خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، برز الصدع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بشكل لافت، رغم العلاقات التاريخية بينهما، بعيد السياسات الحادة سياسياً واقتصادياً التي اتخذها اتجاه الدول الأوروبية، من الانسحاب بداية من اتفاق باريس للمناخ، ثم مطالبة الدول الأوروبية برفع حصتها في دعم حلف للناتو، إضافة لفرض رسوم جمركية على الصلب والفولاذ الأوروبي، ثم الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أضر أيضاً بالشركات الاوروبية العاملة في إيران. إلا ان العلاقات التي تنفّست أخيراً، مع وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، كانت تتخذ المنحى نفسه، ولو بشكل مغاير أقل حديّة مما كانت عليه سابقاً، اذ ان ما جرى خلال العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كشفت مرة أخرى، عن حجم تبعية الدول الأوروبية، وحاجة الأخيرة للقيادة الأميركية في مختلف الظروف.
ويقول الصحفي، درو هينشو، (مُعدّ تقرير عن جهود الإنقاذ لإطلاق سراح 276 تلميذة مراهقة تم اختطافهم من قبل بوكو حرام، والذي حصل على لقب أفضل كتاب غير روائي عن الشؤون الدولية لعام 2021 من نادي الصحافة في الخارج)، في تقرير مشترك مع الصحفي دانيال مايكلز، (رئيس مكتب وول ستريت جورنال في بروكسل)، انه مع دخول الحرب في أوكرانيا عام 2023، لم تكن أوروبا متحدة أبداً ضد روسيا وفلاديمير بوتين.
الأوربيون في مأزق مع واشنطن
ولكن على الرغم من الإجماع الواسع من البرتغال إلى بولندا، فإن الحلفاء الأوروبيين جميعًا يجدون أنفسهم في مأزق مع واشنطن، ويتفاعلون مع المسار الذي حددته إدارة بايدن، التي بعثت مؤخرًا برسائل متضاربة عبر المحيط الأطلسي حول ما إذا كان الوقت قد حان لدفع كييف إلى المفاوضات.
من المتوقع أن يوقّع بايدن على مشروع قانون للإنفاق في الأيام المقبلة يتضمن ما يقرب من 45 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا وحلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي، مما يؤكد مرة أخرى على الدور المهيمن للولايات المتحدة في توفير الأسلحة والتمويل لدعم كييف وكبح جماحها.
ويقول مايكلز، أنه على الرغم من أن قادة الاتحاد الأوروبي تعهدوا مؤخرًا بمليارات اليورو أكثر لإبقاء كييف واقفة على قدميها، إلا أنهم تركوا يقرأون إشارات من واشنطن حول الأسئلة الاستراتيجية المركزية للأشهر المقبلة: “ما مقدار القوة النارية التي يجب أن تتلقاها أوكرانيا في سعيها لاستعادة الأراضي المحتلة من قوات الغزو الروسية؟ ما هو حجم الأسلحة الغربية التي قد تخاطر بتصعيد غير منضبط للحرب؟ وما نوع التسويات التي يجب أن تفكر فيها أوكرانيا إذا لم تستطع طرد القوات الروسية من أراضيها بالكامل؟”.
وقالت روزا بلفور، مديرة مؤسسة كارنيجي أوروبا، وهي مؤسسة فكرية في بروكسل: “كانت الجهود الحربية برمتها أوركسترا معقدة، لكنها أجريت من واشنطن… لقد أكد الصراع أن الأمن الأوروبي داخل الناتو، لا بديل عنه”.
الوفاق الأوروبي ليس أبدياً
تُعد العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا أحدث صدمة في أوروبا في السنوات الـ 15 الماضية، من الأزمة المالية العالمية إلى تحديات الهجرة الجماعية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووباء كوفيد -19. غالبًا ما كانت دول الاتحاد الأوروبي منقسمة بشدة خلال الأزمات السابقة، مما دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل عن استقرار الكتلة لا سيما في ذروة اضطراب ديون منطقة اليورو في أواخر عام 2010.
لقد نجا الالتزام السياسي القوي لمعظم الدول الأوروبية بالحفاظ شيء من التماسك خلال تلك الفترة، على الرغم من عمليات صنع القرار المرهقة في الاتحاد الأوروبي. تغلّبت الكتلة على استجابة فوضوية في البداية لـ Covid وأطلقت استجابة اقتصادية جماعية طموحة لمساعدة الأعضاء المتضررين بشدة.
أسفرت الحرب في أوكرانيا عن انخفاض الموارد العسكرية الأوروبية إلى أدنى مستوياتها بعد ثلاثة عقود من التخفيضات منذ نهاية الحرب الباردة. وجعلت مخزونات الدول الأوروبية المحدودة نسبيًا من الأسلحة والذخيرة أوكرانيا تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة للحصول على المساعدة العسكرية، وهي حقيقة انعكست في اختيار السيد زيلينسكي لواشنطن في أول رحلة خارجية له منذ بدء العملية في أوكرانيا، على حد تعبير هينشو ومايكلز.
تعطلت مليارات اليورو من المساعدات المالية الموعودة من الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا معظم هذا العام بسبب اتخاذ “القرار البيزنطي” في الكتلة والنزاع بين ألمانيا والمدير التنفيذي للاتحاد الأوروبي حول كيفية دفع ثمنها، مما جعل كييف تعتمد على واشنطن في دعم ميزانيتها المدنية.
زيلينسكي، الذي يأمل في استعادة حدود أوكرانيا المعترف بها دوليًا بالكامل، يجب أن يقلق قبل كل شيء بشأن استمرارية الدعم الأمريكي. لا يزال العديد من المسؤولين الأمريكيين، مثل نظرائهم الفرنسيين والألمان، متشككين في قدرة أوكرانيا على طرد الجيش الروسي بالكامل، دون مستوى الدعم العسكري لحلف شمال الأطلسي الذي من شأنه أن يزيد من خطر اندلاع حرب مباشرة مع روسيا. رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، شجع كييف على التفكير في المفاوضات، مما أثار غضب المسؤولين الأوكرانيين الذين يعتقدون أن بإمكانهم استعادة المزيد من الأرض. كما أشار زعيم الأقلية في مجلس النواب، كيفن مكارثي، إلى شكوك متزايدة بين الجمهوريين بشأن الإنفاق العسكري على أوكرانيا.
في الوقت نفسه، قال الرئيس بايدن نفسه إن بوتين لا يُظهر اهتمامًا حقيقيًا بمحادثات السلام، مما يهدئ من المسؤولين في كل من أوكرانيا والحلفاء المتاخمين لروسيا. ووافق بايدن على إرسال أسلحة متطورة بشكل متزايد إلى أوكرانيا، بما في ذلك عرض هذا الشهر لنظام الدفاع الصاروخي باتريوت.
يشعر حلفاء أوروبا الشرقية والشمالية بالقلق من أن تحذير إدارة بايدن بشأن تسليح كييف بشكل حاسم من أجل النصر، جنبًا إلى جنب مع مخزونات الأسلحة المحدودة في أوروبا، يمكن أن يحكم على أوكرانيا والقارة بخوض صراع دموي طويل.
قال وزير الخارجية التشيكي، يان ليبافسكي، إن هدف الحلفاء الغربيين يجب أن يكون “الاستعادة الكاملة لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها”، فضلاً عن مقاضاة جرائم الحرب الروسية وكبح قدرة موسكو على تهديد جيرانها…أي نتيجة أخرى ستكون خطيرة بالنسبة لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي”. فيما اعتبر أرتيس بابريكس، وزير دفاع لاتفيا حتى هذا الشهر: “علينا التوقف عن لعب هذه اللعبة الفاترة… وزيادة المساعدة لأوكرانيا حتى تتمكن من كسب الحرب… المساعدة المحدودة تزيد الألم ببساطة”.