لقد جاء الوقت لأولئك الذين استسلموا لنشوء الكيان المؤقت عبر احتلال فلسطين في منطقتنا، الى إجراء المقارنة بين كلفة خيار الانهزام الذي كانت التسويات و “معاهدات التسوية والسلام” جزءاً منه، وما بين كلفة خيار المقاومة وما استطاع تحقيقه للأمة خلال عقود.
ويكفي لتحقيق هذه المقارنة، استعراض بعض أقوال أحد أبرز مؤسسي الكيان “ديفيد بن غوريون”، لكي نعلم بعض التغيرات الذي أصاب منطقتنا بفعل فكرة المقاومة. فبن غوريون الذي كتب ذات يوم في مذكراته، بأنه لا نصراً كاملاً بدون قصف مكثف للقاهرة ودمشق وبيروت، ها هي عاصمة كيانه المؤقت “تل أبيب” في السنة الـ 75 لتأسيسه، تتعرض للضربات الصاروخية الموجعة من فصيل واحد فقط، في المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وليس القاهرة أو دمشق أو بيروت. فكيف سيكون عليه حال الكيان لو تعرّض للقصف من حركات مقاومة وساحات شتى؟!
أو يمكننا أيضاً، أن نتأمل بما ذكره في كتابه “أمننا ومكانتنا”، عن ماهية وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي، عندما قال: “يجب على إسرائيل أن تبذل جهدها للحفاظ على قوة عسكرية لديها القدرة والمعدات للردع ضد أي مبادرة عدوانية ضدها”. معللاً ذلك بالقول إن “ردع العدو ومنع الحرب مهم وأفضل من الانتصار في حرب ضد العدو”. فمن المرتدع اليوم: إسرائيل أم محور المقاومة الذي يعمل على إزالتها؟
ولكي نعرف أكثر عما يمثّله بن غوريون للكيان، نستعرض أبرز محطات حياته، وما هو الدور التأسيسي الذي كان له في صياغة قواعد الكيان الاستراتيجية؟
_ هو من أصول بولندية، وكان لتيودور هرتزل (مؤسّس الصهيونية) دوراً كبيراً في نشأته، ولذلك عندما مات الأخير في تموز / يوليو من العام 1904 في تموز 1904، نعاه في إحدى رسائله بالقول: “تحطمت آمالنا وأحلامنا! … الجو بارد ومظلم في كل مكان، ولا يوجد نور أمل … ذهبت الشمس، لكن نورها لا يزال يضيء! … مرة واحدة فقط في آلاف السنين سيولد مثل هذا العامل المعجزة”.
_ جاء كمستوطن الى فلسطين في خريف العام 1906 قادماً من بولندا مع حبيبته راشيل نلكين ووالدتها ومع رفيقه شلومو زيماخ. تم تمويل رحلته من قبل والده.
_ شارك في تأسيس حزب العمل الإسرائيلي، وامتهن الصحافة في بداية حياته العملية وبدأ باستعمال الاسم اليهودي “بن غوريون” عندما مارس حياته السياسية.
_قبل نشوء الكيان تولى رئاسة مجلس إدارة الوكالة اليهودية. كما ترأس قيادة الاستيطان اليهودي في فلسطين المحتلة خلال فترة الانتداب البريطاني. وفي العام 1946، تولى منصب الرئيس التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية.
_بعد إعلان نشوء الكيان في الـ 14 من أيار / مايو 1948، كان أول رئيس وزراء لكيان الاحتلال، وهو الذي قاد الكيان كرئيس للوزراء ووزير للحرب لمدة عشر سنوات ونصف حتى عام 1963 (باستثناء فترة انقطاع لمدة عامين، 1953-1955). كما وقّع أمر إنشاء جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالتزامن مع أمره بحلّ الجماعات الإرهابية الصهيونية المسلّحة، معتبراً إقامة الجيش الإسرائيلي المشروع الأهم مع “إقامة الدولة”. وهو الذي قاد حرب 1948 ضد الجيوش العربية.
_بصفته كأول رئيس وزراء، كان مسؤولاً إلى حد كبير عن صياغة القوانين الإدارية في كيان الاحتلال. كما كان هو المسؤول عن بدء مشروع إسرائيل للسلاح النووي من خلال بناء مفاعل ديمونا، وكان من المشجعين والمنظمين لإحضار اليهود من أنحاء العالم واستيطانهم في فلسطين، وفي نفس الوقت كان من منظّري ومنفّذي تهجير الفلسطينيين الى الدول المجاورة لفلسطين والى الشتات. لهذه الأسباب وغيرها، عُرف باسم “الأب المؤسس لإسرائيل”.
_استقال من منصبه في العام 1963، وتقاعد من الحياة السياسية في العام 1970. ثم انتقل إلى كوخه في مستوطنة بصحراء النقب، حيث عاش حتى مماته.
_ في 18 تشرين الثاني / نوفمبر للعام 1973، بعد وقت قصير من حرب تشرين التحريرية، أصيب بنزيف في الدماغ، ونُقل إلى مركز شيبا الطبي في مستوطنة رامات غان. بدأت حالته بالتدهور في 23 تشرين الثاني / نوفمبر، ومات بعد بضعة أسابيع. وقد دُقّت صفارات الإنذار في جميع أنحاء الكيان بمناسبة وفاته.