وقّعت صنعاء مذكرة تفاهم مع الصين بشأن الاستثمار في مجال الاستكشافات النفطية. في خطوة وصفت بالمفاجئة لتزامنها مع المراوحة الحذرة لملف التفاوض الذي لم يشهد انفراجات يعوّل عليها بعد أكثر من 7 أشهر على تعذّر تمديد الهدنة. وبينما تكثر اختلافات الرأي حول مفاعيل العقد ودلالته، يبقى الثابت الوحيد ان بكين تجاوزت مرحلة “الانفتاح الحيادي” إلى خطوات فعلية أكثر ليونة تجاه صنعاء كطرف فاعل وصاحب قرار دون أن يكون هناك هواجس تعوّق مزيداً من التعاون لاحقاً.
وتم توقيع المذكرة مع شركة “أنتون أويل” ومع ممثل للحكومة الصينية، “بعد إجراء عدة جولات من المفاوضات”. وبحسب المعلومات الواردة فقد تم التنسيق أيضاً مع عدة شركات أجنبية، يجري العمل على وضع اللمسات الأخيرة لتوقيع اتفاقيات معها، أكد وزير النفط والمعادن لدى صنعاء، أحمد دارس، أنها ستحصل على “تسهيلات لتشجيع المستثمرين”. داعياً الشركات إلى “زيارة اليمن من أجل الاطلاع على المقومات والفرص والمزايا والتسهيلات، التي ستحظى بها استثماراتهم”.
تحمل هذه الخطوة دلالات لا تتلخص بانتقال صنعاء من مرحلة العلاقات الدبلوماسية مع الأطراف الدولية، بل بترجمتها خطوات عملية على غير صعيد وأهمها الجانب الاقتصادي في ظل الحصار المفروض عليها. اذ ان بكين التي استقبلت وفداً يمنياً في كانون الأول/ ديسمبر عام 2016 وعلى رأسه محمد عبد السلام، اختارت حينها ان تكون “منفتحة على كافة الأطراف…فلا يمكن تجاهل قوة ونفوذ مليشيا الحوثي”، باتت تدرك اليوم ان “الميليشيا” أضحت قوة أمر واقع لا عبور إلى الحل السياسي والوقف الشامل لإطلاق النار إلا باستجابتها.
ويمكن فهم عدد من الحيثيات لهذه الخطوة:
-نيل صنعاء الشرعية من قبل طرف دولي وازن كالصين لناحية قدرتها على ابرام الاتفاقيات في مناطق نفوذها وبالتالي خروج بكين من خطاب “الميليشيا” إلى منطق “الطرف السياسي الفاعل”.
-إدراك بكين ان صنعاء قادرة على حماية مناطقها وما ينسحب على ذلك من حماية الشركات الاجنبية التي تختار الاستثمار فيها. خاصة في ظل تأكيد الوزير دارس على ضرورة التزام اتفاقيات المشاركة في الإنتاج، والتقيد بكل التعاميم والتوجيهات الصادرة لها من وزارة النفط في صنعاء منذ عام 2018″.
-هو مكسب من مكاسب صنعاء السياسية التي ستثمرها حكماً في المرحلة المقبلة
-كسر الاحتكار الأميركي-الفرنسي للقطاع النفطي في اليمن طيلة العقود الماضية.
-يعد هذا الاتفاق كخطوة بناء ثقة لعدد من الشركات الأجنبية الأخرى التي قد تتخذ قرار عقد الاتفاقيات مع صنعاء ليس فقط بالمجال النفطي على الرغم من أنه الأكثر جذباً.
ويشير الصحفي والباحث الاقتصادي، رشيد الحداد، في حديث لموقع “الخنـادق”، إلى ان “الجانب الصيني سبق له ان أبرم اتفاقيات مماثلة مع حكومة العراق والمناطق التي تم الاستثمار بها من قبل الصينيين في جنوب العراق وهي منطقة ملتهبة”. لافتاً إلى ان “مذكرة التفاهم التي لم يعلن عن المناطق التي سيتم الاستثمار فيها بشكل تفصيلي، ولكنها تؤكد على ان هناك رغبة صينية بالاستثمار في القطاعات النفطية التي كانت شبه مجمّدة من قبل بعض الدول وهي قطاع نفط الجوف وقطاع تهامة اللذين يقعان تحت السيطرة الكاملة لحكومة الإنقاذ الوطني”.
وعن المحاذير الأمنية للشركات في ظل عدم التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل، يقول الحداد، أن الصين باتت تدرك ان “المعادلة العسكرية تغيرت ومن يستطيع ان يمنع تهريب النفط الخام إلى خارج اليمن يستطيع ان يحمي هذه الشركات من أي ابتزاز من أي قوى أخرى”.
الكاتب: مريم السبلاني