ريشي سوناك وزيلينسكي
في أكثر المشاهد هزلية منذ بدء الصراع في أوكرانيا بين الكتلة الغربية وروسيا، تفوق ريشي سوناك على الكوميديا التي كان يقدمها زيلينسكي قبل أن يصبح رئيسًا لأوكرانيا. بريطانيا التي تعاني من مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية دفاعية ولا تملك قرارًا بما تملك من أسلحة، استجابت على بياض لمطالب زيلينسكي بتزويده بالمقاتلات والصواريخ بعيدة المدى. وسط كل التصريحات الكبيرة من الجانبين، إلا أن ثمة تفاصيل مضحكة. فبريطانيا تحتاج إلى 36 شهرًا كأقصر دورة تدريبية، فهل يتوقّع هؤلاء أن الحرب ستمدّ إلى 3 سنوات أخرى؟ وهل قرار ما يملكه البريطانيون من صواريخ بعيدة المدى هو قرار بريطاني خالص. الحقيقة لا. فكل الصواريخ التي لدى المملكة تمّ تطويرها بإنتاج مشترك إما مع الأمريكيين أو مع الأوروبيين. وزد على ذلك، أن منصات الرؤوس الحربية البريطانية ليست أرضية، بل إما غواصات أو طائرات، فهل سيتم إنتاج منصات أرضية خاصة بها، وكم سيستغرق ذلك من وقت؟
جولات ابتزاز عاطفي وخطابات دراماتيكية
بعد الأنباء التي خرجت عن الانقسام داخل أمريكا حول استمرار الحرب في أوكرانيا والحديث عن استعداد الجمهوريين لإنهاء الحرب بسرعة ولو على حساب أوكرانيا، خرج زيلينسكي في جولة استغاثة في أوروبا بحثًا عن الدعم. بدأت داخل قاعة وست مينستر، التي احتشد فيها المئات من البرلمانيين والموظفين، حيث ألقى خطابًا دراميًا وقدّم لرئيس مجلس العموم خوذة السلاح الجوي الأوكراني، منقوش عليها “لدينا الحرية، أعطنا أجنجة من أجل حمايتها”. ثمّ ذهب زيلينسكي إلى قصر باكينغهام ليستعطف الملك تشارلز الثالث الذي استقبله بابتسامة عريضة ومصافحة دافئة قبل تناول الشاي، قال الملك للرئيس: “لقد كنا جميعًا قلقين عليك ونفكر في بلدك لفترة طويلة” وكان زيلينسكي قد سبق زيارته بالتملّق للملك في خطابه أمام البرلمان، عندما قال:”الملك طيار في سلاح الجو، وفي أوكرانيا اليوم، كل طيار في سلاح الجو هو ملك”. وتذكّر كيف يوم أنه في زيارة ما قبل الحرب إلى لندن، جلس على كرسي تشرشل في مقره تحت الأرض في زمن الحرب، وكان لديه شعور بأنه يُفهم الآن فقط. قال زيلينسكي: “لقد كان شعورًا بأن الشجاعة تأخذك خلال أكثر المصاعب التي لا يمكن تصورها لكي تكافئك أخيرًا بالنصر”.
وبعد نهار طويل من القرارات غير القابلة للتنفيذ في بريطانيا، وصل في وقت متأخر إلى باريس لتناول العشاء مع ماكرون والمستشار الألماني شولتز. وفي اليوم التالي ألقى زيلينسكي خطابًا أمام الاتحاد الأوروبي أخبرهم فيه أنه في هذه الحرب يدافع عن أوروبا كلها وليس عن أوكرانيا فقط. وشكر الحضور الذي كان يضع شارات باللونين الأزرق والأصفر للأعلام الأوكرانية، والذي صفّق له كثيرًا، على المساعدات التي قدمتها أوروبا لأوكرانيا بعد أن فازت بوعود دبابات ليوبارد في الأسابيع الأخيرة. كما قال إنه يعتقد أن بلاده ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي بعد خروجها “منتصرة” من حربها مع روسيا.
شخصيات عسكرية وأمنية: من غير المحتمل إرسال مقاتلات بريطانيا إلى أوكرانيا
على الرغم من قول ريشي سوناك إنه لا يوجد شيء “غير مطروح على الطاولة”، حذر مستشار الأمن القومي السابق بيتر ريكيتس أنه لن ينجح الأمر. لأن طائرات سلاح الجو الملكي تحتاج إلى “أطقم أرضية متخصصة للغاية، ولا يمكنك فقط تسليم المفاتيح لطيار متمرس”.
وردا على سؤال حول إطار زمني واقعي إذا أراد سوناك إرسال طائرات، قال اللورد ريكيتس إن ذلك سيكون “عام على الأقل” – قبل أن يُقترح أن الطائرات المقاتلة الأمريكية من طراز F16 ستكون “رهانًا أفضل” لأن هناك الكثير منها متوفر في أوروبا. قال وزير الناتو السابق جورج روبرتسون لـ LBC إن تسليم طائرة بريطانية يبدو “غير مرجح للغاية”، مما يشير إلى أنه سيكون من الأفضل التركيز على “تجديد ما أرسلناه إلى أوكرانيا”.
كما أثار القائد السابق للجيش اللورد دانات شكوكًا حول المبلغ الذي يمكن أن تقدمه المملكة المتحدة، على الرغم من أنه قال إنه من الممكن إرسال طائرات تايفون تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني.
“أنا مهتم بمعرفة ما يمكن أن تقدمه وزارة الدفاع. أعني، ليس لدينا مخزون ضخم من الطائرات السريعة الحديثة لتجنيبها”. قال اللورد دانيت لصحيفة آي. وأضاف قائد الجيش السابق العقيد تيم كولينز: “هذه آلات معقدة للغاية تحتاج إلى الكثير من الخدمات اللوجستية والكثير من الاستدامة – الكثير من التدريب. لذا، لست متأكدًا من أننا سنقدم خدمة لأوكرانيا على المدى القصير بالقول إننا سنوفرها لهم”.
من يستخفّ بمن؟
عندما تعد حكومة ما شعبها بقرارات تعرف جيدًا أنها غير قابلة للتنفيذ، يخرج النخبويون للقول إن حكومتكم تستهزئ بكم وتستخفّ بعقولكم أيها البائسون!
عندما تسابقت دول الاتحاد الأوروبي بتحديد سقف سعر الخام الروسي ليشهدوا لها عند الولايات المتحدة، لم يمض شهر حتى بدأ التحايل على القرار، إذ أصدر الاتحاد الأوروبي استثناءً من الحظر المفروض حيث يُعفى الخام الروسي الممزوج بمنتجات بترولية في دولة ثالثة من سقف السعر، وبذلك يمكن من خلال خلط كوب واحد من نفط دول ثالثة مع النفط الروسي أن يحلّ المشكلة المتفاقمة بل معضلة الاتحاد الأوروبي!
سوناك وزيلينسكي يعرفان جيدًا أن تدريب الطيارين لم يكن العقبة الوحيدة أمام إمداد كييف بالطائرات. قال زيلينسكي إنه عندما يتعلق الأمر بالتزويد بطائرات تايفون المقاتلة التابعة لسلاح الجو الملكي، “لا يعتمد كل شيء على قرار بريطانيا العظمى فقط”. وجاء تعليقه بعد تلميح سوناك بأن الحلفاء الدوليين المشاركين في إنتاج الطائرات سيحتاجون إلى أن يكون لهم رأي، والتقى بعدها بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماركون والمستشار الألماني أولاف شولتز.
الكاتب: زينب عقيل