نظام الحكم في الكيان المؤقت برلماني، ولا يوجد دستور رسمي مكتوب، لتجنب الخلاف بين بعضهم البعض حول هوية الكيان، علمانية أو دينية الدولة، وكذلك لتجنب تحديد حدود هذا الكيان، فهم لا يريدون ذلك نظراً لأطماعهم التوسعية.
تتمركز السلطات التنفيذية في يد رئيس الوزراء، أما رئيس الدولة، فهو منصب رمزي لا يملك سوى صلاحيات شكلية، وهناك مجلس تشريعي واحد (البرلمان) منتخب يطلقون عليه اسم الكنيست، الذي يمتلك صلاحيات تشريعية واسعة بجوار سلطات رقابية قوية على أداء الحكومة، عدد أعضاء البرلمان منذ إنشائه حتى اليوم 120 عضواً.
أما السلطة القضائية، فهي تتمتع بالاستقلال التام بموجب نص القانون الخاص بها، وتتمتع بالاحترام العام، لأنها تمثل الاجماع السياسي، وبعيدة عن الصراعات الحزبية، وتشكل محكمة العدل العليا قمة السلطة القضائية، ويعين قضاتها لمدى الحياة، وتضم تسعة قضاة، ومقرها القدس المحتلة.
ينص القانون الأساسي للحكومة، الذي سنّه الكنيست في عام 1968، على أن الحكومة الإسرائيلية في السلطة التنفيذية للدولة، وتقوم بمهامها بعد حصولها على ثقة الكنيست، وهي مسؤولة أمامه مسؤولية جماعية، وتتألف من رئيس حكومة ووزراء آخرين.
الجدير بالذكر بأنه لا يوجد في القانون الأساسي للحكومة إشارة إلى عملية صُنع القرارات التي تخص الأمن القومي، ولكن هناك بند يتطرق بصورة غير مباشرة إلى هذا الموضوع، حيث ينص على أن صلاحية الحكومة العمل بمساعدة لجان وزارية دائمة أو مؤقتة، وقد ارتبطت قرارات الأمن القومي الإسرائيلي بالأمور العسكرية المحاطة بطبيعتها بالسرية الشديدة، والمغروسة عميقاً في قيم المجتمع الإسرائيلي وثقافته، والمُحصنة بعقوبات قانونية ضد كل من يخالفها.
أهم مؤسسات صنع واتخاذ قرارات الأمن القومي الإسرائيلي
تتعدد الجهات والمؤسسات المدنية التي تسهم في صنع واتخاذ قرارات الأمن القومي الإسرائيلي، وهو سبب رئيسي للصراع والتنافس فيما بينهم، ومن هذه المؤسسات:
اللجنة الوزارية لشؤون الأمن: تشكلت هذه اللجنة أول مرة عام 1953، وكان اسمها لجنة الوزراء للشؤون الخارجية والأمن، وظلت لسنوات طويلة هامشية وغير مهمة في عملية صنع القرارات، حيث أصر رئيس الحكومة ووزير الدفاع حينذاك، ديفيد بن غوريون، على عدم طرح قضايا الأمن على بساط بحثها.
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: وهو مركز أبحاث تابع لجامعة تل أبيب، مهمته التعامل بالبحث والدراسات في مجالات شؤون الأمن القومي، مثل الجيش، والشؤون الاستراتيجية، والصراعات منخفضة الحدة، والتوازن العسكري في الشرق الأوسط، والحرب الإلكترونية.
مجلس (هيئة) الأمن القومي الإسرائيلي: تم تأسيس مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي (INSC) في عام 1999، وهو مؤسسة تابعة للحكومة الإسرائيلية، تمثل مركز تفكير وبيت خبرة للحكومة الإسرائيلية ومتخذي القرار، قراراتها استشارية وليست إلزامية، وإن كان لآرائها واستشاراتها قوة وتأثير بالغ، لا سيما في الأزمات الأمنية، والخارجية والدبلوماسية.
يستمد مجلس الأمن القومي صلاحياته من الحكومة، ويعمل وفق التعليمات المباشرة من رئيسها، ويتبع رئيس مجلس الأمن القومي رئيس الحكومة مباشرة، كما يعمل مستشاراً لرئيس الحكومة في قضايا الأمن القومي.
تأسس مجلس الأمن القومي الخاص بالحكومة الإسرائيلية في سنة 1999، في محاولة لحل مسألة ضعف تقييم السياسات والتقييم المدني، وأُسند له دور في تنسيق وتكامل سياسات الأمن القومي، إضافة الى الاشراف والتداول معه فيما خص هذه السياسات، من أبرز أدواره تقديم توصيات مستقلة لمجلس الوزراء، حول سياسات الأمن القومي. علماً بأن المجلس يأتي في المستوى الرابع والأخير كلاعب مساعد في عملية صنع القرار.
لكن مجلس الأمن القومي، تم تهميشه منذ انطلاقته، ولم تؤخذ إنجازاته بعين الاعتبار، واشتكى معظم من تعاقبوا على رئاسته من عدم إعطاء أي سلطة للمجلس، وعدم وجود شراكة في عملية صنع القرار، أضف الى شعور معظم رؤساء مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الذي امتدت خدمتهم لما يقارب السنة، أن خدماتهم انتهت دون أن يستطيعوا القيام بواجباتهم في ظل ظروف غير ملائمة. يرى البعض أن دور مجلس الأمن القومي قد تمت مصادرته من قبل السكرتير العسكري لرئيس الوزراء.
جاءت نشأة مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في ضوء التغييرات الإقليمية، وذلك بعد الحرب العراقية الإيرانية المفروضة ومساعي العراق في بناء مفاعل نووي، ولا سيما في ظل تضارب المصالح والصراعات بين المؤسسات المختلفة، وتراجع دور المؤسسات المدنية تجاه المؤسسات العسكرية، خاصة الجيش الإسرائيلي، وهو ما دفع قادة النظام السياسي في الكيان المؤقت، وعلى رأسهم رئيس الوزراء للبحث في إيجاد توازن بين المؤسسات لدعم القرار.
قانوناً، لم يمنح القانون أي صلاحيات لمؤسسة الأمن القومي تجاه المؤسسات الأخرى، لا سيما المؤسسات العسكرية، ولم يشهد مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي تأسس عام 1999، أي تغييرات جوهرية على صعيد الممارسة، لم تتمتع مؤسسة الأمن القومي حتى عام 2008 بدور ملحوظ، بل عانت من التهميش، ولكن بعد عدوان تموز 2006، وهزيمة الكيان المؤقت فيه، حيث أقرت لجنة فينوغراد بضرورة تفعيل دور مجلس الأمن القومي الإسرائيلي لتجنب الأخطاء وسوء التقدير بحسب التقرير، وذلك ليصبح هناك أصوات أخرى غير صوت المؤسسات العسكرية. وصدر قانون بتعديل اسمه في عام 2008 من مجلس الأمن القومي إلى هيئة طاقم الأمن القومي الإسرائيلي (National Security Staff- NSS)، وهو يعكس رؤية الكيان المؤقت وأهمية المجلس من مجرد طاقم أو فريق عمل لمؤسسة لها صلاحيات ودور فعال. وتم توسيع صلاحيات رئيسه لتشمل تولي كل مسائل الأمن القومي والدفاع التي يحددها رئيس الوزراء، وبناءً على هذا أصبح رئيس هيئة الأمن القومي يتلقى المعلومات والمستجدات من كل الأجهزة الرسمية، كما يحضر كل اجتماعات مجلس الوزراء التي تختص بمسائل الدفاع والخارجية، وكل اجتماعات اللجان التي تضم رؤساء أجهز الاستخبارات.
كانت حرب لبنان 2006 (عدوان تموز) أظهرت أخطاء المؤسسة العسكرية، التي لم تكترث لتوصيات مجلس الأمن الإسرائيلي، ورغم ذلك ما تزال تعاني التهميش من قبل المؤسسات العسكرية التي تعتبرها مؤسسة لا تمتلك المعلومات الكافية وتنقصها الخبرة، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها ولا على قراراتها وتوصياتها. وما زالت أصداء هزيمة الكيان المؤقت تتردد في مؤسسات صُنع القرار الإسرائيلي كافة لغاية اليوم.