لمعرفة كيفية رسم السياسات الإسرائيلية في مواجهة المقاومة الإسلامية واستهدافها، وصناعة السيناريوهات، يبرز الباحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي أودي ديكل وخاصة خلال الفترة الأخيرة. وتضم هذه الورقة قراءة في تحليلاته للواقع الفلسطيني، من خلال مجموعة من الدراسات التي تناول فيها العمليات الفردية، وحماس كما الجهاد الاسلامي والعلاقة مع السلطة الفلسطينية عبر طرحه مجموعة من السناريوهات والتوصيات التي تكرّس هيمنة الاحتلال خلال الأعوام الثلاث الأخيرة.
انضم أودي ديكل إلى معهد دراسات الأمن القومي في العام 2012. وقد شغل منصب المدير الإداري للمعهد لمدة عشر سنوات، ويرأس حاليًا برنامج البحوث الخاص بالساحة الفلسطينية. وكان ديكل رئيس فريق التفاوض مع الفلسطينيين في عهد رئيس الوزراء إيهود أولمرت خلال عملية أنابوليس في الفترة 2007-2008.
شغل ديكل العديد من المناصب العليا في قوات الدفاع الإسرائيلية في مجالات الاستخبارات والتعاون العسكري الدولي والتخطيط الاستراتيجي، وكان آخر منصب له في قوات الدفاع الإسرائيلية؛ رئيس شعبة التخطيط الاستراتيجي في هيئة الأركان العامة. وشغل في السابق منصب رئيس قسم العلاقات الخارجية في هيئة الأركان العامة ورئيس قسم البحوث والإنتاج في المخابرات الجوية الإسرائيلية.
كما تولى ديكل منصب رئيس لجنة إسرائيل والأمم المتحدة ولبنان بعد حرب لبنان الثانية ورئيس اللجان العسكرية مع مصر والاردن. بالإضافة إلى ذلك، ترأس فريقًا عاملًا معنيًا بالتعاون الاستراتيجي العملياتي مع الولايات المتحدة. وقد عمل في لجنة عام 2006 لتحديث مفهوم الأمن الإسرائيلي وتنسيق صياغة استراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي.
يُعد أودي ديكل المخطط والمعدّ للسياسات الإسرائيلية تجاه الداخل الفلسطيني، فهو الذي يرسم السيناريوهات ويطرح التوصيات التي تترجم على أرض الواقع في سياسات تنتهجها المؤسسة الامنية من خلال بنائه لاستراتيجيات تتناسب مع الوقائع المفروضة.
المقاومة الفردية إرهابية
أودي ديكل، في مؤتمر حول موجة الارهاب وتعزيز العلاقات بين اليهود والعرب: “هناك جيل لم يشهد الانتفاضة الثانية، محبط من عجز السلطة الفلسطينية، وقابل للتمرد”.
يعتبر أودي ديكل، أن “تنامي مقاومة جماعة عرين الأسود في الضفة، وجذبها الشبان الفلسطينيين ومسؤوليتها على ما يبدو عن غالبية عمليات إطلاق النار، هو إشارة أخرى لإسرائيل بأنها لا تستطيع أن تطوي القضية الفلسطينية تحت البساط”. وعبّر عن أن “النهج الإسرائيلي الذي يرتكز بالدرجة الأولى على الاستخدام المتزايد للقوة قد استنفد نفسه. المطلوب الآن جهود جديدة من أنواع متعددة، إلى جانب الاستعدادات للسيناريوهات التي قد تنجم عن الوضع الجديد”. معتبرًا أن الأقصى والحرم القدسي هما السبب في تحريض “الإرهابيين”، اللذان أصبحا محورًا رئيسيًا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بحسب رأيه، إذ يرى أن الاشتباكات التي وقعت في رمضان العام 2022؛ من اشتباكات بين قوات الاحتلال الإسرائيلية والفلسطينيين وفلسطينيي 48، دفعت “المتطرفين”، وفق تعبيره، الذين يفتقر معظمهم إلى أي انتماء تنظيمي، إلى تنفيذ هجمات ضد اليهود. إذ يدّعي أن حماس تقود حملات تحريض متفشية على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الفلسطينية، “تزعم” بوجود خطة إسرائيلية لتقسيم الحرم القدسي إلى مناطق صلاة وأوقات صلاة منفصلة للمسلمين واليهود، ساعيًا في الترويج إلى سياسة المكر والخداع بتصويره الكيان المؤقت على انه صاحب الحكمة في احتواء الأمور وفي السماح للفلسطينيين للصلاة بصورة طبيعية، واعتبار كل ما يتعلق بنوايا الكيان المؤقت لتغيير الترتيبات المتعلقة بالصلاة في الحرم، هي معلومات زائفة الهدف منها الدفع بالأفراد والجماعات، الذين يفتقرون إلى أي انتماء تنظيمي، لارتكاب اعتداءات قاتلة بحق المدنيين الإسرائيليين، بكل ما هو في متناول اليد، من مسدس أو سكين أو فأس.
وقد تناول ديكل في الفترة الاخيرة، حركات المقاومة الفردية التي نشأت وشكّلت هياكل خاصة بها كـ “عرين الأسود” و”كتيبة جنين” وغيرها من الجماعات التي بدأت تتبلور في الفترة الأخيرة والتي شكّلت صدمة للكيان المؤقت في حركتها وطريقة مقاومتها وصمودها والسبل التي تتبعها في تنفيذ أهدافها والتي تحقق جزء كبير منها، الأمر الذي سبب ضربة صاعقة للمحتل دفعه للغوص بشكل يومي في موجة من الاقتحامات والاعتقالات التي استنزفت جزء كبير من قواته.
فطرح ديكل مجموعة من المؤشرات والدوافع لتطور هذه الظاهرة من المقاومة التي تشكّل العنصر الرئيسي المسؤول عن تصعيد “الإرهاب في المنطقة”، إذ يصفها بـ “الإرهابية” و”المتطرفة”، كونها جاءت، على حد تعبيره، نتيجة عجز الإسرائيلي عن “احتواء” الأراضي الفلسطينية، وتعبيرًا آخر عن ضعف السلطة الفلسطينية، وتزايد الصراع الداخلي بين الفلسطينيين، مع اقتراب اليوم التالي لعباس. واعتبر أن أي عملية عسكرية جديدة ستسرع من إضعاف السلطة الفلسطينية، وتجعلها غير ذات صلة بأي تسويات سياسية، وتشجع على ظهور مجموعات أخرى من الشباب الفلسطينيين المستعدين لمحاربة إسرائيل.
ويشير إلى أن معظم حوادث إطلاق النار في الضفة الغربية في الاسابيع الاخيرة تعزى إلى هذه المجموعة التي تعد العنصر الرئيسي المسؤول عن تصاعد ما يسميه “الارهاب” في المنطقة. وبالتالي، يركّز ديكل في شرحه للواقع في الضفة على وصف أي مقاوم أو مناضل فلسطيني بأنه “إرهابي” سعيًا منه لإفقاد هذه الحركات الشرعية في الدفاع عن أرضها وشعبها وحقوقها التي سلبت منها، مع الإشارة الدائمة إلى أن الحالة الاقتصادية الصعبة وسهولة توفر الأسلحة هي التي تدفع الشباب الفلسطيني إلى المواجهة. ويسعى إلى إسقاط التهم عليهم والتي ترتبط بجرائم ضريبية، وحيازة أسلحة وتسلم مدفوعات غير قانونية، تزيد من حدة العنف وتلحق الضرر بأمن “السلطة الفلسطينية”، وتقوض قدرتها على فرض القانون والنظام والاستقرار في أراضيها، لتبرير اعتقالهم وتصفيتهم. كما يسعى من خلال ادعاءاته إلى ترسيخ الفصل والشرخ بين السلطة الفلسطينية والبيئة الفلسطينية من خلال الاشارة إلى تمسّك السلطة بانتهاج سياسات تفكيك عرين الأسود وغيرها من تنظيمات المقاومة، وذلك بهدف حثّ إدارته على إدامة النهج القائم على التمايز السياسي الفلسطيني الداخلي كما وتعزيز التنسيق مع هذه السلطة بما يمنح الكيان المؤقت حرية العمليات العسكرية – الأمنية في مناطقها، وتفكيك الدافع لدى الجمهور الفلسطيني للانخراط في صراع شعبي عنيف ومتصاعد وواسع القاعدة.
ويطرح أودي ديكل تأثير هذه الجماعات على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تنشط الجماعة بشكل كبير، وتقوم بحملات خاصة على تيك توك، وكذلك توثق الاشتباكات وتنشر مقاطع فيديو على الشبكات، وتدعو الشعب الفلسطيني إلى الانخراط في الدفاع عن الأقصى، كما تدعو للإضرابات والمظاهرات ضد السلطة الفلسطينية، كما ويشير لقدرتها على جذب مئات النشطاء من القدس الشرقية للانضمام إلى أعمال “العنف” في الشوارع. بالإضافة إلى تشديده على عدم انتمائها إلى أي من المنظمات والحركات رغم أنها مدعومة من حماس والجهاد وتزوّد بأسلحة مهربة.
ويشير أودي ديكل إلى قلق المؤسسة الأمنية الشديد من أن مدن فلسطينية إضافية ستقع فعليًا تحت السيطرة الكاملة للجماعات المسلحة، كما يحدث في جنين ونابلس، ما يحمل في طياته الحثّ المبطّن على سيطرة الكيان الفعلية وضم الضفة بحجة العمل ضد البنية التحتية الإرهابية ومكافحة العنف فيها وعودة الاستقرار فيها، وذلك عبر نقل السيطرة الكاملة على كامل منطقة شمال الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية، وحشد الأردن ودول الخليج للاستثمار في بناء مراكز تدريب وتشغيل للشباب الفلسطيني لطمس قضيتهم وإبعادهم عن خيار المقاومة الفعلي الذي يشكّل مصدر قلق وتهديد أساسي لأمن العدو القومي.
ويصنف ديكل حركات المقاومة الفردية وفق اتجاهين؛ الأول، على أنها موجة من الرعب، محدودة المدة وليست مؤشرًا على تغيير جذري في النظام، والثاني، أنها حملة “إرهابية” تشنها حماس بالتنسيق مع الجهاد الإسلامي وبدعم إيراني، وتهدف إلى توحيد جبهات النضال الفلسطيني ضد إسرائيل في حملة شاملة هي جهد “مقاومة” مشترك، من مختلف الفصائل، وعليه، قدّم توصيات بتبني استراتيجية تحرم حماس من السيطرة على حدود الحملة وشدتها، وتقوض المنطق الذي يوجه محاولات المنظمة لتوحيد مكوناتها، لما يمثله وقوع الهجمات على المدن المركزية إحراجًا عسكريًا وعامًا.
استهداف الجهاد الإسلامي
يرى ديكل بأن الجهاد الإسلامي هو المسؤول عن عمليات إرهابية واسعة النطاق والمسؤول عن عصابات “الإرهابيين” الذين يخططون لإطلاق صواريخ مضادة للدبابات والقنص على الإسرائيليين في محيط غزة، لأجل تبرير الاغتيال المستهدف لكبار قادة الجهاد الإسلامي في فلسطين، لا سيما تلك التي استهدفت تيسير الجعبري، قائد منطقة شمال قطاع غزة، رداً على تخطيطه تنفيذ عمليات واستعداداته لمهاجمة إسرائيليين. ويلعب ديكل على زعزعة العلاقة بين الجهاد وحماس وذلك من خلال التطرق إلى امتناع حماس عن الانضمام إلى القتال إلى جانب الجهاد وترك المجال أمام العدو للاستفراد بها.
كما يسعى إلى تسليط الضوء على الدور الإيراني في دعم الجهاد الإسلامي، بوصفه دعم لـ “الإرهاب”، ويرى أن إيران تلجأ لردع الكيان المؤقت عبر وكلائها، التي من وجهة نظره لها مصلحة في التصعيد في منطقة غزة من أجل لفت انتباه المجتمع الدولي إلى المنطقة أثناء تفاوضها على العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات. إذ يعتبر أن حركة الجهاد الإسلامي تديرها إيران باعتبارها القوة الدافعة وراء “الهجمات الإرهابية” (من خلال التوجيهات، والأسلحة المهربة، وتوفير المعرفة للإنتاج المستقل للأسلحة، والمال)، بهدف تعطيل التحالف بين الكيان المؤقت والدول العربية. ويرمي بالتالي إلى نزع الشرعية عنهما كمقاومة، باعتبارهما أدوات إيرانية وزعزعة علاقتهما بالشعب الفلسطيني.
ويلخّص ديكل أهداف معركة “وحدة الساحات” التي وقعت العام الماضي، ليكشف النوايا الإسرائيلية في التفريق بين الضفة الغربية وقطاع غزة في مكافحة الإرهاب، كما منع حالة إطلاق النار من غزة ردًا على عمليات مكافحة “الإرهاب” في الضفة الغربية؛ مع إبقاء حماس خارج دائرة القتال، كعنوان لجهود إسرائيل لتحسين “نسيج الحياة” والحفاظ على الهدوء في قطاع غزة. بالإضافة إلى إلحاق ضربة قاتلة بالجهاد الإسلامي أينما كان واستهداف كبار قادته. وبالتالي، عمد لتشويه صورة الجهاد باعتباره “وكيل إيراني” يعمل على تدمير الكيان ويقتل الإسرائيليين الأبرياء.
تقويض حركة حماس
سعى ديكل في عدة دراسات ومقالات إلى التركيز على تخلي حماس عن الجهاد الإسلامي في بعض المواقف، الأمر الذي يشكل حساسية لدى الفلسطينيين. حيث ينطلق في مقاربته من أن التحسن الكبير في الوضع الاقتصادي وتحسين حالة العمالة في القطاع سوف يؤدي إلى الهدوء المستمر وتقييد حماس لجهة تصعيد الوضع ومنع الفصائل الأخرى من مهاجمة إسرائيل من غزة. إذ يعتبر أن الإغاثة الاقتصادية تعزز بالفعل حماس، ولكنها ترفع أيضا ثمن خسارتها في حالة التصعيد، وهذا من شأنه أن يحفز حماس على كبح جماح العناصر “الإرهابية” في القطاع. ويدعو إلى استهداف حماس في حال انضمامها للمشاركة في القتال وذلك عبر إلغاء كل الفوائد التي تحصل عليها حماس وقطاع غزة، استنادًا إلى فهم مفاده أن هويتها باعتبارها حركة مقاومة لها الغلبة ولا تسمح لها بأداء دور استقرار طويل الأمد. وفي حال لم ترتدع يقدم اقتراح آخر قائم على إغلاق كامل للمعابر بين القطاع والكيان المؤقت، أو على الهجمات المستمرة ضد الجناح العسكري لحركة حماس وقدراتها في القطاع. وبالتالي، وضع حماس أمام خيارين؛ إما الامتثال للتفاهمات المتعلقة بالهدوء المستمر؛ أو الغرق في حملة عسكرية شديدة، مما يتطلب إجراء مناورات برية في القطاع من أجل إلحاق أضرار جسيمة بالجناح العسكري لحركة حماس.
كما يشير ديكل إلى أن الصراع الجديد مع الجانب الفلسطيني يتعلق بالسيادة على “جبل الهيكل”، والدعوة لتأمين الحرية لزيارات اليهود إلى المجمع. كما ويدعو إلى تحييد وتقييد المحرضين على العنف والاستفزازات الذين يعملون عمدا لتقويض الوضع الراهن في الحرم القدسي، كما وتعزيز التفاهم مع الأردن حول زيارة اليهود للموقع. ويسعى ديكل إلى اتهام حماس أنها تعمل على ترسيخ صورتها على أنها “المدافع عن الأقصى” من منطلق فهم أن التحريض المحيط بالحرم القدسي سيعزز روح “المقاومة” بين الفلسطينيين وتعزيز نشاط “المضايقات” في الحرم القدسي.
ويعتمد ديكل على توصيف المقاومين على أنهم متطرفون، يرتكبون هجمات إرهابية ضد اليهود، وبحملات تحريض متفشية على شبكات التواصل الاجتماعي. إذ يشيد بدور الشرطة الإسرائيلية التي من وجهة نظره تعمل بعزم وحكمة ضد أحداث العنف. ويتهم المقاومين والفلسطينيين بتحركهم انطلاقًا من معلومات زائفة عن نوايا إسرائيل في تغيير الترتيبات المتعلقة بالصلاة، لارتكاب هجمات قاتلة ضد المدنيين الإسرائيليين.
ويعتبر أودي ديكل أن السياسة الإسرائيلية فشلت في العديد من الحالات، لعدم فرضها ضريبة على حماس، الأمر الذي يؤجج ويشجع أحداث التصعيد، حيث منحت تصاريح دخول إلى عدد من الشباب الفلسطينيين لا سيما فلسطينيي 48، على الرغم من وجود علامات تشير إلى نيتهم التسبب في أعمال شغب. كما ويسلط الضوء على استغلال حماس بنجاح التمييز بين قطاع غزة، حيث يجري الحفاظ على الهدوء والروتين، وبقية المناطق، التي تشكل من منظورها ساحات للنضال، وهي تشجع على تصاعد الإرهاب فيها ومنها؛ القدس، وداخل الكيان، والضفة الغربية، وجنوب لبنان. ويتعين على حماس أن تدفع ثمن هذا التحريض، وعليه، يفرض على الكيان المؤقت استغلال تفوقه التكنولوجي لعرقلة قنوات نفوذ المنظمة وتحريضها وإثارة غضبها.
علاوة على ذلك، يعتبر ديكل أن منح تصاريح دخول للشباب الفلسطينيين وفلسطينيي 48، على الرغم من الإشارات التي تشير إلى نيتهم إثارة الشغب من بين الإخفاقات التي لازمت كيان الاحتلال، إذ يحث على الاستعداد للصراع المستمر للسيطرة على الحرم القدسي الشريف، على أساس فهم أن التقلبات المحتملة في هذا الموقع الحساس ستزداد بعد كل حادثة أو عطلة أو تاريخ خاص كما والعمل على تقييد نشاط القوى المزعزعة للاستقرار ودق إسفين بينها وتحييدها، والتصرف بحزم كما دمج السلطة الفلسطينية في الوقف الأردني، مما يحرم حماس من تحقيق إنجاز باعتبارها اللاعب الأكثر نفوذًا.
ويتهم الباحث حماس، باستغلالها الأحداث لإثارة الإرهاب والعنف والتركيز على حملات التحريض، واستخدام الضفة الغربية من قبلها للقيام بنشاطات ضد المستوطنين و”جيش الدفاع الإسرائيلي” والسلطة الفلسطينية وتركيز جهودها على بناء البنية التحتية للإرهاب، وتطوير وتشغيل قنوات تهريب الأسلحة والأموال، خاصة من الأردن، واستخدامها لوكلاء أو عناصر موالية لتنظيم الدولة الإسلامية. ويتوجه لمثل هذه الادّعاءات؛ أولًا لزعزعة العلاقة بين الفلسطينيين لا سيما بين المقاومة الفلسطينية والسلطة، كما لانتزاع شرعية مقاومتها وتبرير كل أشكال استهدافها. إذ يدعو لتوجيه الجهود ضد حماس، وليس بالضرورة العسكرية، إنما أيضًا من خلال سياسات تسعى لوقف تحويل الأموال من قطر إلى حماس، وتجنيد مصر للضغط عليها من خلال وقف إعادة إعمار غزة وإغلاق المعابر المؤدية إلى سيناء. كما والحرص على عدم دفع السلطة الفلسطينية إلى أيدي حماس، وضمان الحفاظ على نسيج الحياة في مناطق السلطة الفلسطينية من أجل إبعاد السكان عن “الإرهاب” والعنف، وتعزيز التنسيق مع السلطة الفلسطينية، وزيادة الجهود لإعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية.
كما كان قد قدّم مجموعة من التوصيات التي تستهدف بشكل مباشر حركة حماس والتي تقضي بانتهاج مبادرة وسياسة عدوانية تجاهها وإغلاق كامل للمعابر بين القطاع والكيان المؤقت لفصل غزة عن الكيان، بما يتماشى مع التمييز بين أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس. واستمرار الحملات ضد البنية التحتية للمقاومة في قطاع غزة والاستفادة من الأحداث الهجومية التي تبادر بها حماس لزيادة حدة الهجوم الإسرائيلي وتنويع اهدافه، بهدف الإضرار بهذه البنية، وقدرات إنتاج وإطلاق الصواريخ، كما وإلحاق أضرار جسيمة بذراع حماس العسكري.
واقع الدولة الواحدة
الانزلاق نحو دولة واحدة، بحسب ديكل، الذي يعتبر أن غياب التقدم نحو التسوية والالتزام الأعمى بـ”إدارة الصراع” يزيدان من تعقيد الوضع إلى أن يصبح من غير الممكن تشكيل تسوية لكيانين، يهودي وفلسطيني، منفصلين سياسيًا وجغرافيًا، وديموغرافيًا، أو حتى توقع دولة بثنائية قومية، نظرًا لشدة العداء المتبادل، واللامبالاة بمعاناة الطرف الآخر، وغياب أي رغبة حقيقية في المصالحة والتعايش، بالإضافة لسنوات طويلة من التطلعات الفلسطينية إلى الذات واحتمال احتكاك شديد بين المجموعتين. ويفترض ديكل خيارين في حال أن التطورات المتوقعة تتجسد بالفعل في حالة الدولة الواحدة؛ الأول هو الفصل السياسي إلى كيانين منفصلين جغرافيًا وديموغرافيًا؛ والثاني هو منح الحقوق الكاملة والمتساوية للفلسطينيين في الدولة الواحدة، ما يمكن أن يدفع، على حد تعبيره، إلى انتشار البلدات والقرى الفلسطينية بل وتحيط بالمستوطنات اليهودية، مما يزيد من الاحتكاك بين السكان ويشجع على المزيد من “الجريمة والعنف” أكثر مما هو موجود بالفعل. فالأغلب في الكيان المؤقت يدعو لاتخاذ خطوات للانفصال عن الفلسطينيين لمنع دولة ثنائية القومية من أن تصبح حقيقة واقعة. إن عكس الاتجاه بالانفصال عن الفلسطينيين هو التحدي الرئيسي الذي يواجه حكومة نتنياهو الجديدة، مهما كانت تركيبتها. وبالتالي رفض ديكل خيار دولة واحدة بثنائية قومية كونه يعتبرها تعميق للتوترات القومية، الدينية والعرقية، وبالتالي، خياره إما بتكريس الاحتلال أو بدولة تعنى بالكيان المؤقت فقط.
خاتمة
وعليه، يمثّل ديكل العقل المدبّر لبعض السياسات الاسرائيلية الاضطهادية تجاه الشعب الفلسطيني كما المستهدفة لمقاومته. إذ بناءً على التوصيات التي يطرحها في دراساته، وفي مراقبة للوضع الداخلي الفلسطيني، يظهر جليًا كيف تشكل طروحاته نقطة ارتكاز للسياسات الإسرائيلية المنتهجة اتجاه الأخير. وكان ذلك واضحًا في الخطط التي اتبعها الكيان المؤقت في السنوات الأخيرة تجاه المقاومة؛ من العمل على الفصل بين الساحات وزعزعة العلاقة بين كل من حماس والجهاد الإسلامي بالإضافة إلى الحملات ضد البنية التحتية للمقاومة في قطاع غزة، كما وإلحاق ضربة قاتلة للجهاد الإسلامي أينما كان واستهداف كبار قادته. ما يظهر أهمية أخذ دراساته وبياناته بعين الاعتبار عند دراسة الواقع الفلسطيني لتكوين صورة حول ما يمكن أن تصل له الأمور في الفترات المقبلة.
المصادر