ينمو الدين عندما يتجاوز الإنفاق الإيرادات، ويفترض أن يكون هناك حد أقصى قانوني لمقدار الديون التي يمكن للحكومة الفيدرالية تراكمها – غالبا ما يطلق عليه “سقف الديون” أو “حد الديون”. منذ يناير كانون الأول الماضي، وصل حد الدين إلى نهايته دون أن يكون الكونغرس قد أقرّ خطوته للمعالجة سواء إقرار رفع سقف الدين أو التخلف عن السداد. إذ يتعين على الكونجرس أن يلغي حد الدين أو أن يسمح بأي اقتراض ضروري لتنفيذ أي تشريع مالي يؤثر على العجز الفيدرالي. إلا أن الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، قد أدخل اقتصاد الولايات المتحدة في لعبة سياسية خطيرة للنيل من بايدن، سيتأثر بها العالم كله.
متى تم الوصول إلى حد الدين؟
حددت الولايات المتحدة رسميا سقف ديونها في 19 يناير كانون الثاني مما دفع وزارة الخزانة إلى استخدام مناورات محاسبية تعرف باسم الإجراءات الاستثنائية لمواصلة سداد التزامات الحكومة وتجنب التخلف عن السداد. تحد هذه التدابير مؤقتًا من بعض الاستثمارات الحكومية حتى تتمكن الحكومة من الاستمرار في دفع الفواتير.
وقد تستنفد القدرة على استخدام هذه التدابير لتأخير التخلف عن السداد بحلول يونيو حزيران. إّذ حذرت وزيرة الخزانة جانيت يلين المشرعين من أن الولايات المتحدة قد تنفد من السيولة بحلول 1 يونيو حزيران إذا لم يتم رفع سقف الاقتراض أو تعليقه.
لماذا الولايات المتحدة لديها حد للديون؟
وفقا للدستور، يجب على الكونجرس أن يأذن بالاقتراض الحكومي. في أوائل القرن 20، تم وضع حد الدين بحيث لا تحتاج وزارة الخزانة إلى طلب إذن من الكونجرس في كل مرة يتعين عليها إصدار ديون لدفع الفواتير.
خلال الحرب العالمية الأولى، أقر الكونجرس قانون سندات الحرية الثاني لعام 1917 لمنح وزارة الخزانة مزيدًا من المرونة لإصدار الديون وإدارة الشؤون المالية الفيدرالية. بدأ حد الدين في اتخاذ شكله الحالي في عام 1939، عندما قام الكونجرس بتوحيد الحدود المختلفة التي تم وضعها على أنواع مختلفة من السندات في سقف اقتراض واحد. وقد تم إنشاء حد الدين لجعل الحكومة تعمل بشكل أكثر سلاسة، لكنها بحلول الألفية الجديدة أصبح سقف الدين مشكلة لدي السياسيين الأمركيين، ومنذ عام 2021 بدأت الأصوات ترتفع لإلغاء حد الدين.
ماذا يحدث إذا لم يتم رفع أو تعليق حد الدين؟
داخليًا، إذا استنفدت الحكومة إجراءاتها الاستثنائية ونفدت السيولة، فلن تتمكن من إصدار ديون جديدة. وهذا يعني أنه لن يكون لديها ما يكفي من المال لدفع فواتيرها، بما في ذلك الفوائد والمدفوعات الأخرى المستحقة عليها لحاملي السندات، ورواتب العسكريين والمزايا للمتقاعدين. وبحسب بروكينغ إذا لم يتم رفع حد الدين، فإن مقدار تخفيضات الإنفاق أو الزيادات الضريبية وهذا مطلوب سيعادل 1.5 تريليون دولار هذا العام و14 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. ومن وجهة نظر معينة، فإن هذه الأرقام أكبر من إجمالي الإنفاق الدفاعي خلال نفس الفترات الزمنية. وإذا كان هناك عجز عن السداد، فإن أسعار الفائدة سوف ترتفع، مما يزيد من العجز ويتطلب تغييرات أكبر في الضرائب والإنفاق.
عالميًا، يحذر الاقتصاديون ومحللو وول ستريت من أن مثل هذا السيناريو سيكون مدمرًا اقتصاديًا، ويمكن أن يغرق العالم بأسره في أزمة مالية. العواقب الاقتصادية المترتبة على التخلف عن السداد المتعمد على نطاق واسع غير معروفة، ولكن التنبؤات تتراوح من سيئة إلى كارثية. في عام 1979، حدث تخلف جزئي مؤقت غير مقصود عن سداد الديون بسبب خطأ إداري، فقد رفعت تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة بمقدار 40 مليار دولار (بدولارات اليوم). كان هذا عجزًا عرضيًا عن سداد مجموعة صغيرة من سندات الخزانة، لكنه أفزع المستثمرين بالقدر الكافي لرفع مدفوعات الفائدة بشكل كبير. لم يحدث أبدًا تخلف متعمد واسع النطاق لأنه في الماضي لم يكن من الممكن تصوره. والقيام بذلك الآن يعني اللعب بالنار والمخاطرة بموقف الولايات المتحدة الساحر باعتبارها “مقترضة خالية من المخاطر” في أسواق الائتمان العالمية. وهو الأمر الذي يهزّ مكانة الدولار في العالم، وينبئ بخطر السقوط عن عرش الاقتصاد العالمي.
قلق عام لدى أحد أكبر 7 اقتصادات في العالم
يعلق المحللون الاقتصاديون أنه “عندما تسوء الأمور، تتحمل جميع البلدان الأخرى العبء الأكبر” وأن G7 لن تكون قادرة على التوصل إلى حل لما هو مشكلة أمريكية محلية وسياسية بحتة، على الرغم من أن المجموعة يمكن أن تؤكد عزمها على التعاون في استقرار الأسواق في أسوأ السيناريوهات.
الواقع أنّ أزمة الديون تمثل الأمريكية صداعًا لليابان التي ترأس مجموعة السبع هذا العام، وأكبر حامل للديون الأمريكية في العالم. في اجتماع قادة المالية في G7، أي الاقتصادات السبعة الأقوى في العالم (كندا، فرنس، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) التي اجتمعت منذ الخميس 11 أيار مايو في مدينة نيجاتا اليابانية، قال محافظ البنك المركزي الياباني إن أزمة الديون الأمريكية قد تناقش في اجتماع مجموعة السبع، وأضاف أن المجموعة يجب أن تكون مستعدة للرد على أي تداعيات للسوق. وكان البنك المركزي الأوروبي قد علق في وقت سابق من هذا الشهر أنه لا ينبغي بعد الآن أن يؤخذ وضع العملة الدولية (أي الدولار) كأمر مسلّم به.
وحيث من المتوقع أن تواجه وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أسئلة من نظرائها في مجموعة السبع بشأن الكيفية التي تعتزم بها واشنطن منع الاضطرابات في الأسواق المالية المتوترة والتوترات في أوروبا، إلا أنّ يلين تمكّنت من تصدير الأزمة إلى الصين معتبرة أن أي إجراء أمريكي سيكون “ضيق النطاق ويستهدف التقنيات التي توجد فيها آثار واضحة على الأمن القومي”، لكن من دون إعطاء جدول زمني للعمل. وأنه يجب التركيز على “تقويض القدرة التنافسية الاقتصادية للصين أو قدرتها على التقدم اقتصاديًا”، مستشهدة بخطاب ألقته الشهر الماضي قالت فيه إن واشنطن ستقاوم الإجراءات الصينية للسيطرة على المنافسين الأجانب.
الكاتب: زينب عقيل