوقد الغرب نار الحرب في أوكرانيا مع فرض عقوبات على روسيا، كان المتضرر الأوّل منها هو الغرب نفسه! لكن المملكة المتحدة هوت عميقاً في العديد من الأزمات منذ قرار “البريكست” الى أن تفاقمت الأزمات أخيراً.
أين وصلت أزمات لندن؟
“الاقتصاد البريطاني في حالة ركود”، هذا ما اعترف به وردده وزير الخزانة جيريمي هانت في شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، داعياً الجميع في البلاد الى “تقديم التضحيات” لمواجهة التضخم الذي تجاوز نسبة الـ 11% وهي الأعلى منذ 41 عاماً!
ذلك الى جانب انكماش بنسبة 0.3% وهي نسبة أعلى مما توقعها الخبراء البريطانيون، ورفع بنك انجلترا الفائدة بنسبة 0.5% لتصل النسبة التراكمية للفائدة المرتفعة الى 3.5% منتصف الشهر الحالي، مع توجهات نحو مزيد من الارتفاع في العام 2023.
كما أعلن “هانت” للبريطانيين أن “الأمر سيكون صعباً خلال العامين المقبلين”، فلا تعتمد الحكومة البريطانية الا سياسة زيادة الضرائب على الرغم من تدني الأجور وانخفاض قدرتها الشرائية أمام غلاء الأسعار، اذ تقفز أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بوتيرة هي الأسرع منذ العام 1977، حسب ما أشار مكتب الإحصاء الوطني البريطاني منتصف الشهر الماضي. وذكرت صحيفة “لو موند” الفرنسية (12/11/2022) أن إنفاق الأسر البريطانية انخفض بنسبة 0.5% في الأشهر الثلاث الأخيرة من هذا العام، وخاصة الانفاق على الملابس والأثاث المنزلية.
يعاني البريطانيون أيضاً من عدم القدرة على تسديد فواتير الطاقة التي تضاعفت خلال أشهر العام 2022، ففي شهادة مغترب لبناني في لندن ( ر. م)، قال لموقع “الخنادق” إن “فاتورة الطاقة الشهرية التي كانت قيمتها ما بين 50 و60 دولار أمريكي وصلت اليوم الى حوالي الـ 650 دولار شهرياً”! مما يعاني زيادة بـ 10 أضعاف تضطر المواطنين والسكّان الى الاقتراض أو اللجوء الى سياسة التقسيط لتسديدها، لكن ذلك ليس حلاً جذرياً لمعاناة البرطانيين بل إنها اجراءات تراكم المعاناة على المدى الطويل.
فيما ستحدد شركة الطاقة البريطانية (Ofgem) سقفاً جديداً لأسعار الطاقة في الشهر الاوّلأ من السنة القادمة (كانون الثاني / يناير)، مشيرةً الى أن فواتير الأسر سترتفع بحسب مكان إقامتهم. وتوقعت الشركة أن يصل متوسط ارتفاع فواتير الطاقة في بريطانيا إلى 3000 باوند أي حوالي 3600 دولار أمريكي في شهر نيسان/إبريل من العام 2023.
أعلى نسبة ديون منذ العام 1993!
أمام أزمة التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للأسر التي خفّضت 60% منها انفاقها على إحياء المناسبات في فترة الأعياد (الميلاد ورأس السنة الميلادية) حسب ما ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، تلجأ الحكومة الى الاقتراض من أجل تغطية مساعداتها لهذه الأسر. فقد ارتفع حجم الاقتراض الى 22 مليار جنيه استرليني (حوالي 26 مليار دولار أمريكي)، بزيادة 14 ملياراً عن العام الماضي، وفق أرقام المكتب الوطني للإحصاءات. وصرّح المكتب أن هذا هو “أعلى مستوى اقتراض” وصلت اليه لندن الشهر الماضي منذ العام 1993!
بريطانيا تحت ضغط الاضرابات
احتجاجاً على الوضع الاقتصادي الصعب التي وصلت اليه البلاد وطلباً لرفع الأجور لتتناسب مع الغلاء المعيشي، شلّت اضرابات القطاعات الحيوية الحركة والحياة في بريطانيا، اذ شهد القطاع الصحي أكبر إضراب منتصف الشهر الحالي. وقالت الأمينة العامة لكلية التمريض الملكية بات كولين، إنها لا تريد “لهذا الخلاف أن يطول لكن رئيس الوزراء لم يترك لنا خياراً آخر”. والخطير، هو انخراط فرق الإسعاف وسائقي سيارات الاسعاف في الاضرابات، مما اضطر الحكومة البريطانية الى تعبئة 1200 عسكري لتغطية هذا النقص. وهدّد القطاع الصحي بمزيد من الاضرابات في العام المقبل.
قطاع النقل ولا سيما السكك الحديدية لم يكن أفضل حالاً من القطاع الصحي، اذ يستمر بالاضرابات منذ صيف هذا العام. وانضم أيضاً قطاع البريدي الذي رفض زيادة 2% فقط على الأجور معتبراً أنها لا تتناسب مع حجم الغلاء الحالي.
وشملت موجة الاضرابات التي تعصف بالمملكة المتحدة الأساتذة الجامعيين في أكثر من 150 جامعة وموظفي الخدمات العامة والتجارية بما فيهم حرس الحدود العاملين في مطارات برمنغهام، كارديف، جاتويك، هيثرو، مانشستر، بالإضافة إلى ميناء نيوهافن.
ستبقى بريطانيا في المرحلة المقبلة تحت وطأة هذا الوضع الاقتصادي المتأزّم وانعكاساته. ورأى أحد الاقتصاديين البريطانيين أن “المملكة المتحدة ستكون آخر من ينسحب من الركود” مقارنةً بغيرها من الدول. كذلك عنونت صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية مقالاً لها منتصف الشهر الماضي “مستقبل قاتم لاقتصاد بريطانيا”.
الكاتب: غرفة التحرير