مرّ عام 2022 ثقيلاً على فرنسا. تكاليف الطاقة في ذروتها. ارتفاع متزايد في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، يرافقه انخفاض كبير في القوة الشرائية للأسر. التضخم يصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 1985. احتجاجات شعبية وأزمات سياسية وصعود مستمر لليمين المتطرف. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، لا حلّ فعال ومباشر لكل الأزمات تلك، في الوقت القريب.
وتقول المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في برنامج “Face the Nation” على قناة CBS الأمريكية، ان “العام الجديد سيكون أصعب من العام الذي نتركه وراءنا… لأن الاقتصادات الثلاثة الرئيسية: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، كلها تتباطأ في وقت واحد. ووفقاً لتقدير خبراء، لن ينته الفرنسيون من ارتفاع الأسعار الذي أتعبهم بالفعل وسيستمر ارتفاع أسعار النفط والغاز وارتفاع أسعار المواد الغذائية في تأجيج التضخم للعام الذي على وشك أن يبدأ”.
ويشير الخبير الفرنسي، فرانسوا إيكال، ان “العالم يعاني منذ 3 سنوات من صدمات متتالية ذات طبيعة استثنائية. وللتعامل معها، لم تدخر غالبية الدول في البلدان المتقدمة أي نفقات في مساعدة الأسر والشركات، على حساب ترك نفقاتها تضيع. وفي فرنسا، قفز عجز الميزانية في عام 2020 إلى 8.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 3.9٪ في العام السابق، وتجاوز الدين العام المعلم الرمزي البالغ 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي. تتوقع الحكومة هذا العام عجزاً بنسبة 5٪ ودين بنسبة 111.2٪.
بالنسبة للبنك المركزي الفرنسي، فقد عبر عن توقعاته لعام 2023 التي أعلن عنها في 17 كانون الأول/ ديسمبر، ان التضخم سيقف عند 7.3 ٪ في نهاية عام 2022 وسيستقر عند نفس المستوى طوال النصف الأول من عام 2023، ليعود إلى متوسط 6 ٪ خلال بقية العام. ومع ذلك، نتوقع انخفاضاً إلى 4٪ بنهاية العام نفسه، قبل العودة إلى مزيد من التضخم نهاية عامي 2024 و2025. فيما كان التوقع ان تبلغ نسبة انخفاض القوة الشرائية حوالي 0.4%، وهو معدل مستمر في الانخفاض… “سوف تزداد الأجور، ولكن بسرعة أقل من التضخم. وبالتالي ستفقد الأسر قوتها الشرائية. هناك مساعدات لكنها لا تعوض الانخفاض في القوة الشرائية”.
كان القطاع الخاص الفرنسي أول المتأثرين بالأزمة. ووفقاً لمؤشر PMI Flash الذي نشرته شركة S&P Global فقد انكمش النشاط في القطاع الخاص أكثر من المتوقع في كانون الأول/ ديسمبر ووصل إلى أدنى مستوى له منذ شباط/ فبراير 2021. ويشير الاقتصادي في S&P Global، جو هايز، ان “فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، تزيد من مخاطر الركود في المنطقة”. وبحسب مؤشر HICP الذي يستخدمه يوروستات لإجراء مقارنات أوروبية، فإن تشديد الدرع الجمركي اعتبارًا من كانون الثاني/ يناير الجاري قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم إلى 6٪ وأصبح تضخم الغذاء القوة الدافعة وراء الارتفاع العام في الأسعار.
النظام الصحي في انهيار
كما كان للقطاع الصحي نصيب من الأزمات، ووصل الشلل إلى المرافق الصحية. أخيراً، جددت منظمة “أطباء من أجل الغد” إضرابها لمدة أسبوع بدأ من اليوم، وتدعو خلاله إلى مضاعفة سعر الاستشارة إلى 50 يورو. وطالبت الأطباء بإغلاق عياداتهم حتى تنفيذ المطالب. ويجمع حوالي 15000 طبيب ليبرالي، بحسب الناطق الرسمي باسمه، الطبيبة النفسية نويل كاريكليت، الدعوات الجماعية على وجه الخصوص لمضاعفة سعر الاستشارة، من أجل تثبيتها بـ 50 يورو، مقابل 25 حاليًا. مارس حوالي 57000 من 80000 ممارس عام و43000 طبيب متخصص من 126000 طبيبًا متخصصًا في العيادة الخاصة في فرنسا في عام 2022. وتشير الدعوات المرفوعة من قبل هؤلاء الأطباء، إلى انه “نظرًا لقلة الاستجابة، قررنا تجديد الإضراب. في مواجهة ازدراء الحكومة، ليس لدينا خيار آخر. نحن متحمسون للغاية. قلقون بشأن مستقبل الطب “. ويؤكد الدكتور كاريكلت، “نحن نشهد تدهور النظام الصحي، واحد من كل طبيبين يعاني من الإرهاق … في حين أنه من الممكن تحسين الأمور بفضل مقترحاتنا”.
الكاتب: غرفة التحرير