تعاني سوريا منذ أشهر، أزمة حادّة في توفر النفط ومشتقاته، تصاعدت حدّتها منذ أسابيع، وبسبب هذه الأزمة بات كثير من مرافق البلاد معطلاً، بدءاً من انقطاع التيار الكهربائي لحوالي 22 ساعة يومياً، نظراً لفقدان الفيول من جهة، بالإضافة الى عدم توفر الوقود للمولدات الكهربائية الخاصة، ما تسبب بتعطيل عجلتي التعليم والصناعة، وفي حصول عجز كبير في قطاع المواصلات بشقيّه العام والخاص.
هذه الأزمة، أجمع الخبراء والسكان على إنها إحدى أسوأ الأزمات التي تتعرض لها سوريا، منذ اندلاع الحرب الكونية عليها عام 2011.
فما هي أبرز العوامل التي تسببت بهذه الأزمة؟
_ منذ بدء الحرب، خرجت منظومة الإنتاج الطاقوي المحلية بغالبيتها، عن سيطرة الحكومة السورية، وخاصةً في منطقة شرق الفرات، التي أصبحت خاضعة للتنظيمات الإرهابية ومن بعدها التنظيمات الانفصالية وجيش الاحتلال الأمريكي. وهذا ما أدّى الى انخفاض كبير، في كمية الإنتاج المحلي للنفط ومشتقاته.
فما قبل الحرب، كانت سوريا تنتج كل شهر حوالي 386 ألف برميل، لينخفض ما بعد اندلاعها، الى ما بين 20 و25 ألف برميل شهرياً، وهو ما لا يتساوى مع الحاجة المحلية شهرياً المقدّرة بحوالي 100 ألف برميل، ولذلك استعانت الدولة السورية بإيران لاستيراد ما تحتاجه منها.
_ الحصار والحظر الأمريكي الذي تعاني منه البلاد منذ العام 2011، والذي تصاعدت حدّته بقوة بعد إقرار الإدارة الأمريكية لما يسمى بـ”قانون قيصر”، الذي زاد الخناق على السوريين وعلى دولتهم.
ولا يقتصر الدور الأمريكي في أزمة الوقود على هذا فقط، فهو يسرق النفط السوري أيضاً، من خلال سيطرتها المباشرة (عبر قواتها المتواجدة في منطقة شرق الفرات التي تتخذ الآبار والمنشآت النفطية قواعد لها)، وتقوم بنقل النفط المسروق الى إقليم كردستان العراق. وقدّرت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية أن القوات الأمريكية تسحب 66 ألف برميل نفط يوميا، أي ما يزيد عن 83 في المائة من إنتاج البلاد من النفط.
وكشف مدير معهد الدراسات الشرقية بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية “تشو ويلي”، أن النفط يُنقل إلى العراق حيث يُباع لشركات النفط هناك بسعر أقل، وتُستخدم الأموال في دعم قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وغيرها من المجموعات المسلحة المدعومة من أمريكا. وهذا ما عبّر عنه وزير النفط بسام طعمة في تصريحه تعليقاً على العملية الإرهابية ضد العاملين في حقل التيم بشركة الفرات: “الشعب السوري يعاني من أزمة نفطية، والاحتلال الأمريكي عبر أدواته ومجموعاته الإرهابية يريد قطع الجزء النفطي المتوفر الذي يقوم بتوفير الحد الأدنى من احتياجات الشعب السوري، ولذلك قاموا بهذا الاعتداء السافر على سيارات تبديل ورديات العاملين في حقل التيم بشركة الفرات”.
بنود الاتفاق السوري الإيراني
لطالما كانت الجمهورية الإسلامية تساعد سوريا، في حل أزماتها على هذا الصعيد، وذلك منذ عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، عندما كانت توّرد للحكومة السورية النفط، بعد توقف صدام حسين عن ذلك.
وبعد اندلاع الحرب، اتفقت الدولتان على توريد النفط وفق آلية “الخط الائتماني”. فكان أول خط ائتماني كان بقيمة مليار دولار عام 2013، والثاني في العام 2014 بقيمة 3 مليارات دولار، والثالث في العام 2015 بقيمة مليار دولار، جميعها مقابل اتفاقات لتوريد النفط وبعض السلع أو تنفيذ مشاريع وتمويل عجز الموازنة ليس بنمط السداد، وبفوائد قليلة وميسّرة. وفي أيار / مايو الماضي، وقع الرئيس السوري بشار الأسد على خط ائتماني جديد لم يكشف رسمياً عن قيمته. كما تم الاتفاق على زيادة كمية النفط التي التزمت الجمهورية الإسلامية سابقاً بتأمينها من 2 مليون الى 3 مليون برميل نفط شهرياً، على أن تسدد دمشق قيمة هذه الشحنات النفطية في أوقات لاحقة.
وبالمقابل تتولى دمشق تأمين السفن الناقلة للنفط من الموانئ الإيرانية (بندر عباس) باتجاه ميناء (بانياس) السوري، على أن تكون حماية هذه الناقلات بعهدة إيران، بالتعاون والتنسيق مع كافة أطراف محور المقاومة.
وهذا ما تبيّنت القدرة الكبيرة على تأمينه خلال السنوات الماضية، وتظهّر بشكل واضح خلال مبادرة حزب الله منذ عام لاستيراد المازوت الإيراني الى لبنان.
وعلى هذا الصعيد، من المهم التذكير بأن الكيان المؤقت حاول كثيراً خلال السنوات الماضية، عبر ما عرف بالحرب البحرية في المنطقة، استهداف السفن الناقلة للنفط الإيراني الى سوريا، لكن إيران استطاعت توجيه ضربات عسكرية قاسية للكيان، أجبرته على الخضوع لمعادلة ردع تمنعه من تنفيذ الاعتداءات لاحقاً. لذلك سعى جيش الاحتلال الى استهداف المسار البري مؤخراً، لكنه ووجه أيضاً بردود مناسبة عليها.
فما الذي حصل مؤخراً وأدى الى حصول الأزمة؟
أفادت مصادر مطلعة للخنادق أن سوريا واجهت مؤخراً مصاعب في قدرتها على الاستمرار في تأمين استئجار بواخر الشحن، فطلبت من الحكومة الإيرانية تولي موضوع نقل النفط وشحنه من إيران الى سوريا كخدمة إضافية على ما تقوم به الجمهورية الإسلامية، بل طلبت من طهران زيادة حصتها من النفط.
بناء على هذا الطلب من دمشق وأمام هذه الازمة، تدخلت القيادة الإيرانية المتمثلة بالوزارات المعنية لا سيما وزارة النفط الإيرانية و قائد قوة القدس في الحرس الثوري العميد إسماعيل قاآني، وبدأت بتسهيل عملية تنفيذ الطلبات السورية الجديدة، وتعاونت بشكل كبير وأبدت استعدادها لحل هذه الأزمة، حيث تم زيادة حصة سوريا من النفط عبر تأمينها من مصادر متعددة في ايران، كما وفرت الجمهورية الاسلامية البواخر اللازمة لشحن النفط الى سوريا، وبالفعل وصلت اولى هذه السفن قبل يومين الى ميناء بانياس، ما سيؤدي الى انفراجات ملموسة قريباً تساهم بحل ازمة الوقود الخانقة.
الكاتب: غرفة التحرير